مجانين بلا ليلى!
12-تموز-2023
عامر بدر حسون
وكتب لي اخي الراحل "ابو انيس" رسالة مهربة الى منفاي قال فيها، مختصرا وضع العراق والعراقيين في التسعينات:
ولو اتيت الى العراق اليوم فسترى الناس "سكارى وما هم بسكارى"!
وهو تعبير مستل حرفيا من الآية الثانية في سورة الحج.
ومن يومها والصورة لا تفارقني..
بل انني كنت اجد فيها تفسيرا لكل هجمة جماهيرية ضد الامبريالية العالمية، او ضد العالم "المعادي والمتآمر" على العراق.. او هجمة جماهيرية ضد الديمقراطية والياتها.. او هجمة جماهيرية اخرى تطالب وتتوسل كل عسكري تراه كي يقود جماعته وينقلب على الحكم ويمسك الامور بيد من حديد.
وما يزيد المشهد جنونا انهم استغلوا الحرية التي اتيحت لهم بعد اسقاط الدكتاتور ليطالبوا بدكتاتور جديد!
و لا لوم على احد..
فثقافتنا السائدة لم تفهم ولم تستطع تخيل الحكم في العراق الا بصورة دكتاتور يرغم العراقيين للسير على "الصراط المستقيم"..
وهذه الثقافة لم تزرع في رؤوس العراقيين سوى تلك الفكرة عن الحاكم والمحكوم وهي تقول ان من يحتاج الى رقابة ومحاسبة هو المحكوم وليس الحاكم!
والحال انه اصبح في داخل كل عراقي نموذج لهذا الدكتاتور يشبهه قوميا ودينيا وطائفيا.. وسياسيا والخ.
والعراقي متعلق بهذا النموذج كتعلق العاشق الخائب قيس ابن الملوح (645 – 888م) بليلى العامرية.
وقيس بن الملوح اصيب بالجنون لأنه حرم من حبيبته، وهو انطلق وابدع في مديح جمالها الخارق في حين يعرف ويعرف الجميع انها، إن وجدت، ليست جميلة بمقاييس العرب للجمال في تلك الايام (راعية غنم سمراء واقرب الى السواد).
وهو مثل كل العشاق الفاشلين في اثبات جمال حبيبته صار يطلب من الاخرين ان ينظروا لها بعينية لا بأعينهم!
وهو ما فعلته ثقافتنا السائدة في تعلقها بالدكتاتور، مهما كان اسمه ومهما كانت مواصفاته ومستواه العقلي!
وهي صورة رافقتنا منذ بكر صدقي قائد اول انقلاب في العراق (سنة 1936) وانتهاء بالصورة المشينة لصدام حسين في حفرته.
وكما لا وجود لليلى وجمالها الا في عين المجنون..
كذلك لا وجود للدكتاتور العادل الا في رؤوس المجانين!
وستتأكد من هذا غدا او بعد غد حين تجد العراقيين يتنافسون على رسم صورة جميلة لضباط قفزوا للحكم في اول فرصة اتيحت لهم.. او وهم يحتفلون بطاغية استولى على العراق لأكثر من ثلاثين سنة.
وسنرى مشهد المجانين في حياتنا كما وصفهم الشاعر علي الشرقي (1890 – 1964) بالقول قبل سبعين سنة:
لم أجد في العِراق ليلى ولكنْ
كل آنٍ أمرُّ في مجنون!