معهد أمريكي يدعو البيت الأبيض الى منح السوداني «مهلة كبيرة»
30-تشرين الثاني-2022
بغداد ـ العالم
حث معهد "المركز العربي في واشنطن" للأبحاث، يوم الأربعاء، الإدارة الأمريكية على منح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني "مهلة كبيرة" فيما يقوم بتطوير سياسته الخارجية.
ورجح المعهد في تقرير له، أن "ينتهج السوداني سياسة "متوازنة" فيما يتعلق بروابط بغداد مع ايران والولايات المتحدة والدول العربية، بالرغم من انه جاء الى منصبه مدعوما من الفصائل المقربة من طهران".
واعتبر المعهد الامريكي ان "السوداني سيسعى إلى الاحتفاظ بـ"علاقات ودية" مع كل من طهران وواشنطن، وسيتجنب "حرق الجسور" مع الدول العربية التي حاول أسلافه في رئاسة الحكومة تطويرها، وذلك برغم أن إيران وحلفاءها العراقيين سيبذلون جهودا ضخمة لاجباره على النأي بالعراق عن الولايات المتحدة والدول العربية".
الا ان التقرير الأمريكي رجح ان السوداني "سيقاوم مثل هذا الضغط قدر الإمكان لأنه يرى ان سياسة خارجية متوازنة ضرورية للحفاظ على الموقف المستقل للبلد، ومساعدة اقتصاده المضطرب، ومنع احياء فلول داعش".
واستعاد التقرير جوانب من نشوء السوداني ومسيرته السياسية، من انضمام افراد من عائلته الى حزب الدعوة الذي كان محظورا في زمن الرئيس الاسبق صدام حسين، واعدام والده واخرين من العائلة، والى ان السوداني ظل في العراق بعيدا عن الاضواء خلال دراسته الجامعية في مجال الزراعة الى ان تمت الاطاحة بصدام حسين، ثم توليه مناصب ادارية في ميسان، قبل ارتباطه برئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي، حيث تولى في هذا السياق مناصب وزارية عدة، حتى بعد خروج المالكي من الحكم في العام 2014، وذلك بسبب "كفاءته الادارية".
وبعدما لفت التقرير الى ان السوداني طور علاقات ودية مع السياسيين والفصائل العراقية، خدمته لاحقا عندما قرر البرلمان اختياره رئيسا للوزراء، اوضح التقرير ان التأييد الذي منحه الاطار التنسيقي والذي يضم المالكي واحزابا شيعية اخرى، للسوداني، جعله يبدو وكأنه "في جيب طهران".
الا ان التقرير اشار الى ان السوداني نفسه ساهم في تعزيز هذا التصور "عندما عين شخصيات مثيرة للجدل مؤيدة لإيران في حكومته، بما في ذلك وزير التعليم العالي نعيم العبودي.. ورئيس المكتب الاعلامي لرئيس الوزراء ربيع نادر" اللذين يمثلان فصائل شيعية مسلحة مدعومة من ايران.
وبرغم ذلك، حرص التقرير على الاشارة الى ان اي رئيس وزراء ستكون له علاقات ودية مع ايران بالنظر الى العلاقات التجارية والدينية الواسعة التي تطورت بين البلدين منذ العام 2003، حيث ان العراق يعتبر ثاني أكبر سوق تصدير امام ايران، كما ان بغداد تعتمد على ايران في استيراد الكهرباء والغاز الطبيعي، وهو واقع أقرت به واشنطن نفسه بمنحها اعفاءات عديدة للعراق من العقوبات الأمريكية التي تفرض على دول تتعامل مع إيران.
وتابع التقرير قائلا إنه "حتى مصطفى الكاظمي، وهو سلف السوداني، والذي كان يعتبر مقربا من الولايات المتحدة، فإنه احتفظ بعلاقات عراقية متوازنة مع إيران".
