معرض «يهود ومسلمون» في باريس قصة العلاقات المعقدة والذاكرة المشتركة
11-كانون الثاني-2023
باريس ـ أ ف ب
يلقي معرض ”يهود ومسلمون من فرنسا الاستعمارية إلى أيامنا هذه“ في باريس، نظرة تاريخية مختلفة للعلاقات المعقدة والحساسة بين هاتين المجموعتين على مدى قرن ونصف القرن بهدف ”الإبقاء على جسور“.
وقال المؤرخ بنجامان ستورا المفوض العام للمعرض لوكالة ”فراس برس“: ”إنها المرة الأولى التي نخوض فيها هذه المغامرة الفكرية الصعبة، أي تاريخ العلاقات بين اليهود والمسلمين الممتد على فترة طويلة“.
ويحمل المعرض عنوانا فرعيا هو ”معلومات تاريخية أكثر وصور نمطية أقل“، وينطلق الثلاثاء في متحف تاريخ الهجرة، ويستمر حتى 17 يوليو/ تموز المقبل.
ويوضح ستورا أن المعرض ”لا يكتفي بالتركيز على المواجهات.. بل يركز على إمكانات نقل ذاكرة مشتركة، من دون سذاجة“؛ بهدف ”مد جسور والمحافظة عليها“.
ويعتبر هذا المعرض ”امتدادا“ لمعرض ”يهود الشرق تاريخ يمتد آلاف السنين“ الذي انتهى للتو في معهد العالم العربي مع ”بعد تكميلي“ مرتبط بـ“التاريخ السياسي والثقافي والاجتماعي في فرنسا“ على ما يؤكد المفوض التنفيذي المؤرخ ماتياس دريفوس.
ويقود مسار المعرض الزائر عبر ثلاث مراحل رئيسة مدعومة بصور وملصقات ومقاطع مصورة من أرشيف المعهد الوطني للمرئي والمسموع.
وتمتد المرحلة الأولى بين العامين 1830 و1914 مع بدء الوجود الفرنسي في الجزائر (1830)، ومن ثم تونس (1881)، والمغرب (1912)، فيما تشمل الثانية مرحلة ما بين الحربين العالميتين ونظام فيشي، وانتهاء الاستعمار في المغرب وتونس.
أما المرحلة الثالثة منذ 1967 إلى أيامنا هذه، فتشمل فرنسا فقط مع انتقال جاليات يهودية ومسلمة باتت اليوم من حيث العدد، الأكبر في أوروبا.
ويقع الزائر على أدلة ”فصل“ أو ”مواجهات“ بحسب تعبير ستورا، فمرسوم كريميو الصادر عن الدولة الفرنسية العام 1870 والذي تعرض نسخة رسمية منه، يمنح الجنسية الفرنسية إلى 35 ألف يهودي من الجزائر، ويحرم منها ثلاثة ملايين مسلم، وكان هؤلاء يتمتعون بوضع ”السكان المحليين“ مع حقوق مدنية وقانونية محدودة؛ ما أثار في نفوسهم شعورا بالظلم.
وستكون لذلك تداعيات استمرت مفاعيلها إلى العام 1962 مع استقلال الجزائر، فاليهود الذين وصلوا إلى فرنسا اعتبروا مواطنين تم إجلاؤهم، فيما اعتبر مسلمون انتقلوا إلى فرنسا أنهم مهاجرون.
إعارات وطنية
ويشير ستورا إلى ”صدمة كبيرة“ أخرى تتمثل بأحداث قسنطينة العام 1934، التي أدت إلى مقتل 28 شخصا، هم 25 يهوديا وثلاثة مسلمين.
ويوضح دريفوس أنه اعتبارا من حرب 1967 استحال النزاع الإسرائيلي الفلسطيني ”النقطة التي تشنج العلاقات بين اليهود والمسلمين في فرنسا“ حتى الآن.
لكن المعرض يظهر أيضا التفاعل بين اليهود والمسلمين في الوسط الموسيقي وفي مجال الرسم (خصوصا خلال مرحلة ما بين الحربين) أو دعم (وإن أتى من أقلية) عائلات يهودية وقفت في معسكر الجزائر خلال حرب الاستقلال.
ويغوص الزائر من خلال المعرض في الأجواء الشرقية الطاغية على حي بيلفيل في باريس في سبعينيات القرن الماضي، والتي سيستلهمها مخرجون سينمائيون.
ويلفت المعرض انتباه الزائر إلى العنصرية التي يواجهها المسلمون وإلى معاداة السامية الحديثة منذ الانتفاضة الثانية، وتستوقفه كذلك صور مراهقين مسلمين ويهود ومسيحيين وملحدين من مدرسة تكميلية في سارسيل في منطقة باريس.
وأتت الأعمال والوثائق المعروضة من مؤسسات وطنية فرنسية في المقام الأول، بخلاف ما عرض في معرض ”يهود الشرق“ الذي استفاد من إعارات من مؤسسات إسرائيلية؛ ما أثار جدلا.