محمد عبد الجبار الشبوط
احدى الامثلة التي استخدمها للدلالة على ضحالة الثقافة الدستورية والسياسية للاباء المؤسسين للنظام السياسي الحالي والذين كتبوا دستوره الدائم هي المادتان غير المتجانستين الواردتين في الدستور حول مجلس الاتحاد الغائب او المغيب على مدى ١٨ سنة.
في المادة (٤٨) يقول الدستور: "تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد."
والقاريء يفهم من هذه المادة ان المجلسين يقفان على صعيد واحد من حيث القيمة الدستورية في الدولة بدلالة استخدام (واو العطف) بين المجلسين.
ولكن الاباء المؤسسين كتبوا في المادة (٦٥): "اولاً: يتم انشاء مجلس تشريعي يدعى ب (مجلس الاتحاد ) يضم ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، وينظم تكوينه وشروط العضوية فيه ،واختصاصاته، وكل ما يتعلق به بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب". (لا يوجد ثانيا في النص المنشور للدستور). وهذه المادة تجعل مجلس الاتحاد اقل درجة من مجلس النواب. فمجلس النواب يستمد شرعيته وصلاحياته من الدستور الذي صوت عليه الشعب، في حين ان مجلس الاتحاد يستمد صلاحياته وشرعيته من قانون يسنه مجلس النواب. وعليه يكون مجلس الاتحاد ادنى درجة من مجلس النواب. وهذا خلاف المعتمد في الأنظمة الديمقراطية العريقة. فقد جرت العادة في الكثير من الأنظمة الديمقراطية، وفي الولايات المتحدة كمثال، ان يكون هناك نوعان من البرلمانات: مجلس النواب ومجلس الشيوخ (أو مجلس الاتحاد في بعض البلدان). كل من هذين المجلسين له دوره الخاص ويسهمان معا في تشريع القوانين وإدارة شؤون البلاد.
إحدى الفوائد الرئيسية لوجود مجلسين تشريعيين هي توفير نوع من التوازن والفحص المتبادل. باعتبار ان كل مجلس يمثل مصالح مختلفة ويعتمد على عمليات انتخاب منفصلة، يتم تقديم وجهات نظر متنوعة للقضايا الهامة. هذا التوازن يعتبر ضرورياً للحفاظ على الديمقراطية وتفادي تجمع السلطة في يد فئة واحدة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن وجود مجلسين يسهم في تحقيق مزيد من الكفاءة والتدقيق في عملية صناعة القرار. يمكن لكل مجلس تقديم ومراجعة القوانين والسياسات بشكل مستقل، مما يسمح بتدقيق إضافي وتحسين إجراءات الرقابة. وهذا يقلل من احتمال حصول القرارات السطحية أو غير الناضجة.
أيضًا، من الممكن أن تنعكس مختلف القيم والثقافات في مجتمع ما في الهياكل التشريعية المزدوجة، مما يضمن تمثيل أوفى لمختلف شرائح الشعب وتفضيلاتهم.
ويمكن القول إن وجود مجلسين تشريعيين يمكن أن يعزز من الشفافية والتوازن في العملية التشريعية، وأنه كما يتيح توظيف أفضل للخبرات والمعارف المختلفة، كما أنه يسهم في تعزيز الديمقراطية والتمثيل العادل لجميع قطاعات المجتمع.
لكن هذه الفكرة لم تكن حاضرة في اذهان الاباء المؤسسين العراقين. وفي نقاش مع احدهم ذات يوم قال لي ان الغرض من مجلس الاتحاد ان يكون مجلسا تنسيقيا بين المحافظات. وهذا تقليل كبير من شأن مجلس الاتحاد المفترض.
وفي نظام سياسي كالنظام العراقي القائم في معظمه على المحاصصة والتوافقية اقترحت في مقالات سابقة ان يتم توزيع الصلاحيات والاختصاصات بين مجلس النواب ومجلس الاتحاد بناء على نوع القرار المزمع اتخاذه. فالقرار الذي يتطلب اكثرية الاصوات يحال الى مجلس النواب، والقرار الذي يتطلب توافقا، اي اجماعا، يحال الى مجلس الاتحاد. وهذا يتطلب تعديل المكانة الدستورية لمجلس الاتحاد، وبدون هذا "لن تقوم لمجلس الاتحاد من قائمة إذا لم يكن بمستوى شرعية مجلس النواب ويكون له صلاحيات حصرية لا ينافسه فيها غيره" كما كتب الاستاذ علي المدن، مضيفا: "وهذا يعني أن تأسيس مجلس الاتحاد وسن قانونه يجب أن يأتي ضمن صفقة واحدة وهي تعديل الدستور والتصويت الشعبي العام على الدستور المعدل بعد ضم المواد الجديدة المتعلقة بمجلس الاتحاد."