مراقبون يخمّنون سيناريوهات متعددة للعام 2023 هل يبقى الوضع كما هو في العراق؟
28-كانون الأول-2022
بغداد ـ العالم
يبدو المشهد الإقليمي مفتوحا خلال العام 2023 على احتمالات عدة، ما بين الابقاء على "الستاتيكو" (تثبيت الوضع القائم)، وبين احتمالات اختلال التوازنات، في محور من الدول يشمل العراق وايران وتركيا وسوريا والسعودية.
وبحسب ما يقول مراقبون وتقارير غربية، فأن "التكهن بطبيعة الرمال المتحركة في المنطقة، ليس متاحا للتدقيق، الا انه بالامكان رسم صورة من الخيارات التي قد تسير اليها دول المنطقة، في ظل حدث عالمي يترك بالفعل تداعياته على المنطقة الاوسع، يتمثل بالحرب الروسية-الاوكرانية التي الحقت شظاياها اصابات مباشرة باقتصاد العالم وتوازناته وسياساته وخططه العسكرية والامنية".
ويشير مراقبون الى إن "العراق سيكون مؤثرا ومتأثرا بمجموعة من الاحداث، وسيكون مؤتمر عمان المقبل، حيث للعراق دوره المركزي في تأسيسه واطلاق فكرته، مؤشرا على مدى الاهتمام الدولي والاقليمي بالتطورات العراقية واستقرار الاوضاع فيه، خاصة في ظل مشاركة فرنسا وايران وتركيا ومصر والسعودية وغيرهم".
وبالعموم، ستكون سنة 2023 اختبارا واضحا لمسيرة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بعدما استتبت له امور السلطة، ولهذا فان العراقيين سينظرون الى السنة الجديدة على انها المحك الحقيقي لقدرة السوداني على اختراع "معجزات" تخلصهم من ثقل الهموم السياسية والامنية والاقتصادية المتراكمة، او بأقل التقديرات، مراقبة ما اذا سيحقق ولو "بعض" الانجازات التي تساهم في تحسين معيشتهم.
لكن عيون العراقيين، وغيرهم في المنطقة، ستكون ايضا متجهة نحو المآلات التي ستتجه اليها خنادق الحرب الاوكرانية، حيث يرجح الغربيون، او يتأملون، صمود حكومة كييف، وتخبط القوات الروسية في وحول ما بعد شهور الصقيع والثلوج، وهو ما شأنه ان يترك اثاره على دور روسيا الاقليمي، من ايران الى العراق وسوريا وصولا الى تركيا.
ومن الواضح، بحسب التقارير الغربية، ومن بينها مجلة "الايكونوميست"، ان الوضع الذي كان قائما في منذ عام فقط، عندما كانت روسيا تظهر كلاعب ومؤثر اقليمي بارز في اوضاع المنطقة، يتغير، وان الغزو الروسي لاوكرانيا قلص دور موسكو في الشرق الاوسط، وهو دور سيزداد هشاشة خلال العام 2023.
فماذا يعني ذلك؟ يقول المراقبون، ان قدرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مساندة موقف ايران في مفاوضاتها النووية مع الدول الغربية، ستكون محدودة اكثر، ما سيجعل طهران عرضة بشكل اكبر للضغوط لتقديم تنازلات في مرحلة محاولة رفع العقوبات الغربية عنها، وايضا بتأثيرها على موقف ايران من مجمل الملفات الاقليمية ونفوذها، من الخليج الى العراق وسوريا وصولا الى اليمن.
وبالنسبة الى سوريا، فان الترجيحات تصب فيما بين احتمالين، يتمثل الاول في انها ستراوح مكانها بحيث لن تحدث انفراجة كبيرة برغم الضغوط المعيشية القاسية التي يمر بها السوريون، وبين احتمال ثان، يتمثل في ان سعي الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لتحقيق تقارب مع دمشق، قبل الانتخابات الرئاسية التركية في ايار/مايو المقبل، قد تساهم في تحقيق انفراج في المشهد السوري، سواء في كسر العزلة عن نظام الرئيس بشار الاسد، او في اعادة تحريك العجلة الاقتصادية من خلال البوابة التركية، في وقت يحتاج اردوغان الى تحقيق هدفين: الاول تعزيز حظوظه لتحقيق فوز مريح في الانتخابات، وثانيا، حلحلة ازمة وجود ملايين النازحين السوريين في داخل تركيا، مع التركيز-دوما- على ما تراه أنقرة من "تهديد" يتمثل في الفصائل الكوردية في شمالي العراق وسوريا.
وبطبيعة الحال، فان لبنان الذي يراقب ايضا القمة الثلاثية-الاقليمية في عمان، لتلمس اية انفراجات محتملة اقليميا تنعكس عليه ايجابيا، خصوصا في قضية الانتخابات الرئاسية التي تراوح مكانها منذ اسابيع، حيث يحذر مراقبون من ان استمرار الجمود، او التدهور الاقليمي، سيدفع الاوضاع لبنانيا الى مرحلة اكثر قتامة، سياسيا ومعيشيا.
