بغداد ـ العالم
بعد إعلان الحكومة العراقية رسميا لنتائج التعداد السكاني، يفترض أن يغادر صناع القرار حالة العشوائية في إعداد الخطط واقتراح المشاريع وتحديد الموازنات المالية للمحافظات، وعملية التوظيف وغيرها، لكن شيئا من ذلك لن يحصل: كل شيء يحتاج لترتيب وصفقة سياسية. هذه المعادلة المعقدة هي ما يحكم كيفية إدارة الدولة في العراق. وطبقا لمستشار حكومي فان مستوى التوظيف الحكومي هو الأعلى عالميا في العراق: موظف واحد لكل عشرة مواطنين.
وأعلنت وزارة التخطيط العراقية، الاثنين (24 شباط ـ فبراير) أن عدد سكان البلاد تجاوز 46 مليون نسمة، مبينة أن الفئة العمرية العاملة بين 15 و64 عاما شكلت أعلى نسبة. وقال وزير التخطيط محمد تميم، ان التعداد يسمح للبلاد بتشخيص فجوات التنمية على مستوى أصغر وحدة إدارية، وضمان التوزيع العادل للموارد بين المحافظات ورسم خريطة سكانية دقيقة.
وأجرى العراق في (تشرين الثاني ـ نوفمبر 2024) تعدادا عاما للسكان والمساكن على مستوى البلاد، كان هو الأول منذ 27 عاما. ويقول رئيس اللجنة القانونية النيابية النائب محمد عنوز، انه في ضوء النتائج الأخيرة للتعداد السكاني، لن تتم زيادة مقاعد مجلس النواب او مجالس المحافظات، معللا ذلك بأن هناك زيادة سنوية تقدر بـ 5 بالمئة في عدد السكان، يجري تقديرها في التخصيصات المالية للمحافظات، وفي البطاقة التموينية، لكنها لا يعتد بها في ما يخص مقاعد مجلس النواب. ويرى عبد الأمير، ان هناك حاجة لتقليل عدد مقاعد مجلس النواب للنصف وليس زيادتها، لأن ذلك يربك عمل البرلمان في عدم الحضور وكسر النصاب، والتخبط في الأداء الرقابي والتشريعي، مبينا أن التقارير النيابية تشير الى ان معدل الغياب لا يقل عن 140 نائبا. لذا أغلب الجلسات لا يحضرها اكثر من 176 نائبا. ويشير رئيس اللجنة القانونية الى ان الإيرادات المالية أضحت محدودة وبالتالي لا يمكن اعتماد الزيادة السكانية في توزيعها، وفي حال جرى تعظيم الموارد غير النفطية فان زيادة التخصيصات ستعتمد قاعدتين دستوريتين: عدد السكان ودرجة المحرومية.
ويقول المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء الدكتور مظهر محمد صالح، أن "نتائج الاحصاء السكاني أظهرت ان البلاد مازالت تحظى بأعلى حصة وظائف حكومية نسبة الى السكان: عشرة مواطنين ازاء كل موظف حكومي، معتبرا ذلك "من أعلى الأرقام التشغيلية في التوظيف في العالم، مقارنة بمصر التي تقدر بحوالي ٢٥ مواطنا لكل موظف، وكندا ٧٥٠ مواطنا ازاء كل موظف".
ويعلل صالح في تصريح لـ"النهار" التشغيل الحكومي العالي "بسبب ريعية المورد الواحد او الاقتصاد الاحادي، فهناك متلازمة كلما اتجه الاقتصاد نحو الاحادية في الحياة الاقتصادية، كلما تعاظم التشغيل الحكومي، لكون فرص العمل تتوافر في القطاع الحكومي الأقوى اقتصاديا". ويشير صالح إلى أن "اهم ملاحظة يمكن ان يفرزها الإحصاء السكاني تظهر بأن نسبة النساء المشتغلات في القطاع الحكومي، تفوق النسبة العامة للنساء المشتغلات في عموم الاقتصاد ضمن مايسمى بقوة العمل الناشطة اقتصاديا، اذ ان 80% من النساء العاملات يعملن في القطاع الحكومي، على الرغم من ان حصة النساء من إجمالي قوة العمل الاجمالية في البلاد - وعلى وفق تعريف السكان النشطين اقتصاديا - لا تتعدى في افضل الأحوال 13%"، مرجعا ذلك الى "هيمنة التقاليد الاسرية المحافظة على المشهد الاجتماعي والثقافي في بلادنا والاقتصار على العمل المنزلي".
ويجد مستشار رئيس الوزراء، انه "لا مناص من تحريك دور القطاع الخاص، عبر اتجاهين متكاملين: الاول، الشراكة التمويلية والتنظيمية مع القطاع الخاص في قطاعات التنويع الاقتصادي وهو مبدأ لا رجعة عنه. والثاني، هو تقوية آصرة الضمان الاجتماعي في ظل تلك الشراكة سواء في مكافحة البطالة ام توفير صناديق التقاعد للقطاع الخاص أسوة بموظفي الحكومة".
وينوّه صالح بأن هناك قرابة مليون مواطن هم في سن العمل وطالبي العمل الفعلي، مشيرا الى نصف مليون مواطن سنويا يدخلون سوق العمل، وجلهم من الشباب. ويخلص إلى أن حل هذه الإشكالية يرتبط بـ"تقوية مؤسسات السوق المنظمة، ودعم كثافة برامج الدولة مع السوق بالشراكة الضامنة للتشغيل".
ويقول مصطفى الفرج، مراقب للشأن الاقتصادي، إن "الاستمارة الشاملة التي طرحها التعداد السكاني، أفرزت نتائج تفصيلية ومؤشرات متعددة تخص دخل الفرد ومستويات الفقر والمعيشة والحاجة للسكن والتوظيف والخدمات وغيرها، مشيرا الى ان آخر إحصاء سكاني تم إجراؤه كان في العام 1997، وبالتالي فان عملية التخطيط كانت تتم بشكل عشوائي حتى الان. نأمل أن يكون التخطيط المستقبلي مختلفا باعتماد هذه النتائج لعشر سنوات مقبلة، لكنه يستبعد ذلك: برغم الترهل الوظيفي فان الكتل السياسية تبحث عن تعيينات جديدة في موازنة العام الحالي التي لم تقر بعد، إرضاء للجمهور الانتخابي. ويضيف الفرج، ان النتائج التي أعلنها وزير التخطيط، يفترض أن تجد الحكومة ـ على أساسها ـ حلولا لمشكلات الخدمات الاساسية في جميع المناطق العراقية، التي كانت سببا في النزوح والهجرة من منطقة الى أخرى.
وشهد العراق آخر تعداد عام للسكان شمل جميع محافظاته عام 1987. وفي العام 1997 أجرى إحصاء للسكان، لكنه لم يشمل محافظات إقليم كردستان، لأنها كانت شبه مستقلة عن العراق في عهد النظام السابق.