وذكر التقرير انه برغم آمال صانعي السياسة الأمريكيين كانت على الأرجح تؤيد بقاء الكاظمي في منصب رئاسة الحكومة، لأنه عمل بشكل جيد مع المسؤولين الأمريكيين كرئيس سابق للاستخبارات، الا انهم الان يشيرون الى رغبتهم في إنشاء علاقة وثيقة بالمثل مع السوداني.
وفي هذا الاطار، لفت التقرير الى لقاء السوداني في 17 اكتوبر/تشرين الاول الماضي، اي قبل توليه رئاسة الحكومة، مع السفيرة الامريكية الينا رومانوفسكي حيث اعرب عن رغبته في تعزيز اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع واشنطن، وفي تقوية التعاون الأمني معها واستمرار الولايات المتحدة في تقديم دور المشورة والدعم لقوات الأمن العراقية. ولهذا، يقول التقرير، ان ذلك الموقف لا يشير الى زعيم "يريد التخلي عن دور الولايات المتحدة في العراق وفق أوامر من طهران".
وبعدما اشار الى استمرار خطر فلول داعش في كل من العراق وسوريا، قال التقرير ان السوداني يدرك ان الجيش العراقي ليس في وضع مؤهل من اجل القتال وحده ضد داعش في حال سحبت واشنطن قواتها العسكرية من العراق.
وبالاضافة الى ذلك، لفت التقرير الى ان السبب غير المعلن للتمسك ببقاء الوجود العسكري الامريكي في العراق، قد يكون ان يؤدي وجود هذه القوات دور "القوة الموازنة للحرس الثوري الايراني والميليشيات الموالية لايران في العراق".
ثم اشار التقرير الى الاتصال الهاتفي بين السوداني ووزير الخارجية الامريكي انطوني بلينكن في 3 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، حيث أكد الوزير الأمريكي حرص واشنطن على العمل مع حكومة السوداني، وهي تصريحات وصفها التقرير بأنها جاءت بالرغم من من الدعم الذي تلقاه السوداني من الائتلاف الموالي لإيران، فإنها تأمل استمرار التعاون الذي أمنه الكاظمي، في عهد السوداني.
الا ان التقرير لفت إلى أن واشنطن "ستراقب لترى ما إذا كانت الميليشيات الموالية لإيران، ستصعد هجماتها على القوات الأمريكية"، وهو ما يعني ان السوداني عليه فعل ما بمقدوره من اجل السيطرة عليها، مضيفا أن إدارة بايدن تحدثت عن أنها ستحكم على استقلالية السوداني عن إيران من خلال أفعاله.
واضاف ان هذا الموضوع قد يكون صعبا بالنسبة الى السوداني بالنظر إلى انه حتى الكاظمي نفسه، لم يتمكن من السيطرة على هذه الميليشيات الموالية لإيران، وتابع قائلا إن احتفاظ السوداني بحقيبة المخابرات لنفسه بدلا من منحها لشخصية من الإطار التنسيقي، قد يكون بمثابة اشارة الى واشنطن بانه سيسعى الى استيعاب رغبات الولايات المتحدة بدرجة معينة.
والى جانب ذلك، ذكر التقرير بموقف السوداني المعارض تحرك "أوبك +" لخفض انتاج النفط من اجل ابقاء الاسعار مرتفعة.
كما اشار الى ان اول زيارة خارجية للسوداني كرئيس للحكومة لم تكن الى ايران وانما الى الاردن، مضيفا ان هذه الزيارة لم تؤكد فقط على اهمية العلاقات مع الاردن، وانما ايضا ربما تكون قد أعادت التأكيد على تطوير العلاقة بين العراق والاردن ومصر، ومن بينها إنشاء خط انابيب نفط من البصرة الى ميناء العقبة الأردني والى مصر أيضا.
