عامر بدر حسون
لا اعرف مكانا في اليقظة او في الاحلام اجمل من هوليود!
وكنت محظوظا انني زرته في التسعينات، وزرت فيه طفولتي وشبابي وكل احلامي التي ساهمت السينما بغرسها في عقل واحلام شاب من العالم الثالث.
الزيارة الاولى كانت لستوديوهات وارنر برفقة دليل ما انفك يذكرنا بسوء حظ اميركا لان رونالد ريغان فشل في هوليود واضطر ان يكون رئيسا لاميركا!
وشاهدت عرضا لبعض عثرات وهفوات الممثل الرئيس فيما كان الدليل يتحدث:
هل صدقتم كم اميركا سيئة الحظ؟
وكانت اللقطات تريد ان تقول لنا كم هو اخرق هذا الممثل ولا شك عندي ان من اعد اللقطات كان ديمقراطيا يريد ان يسخر من الجمهوريين ورئيسهم الذي اصيب بالزهايمر في اخر ايامه!
وكمواطن عراقي في التسعينات، كنت اتلفت واتساءل:
- كيف يهينون رئيسهم بهذه الطريقة؟!
وفي العراق كان المرء يعدم لمجرد انتقاده صدام او أي من وزرائه وقادة حزبه (وهناك قرار لمجلس قيادة الثورة حدد نقد صدام وقيادته كجريمة عقوبتها الاعدام)!
وقضيت يوما ثانيا في ستوديوهات يونيفرسال، وتجولت في المدن التي شاهدتها في طفولتي وشبابي وتذكرت اين شاهدت هذا الفلم او ذاك، واين وقف البطل واين تم اختطاف البطلة واين غنى (جين كيلي) في فلم "غناء تحت المطر"؟ واين قام (جون وين) بتصفية العصابة التي تطارده بمسدسه؟ واين اشعل روبرت ميتشوم سيكارته؟ واين انطلق جيمس دين بتمرده وضياعه؟ واين رقصت مارلين مونرو؟ واين طار فستانها الابيض في اللقطة التي صارت من رموز السينما وعلاماتها الفارقة؟
سرت في شوارع مدن الكاوبوي، وفي مدن المافيا وفي شوارع العشرينات وفي الشوارع الرومانسية، وتمشيت امام البيوت الصغيرة والكبيرة ونظرت الى شبابيكها منتظرا ان تزاح الستارة وتطل علي منها افا غاردنر او اية واحدة من زميلاتها النجيبات: صوفيا لورين او ريتا هيوارث او اودري هيبورن او اليزابيث تايلور!
ولا تستغربوا.. فلا مجال لتواضع الاحلام في هولييود!
وكما في الحياة والافلام فلا بد لكل شيء من نهاية!
وقد جاءت النهاية على يدي! اذ تسللت للدرابين الفرعية لارى ما هو خلف الابواب وليتني ما فعلت!
لقد كانت المدن بكل جمالها وجبروتها عبارة عن خشب مسنود بخشب!
لا شيء خلف ذاك الباب وتلك النافذة التي شغلت احلامنا سوى اعمدة خشبية تسند الابواب والنوافذ والجدران!
مدن بكاملها كانت تستند على اعمدة خشبية.. اما الصورة الاخرى لها، من الجهة الثانية.. جهة الكاميرا، فهي مدن وبيوت وشوارع هي الاجمل على الاطلاق!
بقيت لايام وانا ادق بيدي،سرا ولا شعوريا، على جدران البنايات في اميركا.. فعلت هذا في الكونغرس الامريكي وفي البيت الابيض وفي مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة (وهي اماكن يستطيع الزائر والسائح والصحفي زيارتها بكل سهولة تلك الايام)!
كنت اريد ان اتاكد انها حقيقية وليست كما في مدن هولييود!
خلاصة هذا التذكر:
ان لكل شيء جميل او غير جميل وجه اخر.
وواجب ومهمة الكاتب ان يكشف الوجه الاخر للاشياء!
الوجه الذي لا يراه الا من تسلل في الطرق الفرعية وراى الاشياء على حقيقتها.. وصارح الاخرين بها.
وهو عندما يفعل هذا سيلعنه العبيد الذين يحبون العيش في الاكاذيب!
واعتقد، وبألم، ان ثقافتنا منذ عقود لم تبحث عن الوجه الاخر للاشياء!
فهذه الثقافة السائدة تضع المزيد من مساحيق التجميل الفاقعة على الوجه القبيح!