رفعت الزبيدي
مقدمة تعريفية لابد منها ثم الدخول في جوهر الموضوع. مُقتبس التعريف : صناعة الوهم هو مصطلح يشير إلى العمليات والأساليب التي تستخدم لتكوين وترويج أفكار أو معتقدات غير حقيقية أو مشوهة في أذهان الناس. هذا المفهوم يمكن أن يُطبّق في مجالات مختلفة، مثل الإعلام، السياسة، الدعاية التجارية، وحتى في الفنون والثقافة. هدف صناعة الوهم هو التأثير على إدراك الجمهور وتوجيهه نحو تصديق أو قبول مفاهيم معينة على أنها حقائق، على الرغم من أنها قد تكون ملفقة أو مضللة.هناك بعض من أساليب صناعة الوهم منها التلاعب بالمعلومات من خلال تقديم معلومات منتقاة أو معدّلة بحيث تخدم أجندة معينة. التكرار المستمرحيث أن تكرار نفس الرسائل أو الأفكار بشكل مستمر تجعلها تبدو أكثر قبولاً وواقعية.استخدام الرموز والصور المؤثرة للاستفادة منها لتكوين استجابات عاطفية قوية لدى الجمهور. إخفاء الحقائق أو تشويهها بحيث يصعب على الجمهور التمييز بين الحقيقة والوهم. استخدام وسائل الإعلام أو منصات وسائل التواصل الاجتماعية لنشر رسائل معينة بشكل واسع. صناعة الوهم يمكن أن يكون لها تأثيرات كبيرة على المجتمع، من التأثير على الانتخابات السياسية إلى تشكيل مفاهيم الصحة العامة، وحتى التأثير على القرارات الشخصية للأفراد.
هنا نأتي الى مثالين ، اليوم تابعتُ المؤتمر الصحفي لوزير الخارجية الايراني بالوكالة علي باقري كني وقد تحدث كثيرا عن محور المقاومة. النظام الايراني نجح في صناعة الوهم من خلال خداع المجتمعات التي تعرّضت الى ظروف قاسية في مخيمات اللاجئين او بسبب ظروف الحروب التي خاضتها تلك الشعوب مثل العراق ، سوريا ، لبنان واليمن. ونأخذ مثال حزب الله اللبناني الذي تورّط في ملف غسيل الأموال من تجارة المخدرات والكبتاغون فهناك جالية لبنانية تعيش في دول افريقيا وامريكا اللاتينية قسم منهم يمولون الحزب من هذه التجارة الغير شرعية.وفي العراق مليشيات مسلحة واحزاب ولائية مكّنت إيران من الهيمنة على القرارين السياسي والاقتصادي مما أفقد العراق سيادته الوطنية وبتواطئ من الادارات الأمريكية المتعاقبة بعد غزو العراق 2003. عندما ذكرتُ ملف اللاجئين العراقيين في إيران منذ الثمانينيات من القرن المنصرم فكانت أساليب استدراج الكثير من العراقيين الى المخدرات وغسل ادمغتهم ليتم توظيفهم فيما بعد لخدمة أجندة النظام الايراني. أصبح علي الخامنئي نائبا للمهدي المنتظر ومن قبله الخميني فكانت صناعة الوهم متجذرة لتصبح جزءا من عقيدة القيادات الحاكمة ومن يأتي من بعدهم من الجيل الثاني والثالث.الوهم المرتبط بالنظام الايراني هو التيار المدني الذي يروّح الى شخصية النائب السابق فائق الشيخ علي واليوم تابعت حواره من خلال قناة سكاي نيوز الاماراتية. للأسف يبدو أن الاعلام العربي وقع في فخ صناعة الوهم الايرانية من خلال الترويج لشخصية فائق دعبول ميرندي ذي الأصول الايرانية. هنا يحتاج القاريء الى ضبط النفس إن كان من المتحمسين له او الباحثين عن بصيص أمل لهم للخلاص من العملية السياسية . قناة سكاي نيوز ذكرت عبارة أن البرلماني السابق فائق يعتبر من أشد المعارضين لنظام صدام حسين ومابعد 2003. لنأتي الى تفكيك هذه الاكذوبة او المغالطة وهي جزء من الوهم. متى ظهر النائب السابق فائق الشيخ علي الى الساحة الاعلامية؟ هو من المشاركين في ماعُرفت بانتفاضة 1991 ثم انتقل الى مخيم رفحاء في المملكة العربية السعودية ثم الى ايران ، لندن عام 1993 . لو حسبنا نشاطه كمعارض لنظام صدام حسين لم يكن له شان خلال تلك السنتين بينما انا شخصيا مثلا في 1991 وبعد قيام المنطقة الآمنة شمال خط عرض 36 شمالا لمحافظات أربيل ، السليمانية ودهوك بدأتُ نشاطي الاعلامي من القسم العربي في تلفزيون كه ل أي الشعب التابع الى حزب الشعب الديمقراطي الكردستاني بزعامة الشهيد سامي عبد الرحمن. كنتُ مذيعا وكاتبا للتعليق السياسي وكاتبا ومقدما لبرامج وثائقية وقمتُ بتغطية تأسيس المؤتمر الوطني العراقي الموحد في مصيف صلاح الدين 1992. ثم انتقلتُ الى العمل في صفوف المعارضة من خلال المشاركة في تأسيس هيئة تحرير صحيفة المؤتمر ثم تأسيس إذاعة صوت العراق وبعدها تلفزيون هيئة الارسال العراقية . خلال هذه الفترة كان نشاطي في أخطر مرحلة مرّت علينا حيث ملاحقة مخابرات نظام صدام حسين النشطة في تلك المحافظات من كردستان العراق، معد ومقدم برامج حقوق الانسان وبرامج وثائقية ومنها توثيق وشم الجبين وقطع أذان الجنود الفارّين من الخدمة العسكرية الذين لجأوا الى مناطق كردستان العراق حيث قمنا بتوثيق قصصهم وتزويد المنظمات الدولية في مجال حقوق الانسان بالاضافة الى عدة مقالات في صحيفتي المؤتمر والاتحاد التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني وبعدها صحيفة بغداد والوفاق عندما انتقلتُ الى سوريا عام 1995 فأين هو نشاط النائب فائق الشيخ كمعارض شرس ضد نظام صدام حسين؟! لم يكن له ذكر في تلك الفترة ونحن قدّمنا كمعارضين قافلة من ضحايا سم الثاليوم والاختطاف والتصفية الجسدية.لذلك أقول أن الاعلام العربي للأسف يروّج الى معلومات مغلوطة وهذا تزوير للتأريخ مما يفقدهم مصداقيتهم لدينا. لهذا لا ألوم من يصدقون تلك الأوهام وأيضا منها أن فائق الشيخ علي هو مطلب مايُعرف بثورة او حراك تشرين 2019. طيّب متى تم طرح إسمه كمطلب شعبي؟ لنأتي الى خارطة طريق ثورة تشرين متى صدرت؟ وماهي مطاليبها؟ كان من ضمن خارطة طريق تشرين هو حكومة انتقالية فلماذا لم يُطرح اسم فائق الشيخ علي كرئيس للحكومة الانتقالية باعتبار ذلك مطلبا شعبيا؟ كلنا نعلم أن حراك تشرين تم إختراقه من الأحزاب والمليشيات الحاكمة فكان من الطبيعي أن يتم الالتفاف على الأسس والمرتكزات المهمة ومنها تشكيل حكومة انتقالية تتوفر فيها أربعة شروط أساسية وهي أن يكونوا مستقلين ولم يسبق لهم العمل في أي حزب سياسي سابقا . لم يسبق لهم العمل في أي حكومة أو مجلس نوّاب سابق ولا في أي حكومة محلية أو مجلس محافظة. فكيف كان ترشيحه في ساحة التحرير كمطلب جماهيري وهو من المؤسسة التشريعية للعملية السياسية الفاسدة والقاتلة؟ النقطة الأخيرة أن مقدمة الحوار في قناة سكاي كانت ذكيّة وكشفت تناقضات كثيرة في أقواله السابقة لا أريد الخوض فيها كثيرا فماذكرته كافيا لتعرية الوهم الكاذب الذي يستقطب الشباب العديم الخبرة في التحليل والعمل السياسي والاعلامي. من هنا أنصح المغرر بهم أن يعودوا الى رشدهم ويكفي البقاء أسرى أوهام تطيل من معاناة الشعب والوطن.لقد طرحنا أدبياتنا السياسية بمايكفي لكل ضمير حيّ أن يميز بين الحقيقة والوهم.