ماذا وراء قرار الجزائر تدريس الإنجليزية بدلا من الفرنسية؟
4-أيلول-2022
بغداد ـ العالم
تساءلت مجلة "بوليتكو" عن قرار الجزائر الانتقال من تعليم اللغة الفرنسية إلى اللغة الإنجليزية لغة تدريس ثانية في المدارس الجزائرية.
وقالت سيليا كولكت إن التحول يظهر المدى الذي خسرت فيه فرنسا تأثيرها على مستعمرتها السابقة. ففي عالم الدبلوماسية، هناك تفاصيل قليلة تحمل نفس القدر من الأهمية مثل اللغة، ولغات قليلة لها ذلك القدر من التأثير الثقافي والدبلوماسي مثلما تفاخر الفرنسيون دائما.
لذلك فإنه عندما كتب على منصة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في القصر الرئاسي الجزائري الأسبوع الماضي "رئاسة الجمهورية" باللغة الإنجليزية بدل الفرنسية، لاحظ الدبلوماسيون والمراقبون التغير، فالجزائر بعد كل هذا ظلت جزءا من الإمبراطورية الفرنسية لأكثر من قرن.
وقال خافيير درينكور، السفير الفرنسي السابق للجزائر: لم أفاجأ ولكنني صدمت من فعل (الجزائر) أمرا أثناء زيارة رئيس فرنسي.
وأضاف: "هذا أمر مقصود، وهي رسالة لفرنسا، وهي طريقة لإخبار الشعب الجزائري أنه لا شيء خاصا يتعلق باللغة الفرنسية، فهي لغة مثل بقية اللغات".
وتقول المجلة إن اختيار المضيف اللغة أثناء زيارة ماكرون للجزائر في الأسبوع الماضي، هي إشارة عن محاولات تخفيض درجة اللغة الفرنسية كلغة عمل بالنسبة للجزائر الرسمية. ففي تموز/ يوليو أعلن الرئيس عبد المجيد تبون عن بدء تعليم اللغة الإنجليزية في المدارس هذا العام. وقدم القرار على أنه تخلص مرحلي من اللغة الفرنسية.
وقال إن الفرنسية هي غنيمة حرب، أما الإنجليزية فهي لغة عالمية. وتقول المجلة إن استخدام الفرنسية في الإدارات العامة والتجارة والجامعات هي جزء من الإرث الاستعماري المعقد والحقبة التي انتهت عام 1962، بعد ثماني سنوات من الحرب الطاحنة التي قادت للاستقلال. واليوم تخوض فرنسا حربا ناعمة للحفاظ على تأثيرها في وقت تتحرك فيه المستعمرة السابقة للتحول عن الفرنسية إلى الإنجليزية وتدريسها في المدارس. وتعتبر اللغة العربية والأمازيغية اللغتين الرسميتين في البلاد، حيث يتحدث معظم السكان لهجة عربية في البيوت.
ورغم أن الفرنسية ليست لغة رسمية إلا أنها تدرس بالمدارس الابتدائية من سن التاسعة ويتحدث بها ثلث سكان الجزائر. أما الإنجليزية فتدرس في المدارس الثانوية، بدءا من سن الرابعة عشرة. ولو أمضت الحكومة الجزائرية قرارها فسيتم عكس وضع اللغتين، حيث تصبح اللغة الإنجليزية لغة تدرس في المراحل الابتدائية والفرنسية في المراحل الثانوية.
وبحسب أرقام المنظمة الدولية للغة الفرنسية، فالجزائر تعد ثالث دولة في العالم تنتشر فيها الفرنسية، وينطق بها 15 مليون من أبناء الجزائر. وتأتي بعد فرنسا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وستكون خسارة الجزائر لطخة في مجال التأثير الفرنسي والذي يعد مصدر قلق للساسة الفرنسيين.
وقال رياض غسيلي، المحاضر في اللغة الفرنسية بجامعة بومرداس، شرق الجزائر: "إذا لم تتحرك فرنسا ولم توقف استبدال الإنجليزية بالفرنسية فستخسر التأثير، وستخسر الناس الذين سينشرون ثقافتها والدفاع عن مصالحها، وإذا لم يحدث أمر إزاء التغيير فسيختفي مجال التأثير الفرنسي".
ومع أن التحول عن الفرنسية هو محاولة لتحرير الأمة التي تعيش على المتوسط من الماضي الاستعماري، فإن الكثير من الناطقين بالفرنسية ينظرون إلى القرار نظرة شك، ويعتقدون أن له دوافع سياسية.
وقال غسيلي: "تحاول الحكومة تشجيع استخدام اللغة العربية، ولكنها تريد تشجيع اللغة الإنجليزية لأنه ينظر إليها على أنها محايدة ثقافيا في الجزائر".
