مدنية الدولة
22-تشرين الأول-2022
ياسين العطواني
عادة ما يدور الحديث ويزداد الجدل بين الأوساط المعنية، اثناء التحولات التاريخية التي تشهدها البلدان والأمم، حول طبيعة وماهية نظام الحكم المراد إقامته لإدارة شؤون البلد، الذي يمر بمثل هكذا تحول، ومن المعروف أن التحولات التي تتصف بطابع ديناميكي طالما يترتب عليها تغيير مجموعة من الأنظمة والمفاهيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
في هــذه الفتــرة الانتقاليــة يتم اســتحضار مختلــف الأنظمة والأيديولوجيــات فــي العالــم، ليتــم فــي نهاية المطــاف اختيار الأصلــح منهــا، وبما يتفــق مــع التوجهــات الروحيــة والثقافية والاجتماعيــة للبلــد المعني.
وقد شــهدت بلدان عديــدة من دول العالم الثالث، هذا الجدل البيزنطي، لا ســيما تلك التي انتقلت من نظام شــمولي دكتاتوري إلى نظام ديمقراطي تعددي، وربما يســتغرق هذا الجــدل وقت طويلا وتترتب عليه مشــكلات جمة قبل ان تهدأ النفوس ويســتقر الوضع.
والعراق كبلد ليس استثناء من هذا التوصيف، فقد شــهد ما شــهد بعد عمليــة التغيير، من حــوارات ومناقشــات مســتفيضة ومطولة حول النظــام الأمثل، الذي يمكن تبنيه لإدارة شــؤون البــلاد، ولعل من جملة ما طرح ولا يــزال يطــرح باســتمرار من قبل جهــات سياســية وإعلامية وثقافية، هــو مفهوم الدولة المدنية، حيث يــرى هؤلاء أن بإمكان الدولــة المدنية ضمان حقــوق جميع المواطنين بعــض النظر عن توجهاتهــم وخلفياتهــم القوميــة والدينيــة والأيديولوجية، على اعتبــار أن أهم مبــادئ الدولــة المدنية هو عدم خضــوع أي فرد فيهــا، لانتهاك حقوقه من قبل جهة أو طــرف أخر، فهناك دوماً ســلطة عليا هي ســلطة الدولة والتــي يلجأ إليها الأفــراد عندما يتــم انتهــاك حقوقهــم أو تهــدد بالانتهــاك. فالدولة هــي التي تطبــق القانــون وتمنع الأطراف مــن أن يطبقوا أشــكال العقاب بأنفسهم.
كمــا أن مدنيــة الدولة تمنــع تحويل السياســة إلى صــراع حول العقائد الدينية أو الشرائع الســماوية، بل تبقيها صراعا سلميا بين رؤى وأفكار وبرامج وقوى ومؤسســات وأشخاص يهدف إلى اختيار الأفضل للدولة والمجتمع.
وعلــى الرغم من اعتــراض البعض على مفهــوم الدولة المدنية، ســواء كان هــذا الاعتراض متأتيا من جهل لهــذا المفهوم، أو من اعتقــاد نابع عن خشــية مــن تطبيقات ســلبية يمكــن ان تتركها مدنيــة الدولــة على معتقــدات دينية واجتماعية محــددة، ولكن في جميع الأحوال، علينا تجاوز التســميات والشــكليات والانتباه إلــى المضمون والجوهر، أي ان فكــرة المضمون، هي قيام الدولة
علــى أســاس مدني، وعلــى دســتور متفق عليــه، وعلــى احترام القانون، وعلى المساواة في الحقوق والواجبات، وحرية الاعتقاد، والتســامح وقبول الآخر، واعتماد مبدأ المواطنة كثابت جوهري، بحيــث أنها تضمــن حقوق جميــع المواطنين، فهــذا المضمون إن وجــد في دولة ما فهذا هو المطلوب، وبالتالي نســميها ما نشــاء، المهــم أن تكون محل رضا وقبول الجميع. وبمــا أن مفهوم الدولة المدنية يعتبر من المفاهيم الحديثة، فإن هذه الحداثة قد رافقت حداثة الدولة العراقية، منذ تأسيســها في مطلع القرن الماضي.
وبالرغــم من كل الملاحظــات التي رافقت تأســيس هذه الدولة، وكذلــك طبيعة الأنظمة الحاكمة، التي تعاقبت على حكم العراق الحديــث، إلا أن الطابــع المدنــي والحضــاري كان الطابع المميز للــدول العراقية الحديثــة، ولم تكن هناك غلبــة للنقيض المدني والحيــاة المدنية عموما، وقد تمثل ذلــك بكل وضوح في الجوانب الاجتماعية والتربويــة والثقافية.
ممــا يعني أن الحيــاة المدنية بمفهومهــا الشــامل كانــت ولا تــزال بمثابة ثقافة عامــة لا بديل عنها، ونهج ثابت في صيــرورة المجتمع العراقي. ونعتقد أن تبني مبــدأ الدولة المدنيــة ذات الطابــع الحضاري كفيــل بحل جميع الإشــكاليات والعقد، التي تعترض بناء الدولة، المتعددة الأعراق والأديان والمذاهب.
على الرغم من اعتراض البعض على مفهوم الدولة المدنية، سواء كان هذا الاعتراض متأتيا من جهل لهذا المفهوم، او من اعتقاد نابع عن خشية من تطبيقات سلبية يمكن ان تتركها مدينة الدولة على معتقدات دينية واجتماعية محددة، ولكن في جميع الأحوال، علينا تجاوز التسميات والشكليات والانتباه الى المضمون والجوهر.