مصر وقطر..إذابة للجليد وتطلع للمستقبل
24-أيلول-2022
د. خالد قنديل
لقد أصبح معروفًا لكل متابع للشأن المصري في العلاقات السياسية الخارجية، هذا الحرص الذي توليه القيادة لانفتاح سياسة الدولة عربيًا وعالميًا على جميع الأطراف، انطلاقًا من تقدير فكرة وقيمة التعاون والشراكة الدائمة، ما أثمر عن نجاح كبير وفارق في فتح ومناقشة جميع الملفات بجرأة ووعي واستيعاب وتعدد وتنوع، الأمر الذي أسهم من خلال هذه السياسة المنفتحة إلى كسر الجمود حيال أزمات مختلفة ودفع الجميع إلى مراجعة السياسات وتوجيهها إلى الموضوعية والتشارك بما يحقق مصالح الشعوب والأوطان، ويرسخ مبادئ الالتزام والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، فنجحت الدولة في إدارة علاقاتها الدولية في إطار الشراكة ودعم إرادة الشعوب ودعم الحلول السياسية السلمية للقضايا المتنازع عليها.
من هنا يمكن النظر إلى زيارة الرئيس السيسي لقطر ولقائه بالأمير تميم بن حمد في إطار الشراكة والتعاون وتشكيل موقف عربي مشترك في مرحلة دقيقة للغاية، وقد كانت هناك زيارة سابقة للأمير تميم في يونيو الماضي، في إشارة دالة على إذابة الجليد بين البلدين واتخاذ العلاقات لمسارها طبيعي من واقع الرباط العربي والقومي وتشابك المصائر والمصالح، بعد أن وصلنا إلى حالة من النضوج والإدراك بأن المصالح العربية تدعم موقفها مواقف عربية قادرة على التفاعل مع القضايا، وبعد أن تراجعت الدوحة عن دعمها سابقًا للتيارات المعادية لمصر، وانتقلت إلى مرحلة تفهم التعاضد، وتأثير العلاقات الآمنة غير المضطربة في تعزيز وجود توجه عربي بصوت عربي بارز في القضايا العربية دون انتظار الخارج.
فإذا ما نظرنا إلى منطق المصلحة الجامعة فإن المصلحة الثنائية لمصر وقطر أن تكون هناك وجهات نظر عربية موحدة أو متقاربة تجاه القضايا المختلفة، خصوصًا بعد سنوات من القلاقل التي كانت تحول دون تقريب وجهات النظر والحلول السياسية وتقليل الصراعات، أو بالأحرى نسفها لصالح استقرار الدولة الوطنية وتحقيق تطلعات الشعوب، لذا لم تحاول مصر أبدًا استخدام أي موقف ضد قطر خلال السنوات الماضية رغم حائط الجليد الذي تمت إذابته، بما يهيئ لأوراق اعتماد مؤتمر قمة عربية قوي ومتماسك وصاحب نظرة للوضع العالمي وإبراز قوة وصلابة وتضامن الموقف العربي حيال القضايا كافة، وهو ما أكده الرئيس السيسي في حديثه لوكالة الأنباء القطرية عن أن القمة العربية القادمة بالجزائر تنعقد في وقت حساس تشهد فيه الأمة العربية عديدًا من الأزمات والتوترات، بما يستلزم استعادة التمسك بمفهوم الدولة الوطنية، والحفاظ على سيادة ووحدة أراضي الدول، وعدم التعامل تحت أي شكل من الأشكال مع التنظيمات الإرهابية والميلشيات المسلحة، وفي المقابل دعم الجيوش الوطنية والمؤسسات العسكرية، وكذلك تعزيز سلطة المؤسسات المركزية لعدم ترك أية مساحة أو فراغ لأي قوى خارج هذا الإطار للعبث بمقدرات الدول العربية وشعوبها، وغلق الباب أمام أي تدخلات خارجية، إلى جانب التمسك بمبدأ المواطنة كعنصر أساسي للحفاظ على السلام المجتمعي، ليحدونا جميعًا أمل كبير في أن تأتي القمة وقد طويت صفحة الخلافات العربية العربية، وتعبر القمة عن آمال الشعوب في وحدة عربية قادرة على مجابهة التحديات.
ولعلنا نعي جميعًا هذا التطور الفارق في المسار التنموي لمصر وقد أضحت وجهة استثمارية وتمتلك بنية أساسية، الأمر الذي يجعلها وجهة مهمة للاستثمار على مستوى الصناعة أو الطاقة والتي شهدت اتفاقات كبيرة في هذا الاتجاه، يأتي في سياقها الدال لقاء الرئيس بممثلي رابطة رجال الأعمال القطريين، وتأكيده حرص مصر على تطوير علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري مع مجتمع رجال الأعمال والشركات القطرية وتنمية الاستثمارات المشتركة للمساهمة في دعم مسيرة التنمية الاقتصادية في البلدين الشقيقين، لتعظيم المصالح المتبادلة، هذا الحراك الدال الذي تبعه لقاء، رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي بالشيخ فيصل بن ثاني آل ثاني، رئيس الاستثمار في إقليم إفريقيا وآسيا بجهاز قطر للاستثمار، والتأكيد على استغلال الفرص الاستثمارية الواعدة في قطاع السياحة والفنادق، ومناقشة خطط إنشاء منطقة سياحية عالمية غرب العلمين، فضلا عن الفرص الاستثمارية المتعددة في الفنادق التى تعتزم الدولة فتح الباب أمام القطاع الخاص المصري والأجنبي للمشاركة فى إدارتها، وليعبر تجدد العلاقات المصرية مع قطر عن هذا التآخي الإيجابي وروح الأخوة بين الأشقاء وحجم إدراك أهمية التعاون لمواجهة التحديات والأزمات التي يمر بها الوطن العربي، وعقد النوايا وترجمتها في المزيد من تضافر الجهود من أجل حماية الأمن القومي العربي، بالإضافة لتحقيق المصالح التنموية المشتركة.
• كاتب مصري