وأضاف: "يفعلون هذا لأن خلف كل لغة ثقافة واللغة الفرنسية تخلق أناسا ناقدين، فمن يقرأون كامو شكلوا تحديا للسلطات، في إشارة لألبير كامو الذي ولد في الجزائر". ووسط صخب العاصمة الجزائر، ينتهز الجزائريون الذي خرجوا للغداء فرصة الجلوس في الشمس والتحدث مع بعضهم البعض قبل العودة لأعمالهم أو مدارسهم. وفي خارج مستشفى مصطفى الجامعي، فإن الموقف من اللغة كان واضحا، فالمعظم يحبذ دراسة الإنجليزية بدلا من الفرنسية في المدارس الثانوية لو كان لديهم خيار.
وقال طالب الإدارة سهيل الزواوي: "الإنجليزية هي لغة عالمية وهي مفيدة أكثر من الفرنسية في السفر". وأضاف: "لو أردت العمل في الجزائر فأنت بحاجة للفرنسية، لكن لو أردت وظيفة في أوروبا وكندا والولايات المتحدة فأنت بحاجة للإنجليزية".
وقال الممرض عبد الرحيم سركاوي (23 عاما): "يحب الشباب التحدث بالإنجليزية لأن الجميع يتحدث بها، ولا يتحدث باللغة الفرنسية إلا في عدد من الدول"، وأضاف أن تاريخ الاستعمار نفرنا من تعلم الفرنسية.
وفي هذه الزاوية من الجزائر، تتراجع القوة الفرنسية الناعمة المدعومة، والقنوات التلفازية تفشل في إحداث خرق في التأثير الأمريكي، حيث يذكر الشباب أسماء المغنين الأمريكيين والممثلين المفضلين لهم. ويبدو أن رغبات الجيل الجديد تتوافق مع طموح الوطنيين الجزائريين الذين كانوا يريدون التخلص من الفرنسية منذ الأيام الأولى للاستقلال.
ويقول المؤرخ في مركز الأبحاث بمدينة وهران، عمار عامر: "ليس مطلبا جديدا، بل إنه ينظر للتحرك على أنه تحرير النفس من الروابط الاستعمارية". ويضيف: "هي مسهل، ونريد التحرر من اللغة الفرنسية".
ويرى عامر أن موضوع اللغة يطل برأسه في كل مرة تشهد فيه العلاقات الفرنسية-الجزائرية توترا، كما في العام الماضي. وكانت زيارة ماكرون للجزائر الأسبوع الماضي محاولة لإعادة ضبط العلاقة بعدما انتقد المسؤولين الجزائريين واتهمهم باستخدام الماضي الاستعماري كوسيلة. كما أن ماكرون اتهم الحكومة الجزائرية العام الماضي بأنها نظام عسكري سياسي يشجع على كراهية فرنسا، وأنها تقوم باستغلال الماضي الاستعماري. واستدعت الجزائر سفيرها ثلاث مرات. ويأتي التحول للإنجليزية وسط توقيع الجزائر، عقدا بمليارات الدولارات لتزويد إيطاليا بالغاز وقرارا بتنظيم مناورات عسكرية مع روسيا في تشرين الثاني/ نوفمبر، حيث فهمت باريس الإشارات ونظر إليها على أنها تهديد لتأثيرها المتراجع في المنطقة. وجاءت زيارة ماكرون، بعد زيارة للكاميرون وبنين الناطقتين بالفرنسية وقرار سحب القوات الفرنسية من منطقة الساحل. ويرى الكثير من المراقبين أن فرنسا تحاول الحفاظ على تأثيرها على المجال الذي عرف مرة بأفريقيا الفرانكوفونية، وهي الدول التي استعمرتها فرنسا سابقا. وتتوقع المنظمة الدولية للغة الفرنسية تراجعا في عدد المتحدثين في أفريقيا، رغم التوقعات بزيادة أعداد من يتحدثون بها من الناحية السكانية.
وفي أثناء زيارته للجزائر، أكد ماكرون على دعم المجتمع الفرانكوفوني الجزائري. وقال: "نريد أن يكون لدينا مدخل مرن حول كيفية الدخول لفرنسا، ليس فقط العائلات ذات الجنسية المزدوجة، ولكن الفنانين والرياضيين والساسة ممن يساهمون في العلاقات الثنائية". والتقى ماكرون مع رجال الأعمال الشباب في السفارة الفرنسية حيث عبر بعضهم عن قلقهم بدون ذكر أسمائهم عن مخاوفهم من خطط الحكومة التخلي عن الفرنسية.
وقال إبراهيم أومنصور، الباحث في مركز "إيرس" بباريس: "يذكر الواحد بسياسات التعريب في السبعينيات والتي كانت كارثة في الجزائر. وللتخلص من المدرسين الفرنسيين تم إحضار المدرسين من سوريا ومصر، لكنهم لم يكونوا مؤهلين ولم يكونوا يعرفون الكتابة بالعربية بشكل جيد".. و"قضت الجزائر وقتا لإصلاح الخطأ".
وربما لم ينحرف التيار بعد عن الفرنسية، حيث وقع الرئيسان ماكرون وتبون على اتفاقية لفتح المدارس وترجمة الأعمال الأدبية الفرنسية والجزائرية للغتين وتعزيز العلاقات بين الجامعات على طرفي المتوسط.