بغداد ـ سلام جهاد
واحدٌ من أبرز الملفات الدسمة التي تُغذي الصراعات السياسية على منصب وزير التربية، هو ملف طباعة المناهج الدراسية، التي يُفترض أنْ تتولى شركة النهرين العامة لطباعة وإنتاج المستلزمات التربوية، مهمة توفيرها، لكن "مطابع طفيلية" وضعتها قيادات سياسية في مؤسسات ودوائر حكومية، لتجفيف منابع "النهرين" ومصادرة حقوقها.
وتمتلك شركة النهرين عقدَ شراكة مع شركة الوراق، التي وضعت مطابعها الحديثة في مقر النهرين، وبدأت قبل أكثر من سنتين تحقيقَ أرباح كبيرة لصالح خزينة الدولة، لكن هذا الوضع بدا غيرَ مريح للكثير من الزعماء السياسيين، الذين سال لعابُهم على تلك الأرباح، فقاموا بوضع مطابع بإمكانيات بسيطة في بعض الوزارات للسيطرة على عقود طباعة المناهج التربوية.
تقول مصادر مطلعة لـ"العالم"، إن "شركة النهرين يفترض أنها تتبنى طباعة المناهج الدراسية وتوفير المستلزمات التربوية من قرطاسية وأثاث"، مردفة "لكن استهدافا سياسيا لعمل الشركة يحاول عرقلة عمل الشركة". وتضيف المصادر، أنّ هناك صراعاً سنياً على عقود المناهج الدراسية، أحد أطرافه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي.
وتشير إلى أن الحلبوسي أرسى قواعده في الوزارة في عهد وزيره السابق علي حميد مخلف الدليمي، الذي عيّن 15 مديرا عاما في الوزارة، بدفع وتزكية من الحلبوسي، الأمر الذي جعل الأخير يحكم قبصته الحديدية على مفاصل الوزارة، حتى الآن.
وتكشف المصادر عن واحد من أبرز ملفات الفساد في عهد الدليمي، بالقول: ان الوزير السابق أحال عقد طباعة كتاب مادة اللغة الإنكليزية لمراحل دراسية مختلفة على شركة كارنيت اللبنانية، بينما كان يفترض أن تتم طباعته في مطابع النهرين داخل العراق، مؤكدة أن الإنكليزي العراقي طبع في بيروت بعقود "مبطنة".
أما الملف الأكثر فسادا من ذلك، فهو عقد القرطاسية والاثاث، الذي أحيل على شركة النهرين، لكن يد الحلبوسي لم تبارك ذلك العقد، بل منعته عن النهرين وفسخته تماما، برغم فتح اعتماد بالعقد في مصرف التجارة الـTPI، وتوفر السيولة المالية لتنفيذه، بحسب تأكيد المصادر.
وتوضح، ان العقد الذي لم ينفذ، شمل توفير الدفاتر المدرسية بقيمة 33 مليار دينار، ورحلات وسبورات للمدارس بقيمة 20 مليارا، لكنه لم ينفذ برغم حاجة الطلبة لتلك المستلزمات.
وتشير المصادر إلى المؤامرات التي تحاك ضد مطبعة النهرين، تتمثل بإحالة عقود وزارة التربية على مطابع التبوغ وذات الصواري في وزارة الصناعة، والتي تعمل لصالح الحلبوسي، وقد أنشئت لغرض طباعة مناهج التربية، ولا شيء تتولى طباعته لصالح وزارة الصناعة.
والى جانب تلك المطابع، هناك مطبعة نقابة العمال التي تتبناها جهة إسلامية شيعية، ومطبعة السكك الحديد، التي تعود لمستثمر في القطاع الخاص، ومطابع أخرى كثيرة من بينها مطبعتا الصباح والشؤون الثقافية.
الغريب في الأمر، ان هذه المطابع التي جرى ذكرها، تظفر بعقود التربية بـ"أسعار تخمينية تقديرية، وليست وفق آليات وشروط المناقصات الحكومية التي تطبقها الوزارة فقط على مطابع القطاع الخاص".
وتنبه المصادر الى أن "الوزارة الحالية قررت طباعة الدفاتر المدرسية في الصين، بعقود مليارية ضخمة، وقد حددت مواصفات قديمة ويجري تنفيذها بطريقة يدوية في الصين، بينما بإمكان جلب مطابع حديثة لصالح شركة النهرين، من أجل طباعة تلك الدفاتر بمواصفات عالمية رصينة.
رابطة المطابع العراقية، من جانبها، تطالب وزير التربية الحالي ابراهيم نامس الجبوري بإعادة النظر في تقييم المطابع، مؤكدة أن "اعطاء نقاط كبيرة لصالح القطاع الحكومي والمستثمرين فيه، يؤثر كثيرا على عمل المطابع الخاصة في ما يخص عقود الطباعة".
كما تناشد الرابطة عبر "العالم" الوزارة إعادة تقييم القدرات الانتاجية لمطابع القطاع الخاص، قبل احالة اية عقود طباعة عليها.
وتثني رابطة المطابع العراقية على قرار رئيس مجلس الوزراء بالغاء قرار مجلس الوزراء السابق، الذي ينص على حصر احالة الطبع على المطابع الحكومية، وفسح المجال امام القطاع الخاص للمشاركة في تنفيذ تلك العقود، بمنافسة عادلة بين القطاعين بما يضمن مصالح البلد والمواطنين.