وعلى غرار العراقيين، فان اللبنانيين ايضا يتطلعون نحو المشهد الايراني، وما اذا كان سيشهد تفاهما مع الغرب، يهدأ التوترات الاقليمية، ويساهم في مراكمة بعض الحواصل الايجابية اقتصاديا، في ظل المخاوف القائمة منذ سنوات بأن استمرار الانسداد الايراني، قد يثير شهية "صقور" الحروب، سواء في اسرائيل او في اروقة الادارة الامريكية.
ومن غير الواضح حتى الان، ما اذا كانت حكومة السوداني، او المؤتمرين في عمان، سيتمكنون من اعادة المياه الى مجاريها في سياق المحادثات السعودية-الايرانية التي رعتها بغداد سابقا، ام ان هناك من سيقرأ في الرياض ان ارتياح ولي العهد محمد بن سلمان، لانفتاحه على الصين بهذا الشكل، واحتفاظه بعلاقات الامر الواقع مع واشنطن، توفر له مظلة آمنة وكافية لتجعله بغنى عن الانفتاح مجددا على الحكم الايراني الذي يواجه التحدي الداخلي الصعب المتمثل بحركة الاحتجاج الشعبية فيما يتعلق بقضية حريات النساء. لكن السعودية في الوقت نفسه، قد تجد نفسها، امام
تجدد التحدي المستمر منذ سنوات، في اليمن حيث كان الجبهات هدأت بضغط من ادارة الرئيس الامريكي جو بايدن، وضرورات "هدنة" بدت مرتبطة بالحدث العالمي المتمثل بمونديال كرة القدم التي نظمت للمرة الاولى في المنطقة، وفي الخليج تحديدا، والتي تتجسد اهميتها في حضور محمد بن سلمان بنفسه في مراسم افتتاحها، مراهنا على ما تشير التقارير الى سعي من جانب المملكة السعودية الى محاول كسب حق استضافة المونديال للعام 2030، تتويجا لخطته "رؤية السعودية 2030"، ما يعني ان تجدد نيران الحرب سيكون وضعا غير مرغوب فيه سعوديا.
ومع ذلك، فانه هناك من قد يرى في تجديد النيران على الساحة اليمنية، فرصة للضغط على الحكم السعودي، سواء في طهران او، للمفارقة، في واشنطن نفسها التي نظرت باستياء على الحفاوة المبالغ فيها التي استقبلت فيها الرياض الزعيم الصيني شي جين بينغ، وحجم الصفقات الضخمة التي ابرمتها مع بكين، مقارنة بفتور استقبال بايدن في السعودية قبل شهور قليلة.
ومن البديهي ان يقول المراقبون ان التسوية في اليمن، او اشتعال الحرب، ستكون ايضا لها اثارها على المحيط الاقليمي بما في ذلك العراق، ذلك ان اشتعالها-او تهدئتها، ستترك اثارها سلبا او ايجابا، على خط العلاقات بين الرياض وطهران، وبالتالي على بغداد ودمشق وبيروت.
وبينما من المهم مراقبة اداء حكومة بنيامين نتنياهو، الاكثر يمينية، خلال العام 2023، سواء في تعاملها مع التحدي الفلسطيني الداخلي، او في موقفها من "المخاطر" التي تراها من لبنان والمتمثلة في حزب الله، والامتداد الايراني في سوريا، وما اذا كانت سياسة "الغارات" التي تتبعها لضرب خطوط امداد من ايران الى العراق وسوريا وصولا الى لبنان، ستظل في نطاقها الضيق نسبيا، ام ستتسبب في اشتعال شرارة مواجهة عسكرية ما، ينخرط فيها عدة لاعبين اقليميين.
ويحذر المراقبون، من ان نتائج الشتاء الذي حل على اوروبا والعالم فيما الاوروبيون يستعيدون كوابيس حروبهم التاريخية، وينتظرون الان مآلات ونتائج الخنادق الروسية-الاوكرانية، وما اذا كان العالم سينجو من حرب عالمية جديدة، ستلحق خرابا بالبشرية ومنطقة الشرق الاوسط التي هي بالاساس ساحة صراعات وموارد الطاقة.
لكن العام 2023 سيحمل معه ايضا ملف القلق التاريخي، من ان تكون بؤرة الانفجار في العام الجديد، تايوان، التي يتوق الحكم الصيني، بحسب ما تقول "الايكونوميست" الى اعلان انتصاره في هذه الحرب باسم "اعادة التوحيد" والتي اشتعلت في العام 1949، ويبدو انها لم تطوى بعد حتى الان، ما سيثقل على كاهل العالم، وعلى دول الاقليم التي سيلقى على كاهلها، عبء لا يمكن تقديره.