مسلم عباس
تنشط مراكز استطلاع الرأي العام في فترة ما قبل الانتخابات، سواء في العراق أو باقي دول العالم، ترتفع أسهم مرشحين تهبط أخرى في محاولة من مراكز الاستطلاع لتوقع أصحاب الحظوظ الأكبر في حجز المقاعد المحدود للفوز بأصوات الناخبين.
فهل ما تظهره الاستطلاعات يحدث فعلاً بعد اعلان نتائج الانتخابات؟ وإلى أي مدى تستطيع الاستطلاعات التنبؤ أو توقع الفائز بأصوات الناخبين؟ وإذا اختلفت النتيجة بين الاستطلاعات والانتخابات، فهل المشكلة في الاستطلاعات أم في تركيبة الناخبين وتغيير آرائهم بين الاستطلاع والانتخاب؟
الأسئلة أعلاه أجابت عنها وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها نشر عام 2016، أوضح الأجواء المحيطة بالمنافسة بين المرشح الجمهوري في حينها دونالد ترامب والمرشحية الديمقراطية هيلاري كلينتون، فمن بين هيئات الاستطلاع العشرين الأهم التي أجرت أكثر من ثمانين استطلاعاً، توقعت صحيفة لوس أنجلوس تايمز ومعهد "يو أس سي تراكينغ" فقط فوز ترامب.
وحتى صباح يوم الانتخابات أعطى متوسط استطلاعات موقع "ريل كلير بوليتيكس" المرجعي في الولايات المتحدة، تقدما بـ3,3 نقاط لفوز كلينتون، أما قسم الاستطلاعات في صحيفة نيويورك تايمز "ذي إبشوت" فقد منح المرشحة الديمقراطية فرصة فوز بلغت 85% ثم انقلب رأساً على عقب في المساء.
وفي عام 2020 اعادت صحيفة اندبندنت البريطانية تقييم استطلاعات الرأي ليس في عام 2016 وحده، بل قدمت مراجعة لتجارب سابقة، وأكدت أن انتخابات عام 2016 لم هي الوحيدة التي تفشل استطلاعات الرأي في التنبؤ بنتيجتها، بل تكرر ذلك مرات عدة في التاريخ الحديث، ومع ذلك، ما زال الأميركيون مغرمين بمتابعة استطلاعات الرأي كل يوم وفي كل ولاية، وإن كانوا يتساءلون في الوقت ذاته عما إذا كانت الاستطلاعات خاطئة.
ولو أن أبحاث الرأي يمكن أن تتعرض للانهيار والفشل نتيجة أخطاء توقعاتها في الانتخابات، لكانت قد انتهت وتفككت منذ زمن بعيد، خصوصاً بعد الإحراج المتتالي الذي تعرضت له عامي 1948 و1952. والقول لصحيفة اندبندنت، ففي عام 1948، تنبأ منظمو استطلاعات الرأي بكل ثقة بفوز المرشح الرئاسي الجمهوري توماس ديوي بسهولة على الديمقراطي هاري ترومان، إلا أن الرئيس ترومان حقق فوزاً مستحقاً على غريمه، وبعد أربع سنوات أي في عام 1952، أصبح منظمو استطلاعات الرأي أكثر حيطة وحذراً، فتوقعوا تقارباً في السباق الرئاسي بين دوايت أيزنهاور وأدلاي ستيفنسون، لكن أيزنهاور حقق نصراً ساحقاً لم يتوقعه أي استطلاع للرأي.
وتكرر خطأ أبحاث الرأي في انتخابات الرئاسة عام 1960 حين توقع استطلاع أجرته مؤسسة "روبرز" أن المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون يتقدم منافسه الديمقراطي جون كينيدي بنقطتين مئويتين، غير أن كينيدي اكتسح الانتخابات وفاز بالرئاسة، وفي عام 1980 توقعت استطلاعات الرأي سباقاً متقارباً بين الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر والمرشح الجمهوري رونالد ريغان، إلا أن ريغان فاز بفارق وصل إلى 10 نقاط مئوية.
ولأن استطلاعات الرأي تتمتع بسجل متفاوت في مدى دقتها لتوقع النتائج في الانتخابات الرئاسية الحديثة، فقد أسهم ذلك في قدرتها على الاستمرار، وما يساعدها في ذلك هو عدم إلمام غالبية المواطنين بالأخطاء التي وقعت فيها عبر السنين، إضافة إلى حقيقة أن استطلاعات الرأي ليست دائماً على خطأ، فقد سجل التاريخ عشرات المرات التي نجحت فيها استطلاعات الرأي في توقع الرئيس الفائز بالانتخابات، وهناك نماذج يشار إليها في التاريخ الحديث يتذكرها معظم الأميركيين مثل توقع فوز بيل كلينتون على جورج بوش الأب في انتخابات 1992 وتوقع فوز باراك أوباما على السيناتور جون ماكين.
تضخيم المكانة
يعتبر منظمو الاستطلاعات أن عملهم أشبه بلقطات سريعة لكاميرا ترصد آراء الناخبين وليست تنبؤات، لكنهم لا يمانعون في وصفها تنبؤات عندما تقترب النتيجة النهائية من تقديراتهم المنشورة.
قد تكون هذه هي الحقيقة التي يجب التركيز عليها، أي أن لا نبالغ في تقدير النتائج التي تظهرها الاستطلاعات، لأنها في النهاية ترصد تموجات الرأي العام غير الثابتة والشبيهة بحركة المد والجزر في لحظة محددة، وقد تتغير في أي وقت، ومن شأن "عدم تضخيم مكانة الاستطلاعات" هو تقليل الخسارة المعنوية لها في حال فشلها (المتوقع) بتوقع المستقبل، أو توقع من سيفوز بالانتخابات.
بمعنى آخر أن تبقى مراكز الاستطلاعات في موضع رصد المتحرك ولا تدعي ثبات نتائجها وقدرتها على الصمود في وجه المتغيرات، ولا سيما إذا عرفنا أن رأي الناخب قد يتغير بين يوم وآخر، ومن ثم فالاستطلاعات لا تتعدى التوقع على أساس تجميع أكبر قدر من الآراء القابلة للتغيير في أي لحظة.