وبالاضافة الى ذلك، فقد اشار التقرير الى ان السوداني تطرق الى علاقات العراق بالسعودية، مشيدا بدور المملكة الريادي في المنطقة والتأكيد على اهمية العلاقات السياسية والاقتصادية التي طورت بينهما خلال السنوات الماضية، بما في ذلك خطط الربط الكهربائي.
غير انه اوضح ان "المسؤولين السعوديين مترددين إزاء السوداني في المرحلة الحالية، ولا يشعرون بالارتياح ازاء مدى قربه من ايران ومن المالكي، الذي ينظر إليه السعوديون بالارتياب بسبب سياساته المعادية للسنة"، مضيفا ان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان اكتفى بارسال رسالة الى السوداني يتمنى له النجاح في اداء منصبه الجديد برغم ان قادة الإمارات وقطر اتصلوا بالسوداني لتهنئته.
وحول المفاوضات السعودية-الايرانية، قال التقرير ان السوداني أمل بخفض التوتر، مضيفا ان "الخطر بالنسبة للعراق هو انه في حال فشلت هذه المفاوضات، وفي حال سعت الى الضغط على العراق لتخفيض علاقاته مع الرياض، فان السوداني سيكون امام مأزق، خاصة ان دعمه في البرلمان هو في ايدي المعسكر الموالي لإيران".
توصيات للسياسة الامريكية
وختم التقرير بتقديم اقتراحات لصناع السياسة الامريكية، قائلا انه سيكون من الحكمة استمرار منح المسؤولين الامريكيين السوداني مهلة كبيرة بينما يقوم بتطوير سياسته الخارجية المتوازنة".
وبينما اعتبر التقرير ان السوداني "يبدو ذكيا بالقدر الكافي لكي يناور في السياسة الإقليمية، على الرغم من انه مدين لداعميه المؤيدين لإيران داخل البرلمان"، اوضح ان السوداني لم يطالب واشنطن بسحب قواتها من العراق، وهو ما يشكل اشارة مهمة لهذا التوازن".
لكن في المقابل، اعتبر التقرير ان على المسؤولين الامريكيين ان يشجعوا الجيران العرب للعراق على الاستمرار في التواصل مع السوداني وحكومته الجديدة ودعم المشاريع الاقتصادية بما يجعل العراق اقل اعتمادا على ايران"، موضحا ان تخفيف اعتماد العراق على الكهرباء والغاز من إيران، سيكون في مصلحة دول العالم العربي والولايات المتحدة.
وفي حين رجح التقرير ان تثير معارضة الولايات المتحدة لبعض الأعضاء في حكومة السوداني الذين تربطهم علاقات بميليشيات موالية لايران، توترا على مسار العلاقات العراقية الامريكية مستقبلا، الا انه دعا الى التعامل مع مثل هذه المسائل بهدوء لان وضعها تحت الضوء قد يؤدي بشكل مرجح الى رد فعل عنيف، مضيفا انه طالما ان أن هذه الشخصيات لا تتولى مناصب مؤثرة قد تلحق الضرر بشكل مباشر بالعلاقات الامريكية -العراقية، فانه يجب على صناع السياسة الامريكيين ان يأخذوا بالاعتبار ان السوداني يتمتع بلا شك بقدرة افضل على تمييز التباينات الدقيقة في السياسة العراقية اكثر من واشنطن.
وخلص التقرير الامريكي الى القول انه نظرا الى قوة الفصائل السياسية الشيعية والميليشيات الموالية لايران، فان هناك الكثير مما بإمكان واشنطن القيام به من اجل التأثير على مجرى الاحداث العراقية، وانه يجب منح السوداني الوقت والمساحة للتعامل مع كل من الإصلاحات الداخلية وقضايا السياسة الخارجية، وانما مع الاستمرار في دعم العراق سياسيا واقتصاديا.
وختم قائلا انه "هذا هو المطلوب في المرحلة الحالية، برغم الهواجس النابعة من موقف السوداني المفترض بانه مؤيد لايران".