معركة إدارة الدولة في محافظة الأنبار
11-تموز-2023
مسلم عباس
لا صوت يعلو فوق صوت الخلاف في محافظة الانبار، داخلية بين أبناء المحافظة نفسها، من سياسيين وشيوخ عشائر وشخصيات اجتماعية واكاديمية، يغذيها صراع سياسي أكبر بين أحزاب ترى في حزب تقدم بزعامة محمد الحلبوسي خطراً يجب احتواؤه أو تقليص مجال مناورته إلى حده الأدنى.
في الواجهات الإعلامية للأحزاب يبدو المشهد بوجهين مختلفين:
الوجه الاول تعكسه القنوات الاعلامية الإعلامية التابعة لقوى الإطار التنسيقي، وهذه تسوق كل أمر قضائي أو بيان من هيئة النزاهة على أنه خطوة جديدة نحو تدمير عرش رئيس البرلمان محمد الحلبوسي.
يستضيفون شخصيات من الخط الثاني والثالث للاحزاب الشيعية والسنية المناوئة للحلبوسي، فيتحدثون عن نهايات قريبة لحقبة الشخصية الأولى لدى المكون السني، وهذا ما يجعلنا نفسر أن هذا الصراع ليس صراعاً إعلامياً فحسب، بل تدفعه أحزاب كبيرة بإرادتها وبقرار من القيادات العليا لمحاصرة الحلبوسي، فهذا الرجل يبقى مذنباً لدى قوى الإطار التنسيقي لأنه وقف مع الكتلة الصدرية خلال أزمة الانسداد السياسي.
على الجهة المقابلة تنقلب المعادلة رأساً على عقب، الإعلام المقرب من الحلبوسي يدفع باتجاه استعادة الصراع المكوناتي والطائفي، وتسويق فكرة وجود استهداف سياسي لمحافظة الانبار لكونها إنموذج للنجاح أحرج القوى السياسية الأخرى.
وتجاوز الامر مسالة الإعلام ليصل إلى النواب وأصحاب القرار، فالنائب التقدمي هيبت الحلبوسي كتب تغريدة في تويتر رداً على التظاهرات التي نظمها أعضاء الطريقة الكسنزانية، ملمحاً إلى أن ما يجري هو عبث بأن المحافظة، بقوله: العبث بأمن الأنبار، واستقرارها، وتماسك نسيجها المجتمعي خط أحمر لن نسمح للطارئين والمأجورين بتجاوزه.
الأنبار لن تعود الى مربع الخراب والدمار الذي يرجوه بعض المرتزقة ويتمنّوه، والاستقواء بالأطراف الدخيلة لم ينجح سابقًا ولن ينجح اليوم ولا غدًا.
نحن أهل الأرض وأصحابها، معنا أهلنا وشيوخ عشائرنا الأبية، وللآخرين اوهامٌ يعتاشون بها.
التغريدة لا تحتاج إلى مزيد من الشرح، فالنائب يتحدث بلغة التهديد والوعيد لكل من يدخل أرض محافظة الانبار، ويعتبر الكلام عن تنظيفها من الفساد عبث مرفوض.
انهيار تحالف ادارة الدولة
هذا الصراع المحصور في محافظة الانبار لا يبدو كذلك، فهو يعني أولاً مؤشراً قوياً على انهيار تحالف إدارة الدولة الذي يمثل حزب تقدم حجز الزاوية والكيان الأكبر لتمثيل المكون السني، فالتحالف جاء على انقاض فشل التيار الصدري في تشكيل حكومة الأغلبية، والحلبوسي ليس خياراً استراتجياً للقوى الرئيسية في الإطار إنما كان التحالف التكتيكي للعبور إلى جادة الاستقرار وتشكيل الحكومة واقرار الموازنة، وهذه كلها تحققت.
وبعد الشد السياسي الذي شاهدناه طوال الأسابيع الماضية يمكننا القول بأن تحالف إدارة الدولة لم يتبقى منه شيء، فالصراع على الموازنة بين الشيعة والكرد دمر جزء من جسور التواصل الهشة بين الطرفين، واليوم تتكسر العلاقة مجدداً بين السنة ممثلين بالحلبوسي والشيعة ممثلين بصقور الإطار التنسيقي.
وهذا التراجع عن الالتزام بين الأطراف السياسية لا يخلو من حسابات انتخابية، فهي لا تملك برنامجاً سياسياً سوى التصارع فيما بينها، وكلما اشتد الصراع زادت إمكانية الحصول على أصوات أعلى في الانتخابات، وقد لاحظنا أن أكثر كيانين انتخابيين تصارعا قبل انتخابات 2021 هما التيار الصدري وائتلاف دولة القانون، ليحصد كل منهما أعلى الأصوات، ومن ثم فبدون هذا التصارع لا يمكن للقوى المهيمنة الىن ضمان فوزها بالانتخابات المقبلة.
وهناك وجهة نظر أخرى ترى بأن القوى الكبيرة في الإطار التنسيقي وعلى رأسها ائتلاف دولة القانون يعدون العدة لبديل رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، عبر تكسير أجنحته أولاً، ودعم القوى المناوئة له متمثلة بتحالف الانبار الموحد، وتحالف العزم، والشخصيات السنية من داخل الأنبار ومن المحافظات الغربية الأخرى.
ألا أن هذا الخيار لا يخلو من مخاطرة قد تبدو غير محسوبة، فالحلبوسي استطاع خلال السنوات القليلة الماضية تمثيل دور الحزب المدني في المحافظات السنية التي تسودها الاحزاب العشائرية أو الكيانات الدينية المتشددة، وإزاحة الحلبوسي من موقعه يعني صعود تلك الكيانات التي يصعب التعاطي او التفاهم معها كما يجري التفاهم الآن مع شخصية براغماتية مثل الحلبوسي.
إذا هي معركة داخل ائتلاف إدارة الدولة، وإعلان مبكر عن وضع العراق خلال شهور المقبلة التي تسبق الانتخابات، تنتهي معركة لندخل بالاخرى، ولا تحالفات استراتيجية قائمة على اسس قوية، كلها علاقات مبنية على عبور المراحل، وهو ما تسبب بانهيار ليس ائتلاف إدارة الدولة وحسب، بل في انهيار المنظومة السياسية منذ 2003 وحتى الآن.