بغداد - العالم
لا تزال فدوى لمراني تتذكر “فرحة” اليوم الذي تلقت فيه الدعوة للعمل نادلة مطعم في مؤسسة فريدة من نوعها بالمغرب، توظف أشخاصا يعانون إعاقة ذهنية وتسعى إلى “إبرازهم” لتسهيل إدماجهم في سوق العمل.
تقول الشابة (33 عاما) مبتسمة “كنت أعشق هذه المهنة وفرحت كثيرا عندما اتصلوا بي للعمل هنا بعدما كنت أقضي وقتي في البيت”، بينما تستعد لاستقبال الزبائن قبيل موعد الغداء في هذا المطعم الواقع وسط مزارع ومشاتل.
وهي واحدة من نحو ستين شخصا يعانون إعاقة ذهنية يعملون في هذا الفضاء التابع “لمركز الإدماج والمساعدة بالتشغيل” في مدينة سلا المتاخمة للعاصمة، بعد تلقي تدريب خاص.
يشارك بعضهم في تحضير الوجبات داخل المطبخ، ويتولى البعض خدمة الزبائن، فيما يعمل آخرون في الزراعة أو بيع منتجات زراعية في قسم خاص عند مدخل المركز، أو حتى في رعاية الخيول وتربية الدواجن.
يسعى هذا المشروع إلى مساعدة المصابين بهذا النوع من الإعاقة على الاندماج في المجتمع من خلال الحصول على عمل يوفر مردودا، وهو ما يعد تحديا صعبا لهذه الفئة “لاعتبارات اجتماعية وثقافية”، كما يوضح مديره سعيد البقال.
علما بأن معدل البطالة بين المصابين بإعاقة، بشكل عام، يبقى جد مرتفعا (47.64 في المئة) وفق آخر أرقام رسمية متوفرة. زيادة على أن الإعاقة من أسباب الانقطاع عن الدراسة.
للتخفيف من هذه المعضلة أطلق كل من “المركز الوطني محمد السادس للمعاقين” و”مكتب التكوين المهني” منذ العام 2010 برنامجا خاصا بتدريب المصابين بإعاقة ذهنية في خمس مهن، هي العمل المطعمي وتموين الحفلات والبيع وتحضير الحلويات والزراعة.
ويوضح البقال أن بعد عامين يتوج هذا التدريب الذي ترافقه رعاية طبية ونفسية، بدبلوم يؤهل للحصول على عمل. لكن “لوحظ أن تشغيلهم يبقى ضعيفا”، حيث “يتخوف الناس عادة من توظيف شخص معوق ذهنيا ومن كيفية التعامل مع وضعية كهذه”.
وتابع “لذلك أُنشئ مركز الإدماج والمساعدة بالتشغيل العام 2016 ليوظف هؤلاء الخريجين من جهة، ويسعى من جهة ثانية إلى إطلاع مسؤولي التوظيف في القطاعين العام والخاص على كفاءاتهم واجتهاداتهم”.
ويؤكد عماد مفيد (31 عاما) بحماس وثقة قدرته “على زراعة أي نوع من الخضر والفواكه… أستطيع أن أريكم إذا أردتم”.
تلقى هذا الشاب تدريبا في الزراعة وتربية الدواجن، لكنه بقي عاطلا عن العمل قبل أن يفتتح هذا المركز ليلتحق بمزرعته، ما أتاح له “مساعدة والدته”، كما يضيف، معربا عن “ارتياحه هنا.. لا أريد تغيير هذا العمل”.
في حين تحلم فدوى بالانتقال للعمل “في أي مطعم آخر… سأكون سعيدة إذا اتصلوا بي”، رغم أنها “تسعد كثيرا هنا خصوصا حين تأتي عائلات للأكل والتنزه في نهاية الأسبوع”.
أما زميلها إسماعيل التباع (33 عاما) فيحمل طموحا أكبر، “سأفتح مطعمي الخاص إن شاء الله.. تعجبني هذه المهنة كثيرا”.
افتتحت حتى الآن ستة مراكز تكوين أخرى تضم حاليا 228 متدربا، فيما استطاع 42 خريجا “الاندماج في شركات خارجية”، وفق المسؤول بالمركز الوطني محمد السادس للمعاقين عبداللطيف معتضد.
لكن يوضح البقال أن كل هذه الجهود، “بما فيها اجتهادات المجتمع المدني، تبقى مبادرات أولية لا تكفي لتلبية احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية على الصعيد الوطني”.
يسعى المسؤولون إلى “تسليط الضوء” أكثر على هؤلاء الخريجين بافتتاح مطاعم أخرى، والمشاركة في تموين حفلات التغذية في مؤتمرات أو أنشطة عمومية.
ويريدون على الخصوص “تغيير رؤيتنا للمعوق وإبراز صورته في المجتمع.. هذا تحد أمامنا”، كما تقول مسؤولة الحجوزات في المطعم دنيا زين العابدين.