معهد أمريكي يضع خارطة طريق لملف النفط بين بغداد وأربيل
11-آذار-2023
بغداد ـ العالم
حذر "معهد الشرق الاوسط" الاميركي من أن العقود القليلة القادمة ستكون حاسمة بالنسبة للعراق وحكومة اقليم كوردستان حيث تعاد صياغة قطاع الطاقة في ظل التغييرات الجارية عالميا، ما سيترك تداعياته ويطرح تحدياته على العراق خاصة إذا فشلت الدولة في اتخاذ الخطوات الجذرية اللازمة من أجل التكيف مع تحول الطاقة، داعيا الى تعزيز التنسيق بين بغداد واربيل.
ومن أنماط التغييرات الجارية عالميا، أشار التقرير الأمريكي إلى العمل المستمر من أجل تعزيز التنمية المستدامة وتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ، والجهود المرتبطة بها في مجالات مثل الطاقة المتجددة، والتغير المناخي وحماية البيئة، وهو ما سيؤثر على كل شيء من التوظيف وأنماط العمل وصولا الى الحوكمة.
وأوضح التقرير، انه في العام 2035، فإن الدول المستهلكة للنفط، بما في ذلك الولايات المتحدة ودول في كافة انحاء اوروبا، ستبدأ في تقليل اعتمادها على الوقود الاحفوري بهدف تقليل الانبعاثات الضارة، ولذلك فإن التقديرات تشير إلى أن الطلب سينخفض في العام 2050 إلى حوالي 70٪ مما هو عليه الآن، في حين ان عدد سكان العراق سيصل الى 75 مليونا، ارتفاعا من حوالي 42 مليونا في الوقت الحالي.
ولهذا، يقول التقرير، إن هناك ازمة تلوح في الأفق، حيث لا يزال اقتصاد العراق يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط، والتي تمثل حوالي 94.4٪ من اجمالي ايراداته، مضيفا ايضا ان العراق يحرق الغاز المصاحب لإنتاج النفط والذي تقدر تكلفته بـ 2.5 مليار دولار سنويا من العائدات المفقودة، وهي عملية تساهم بشكل كبير في تفاقم مشاكل المناخ والتلوث البيئي والأمراض.
ودعا التقرير الامريكي بغداد واربيل الى "اتخاذ عدد من الخطوات المستهدفة وتعزيز مستوى التنسيق بينهما" للعمل جديا للتعامل مع هذه القضايا.
واعتبر التقرير، أن هناك حاجة لتطوير بيانات افضل حيث ان احدى اكبر المشاكل التي تعرقل حوكمة قطاع الطاقة ، تتمثل في الافتقار الى البيانات المتاحة والدقيقة والمصنفة بشكل سليم، مضيفا أنه برغم أن قطاع الطاقة هو الممول الرئيسي لكافة المؤسسات الحكومية والأشكال الاخرى من النفقات العامة، فإن طبيعة العمل في هذا القطاع تتأثر بالوضع المالي للحكومة والنهج العام.
ولفت إلى أن حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قامت بتوسيع الإنفاق الحكومي من خلال زيادة عدد الوظائف في القطاع العام والمستفيدين من الرعاية الاجتماعية، مضيفا أن تسهيل عمل الخريجين الشباب في قطاع الطاقة يمثل أمرا ضروريا وهو سيساهم في ضمان استيعاب التقنيات والتطبيقات الجديدة وتنفيذها بشكل دائم في عمليات الإنتاج.
كما دعا التقرير إلى إنشاء مؤشر لتوظيف الشباب في سوق عمل الطاقة، موضحا ان العراق يحتاج الى انشاء هذا المؤشر المبتكر ليكون قادرا على توفير معلومات مفصلة حول عدد ونوع وحالة العاملين في سوق عمل الطاقة. واوضح ان الحكومتين في بغداد واربيل عليهما العمل معا بشأن هذه القضية بالنظر الى أهمية قطاع الطاقة، خصوصا الطاقة المتجددة وإجراءات انتقال الطاقة.
ولفت إلى أن ذلك يشكل أمرا ضروريا من أجل تحسين الحوكمة في القطاع ومساعدة صناع القرار على اتخاذ خيارات أفضل.
وحث التقرير على تسهيل نقل خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات الى قطاع الطاقة اذ انهم يواجهون صعوبات في الوصول إلى سوق عمل الطاقة، وهو ما مما يؤكد الحاجة الى سد الفجوة بين المؤسسات التعليمية وقطاع الطاقة.
ورأى التقرير أن تسهيل انتقال الخريجين للعمل في القطاع وبدء الأعمال التجارية امر لا بد منه. وان هناك حاجة لتعديل القوانين وبتبني سياسات جديدة لتعزيز الروابط بين الخريجين وسوق عمل الطاقة، مؤكدا على أهمية توفير التدريب المهني للشباب، وخاصة في مجال مصادر الطاقة المتجددة، حيث أنه على سبيل المثال، يتطلب تركيب محطات الطاقة المتجددة مجموعة من المهارات الفنية، بالإضافة الى المعرفة بالرياضيات والبرمجيات، وهو بدوره يتطلب وجود مراكز تدريب مهني بمقدورها توفير التدريب اللازم وكذلك الكيانات التي يمكنها تقديم تمويل المشروع.
كما دعا التقرير إلى توسيع التمويل لمشاريع الطاقة النظيفة، مذكرا بأن البنك المركزي أطلق في كانون الثاني/يناير 2022 ، مبادرة تمويل براس مال قدره 685 مليون دولار بهدف تشجيع مشاريع الطاقة المتجددة، مؤكدا ان هذه المبادرات تحتاج الى النظر في عدد من العوامل المختلفة، بما في ذلك طبيعة المستفيدين والمشاريع، والفوائد التي تتيحها للشباب، بما في ذلك حسب الجنس و الجغرافيا ونوع العمل.
ورأى أنه من المهم أيضا إشراك البنوك المملوكة للدولة والبنوك الخاصة في تمويل مشاريع الطاقة النظيفة وتوفير تسهيلات التمويل للشباب وخريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
كما دعا التقرير إلى معالجة العراقيل القائمة على التوظيف بالنسبة إلى النساء، مذكرا بأن النساء يشكلن نصف السكان في العراق وفي اقليم كوردستان، ويبلغ عددهن حوالي 21 مليون من إجمالي 42 مليون نسمة، إلا أن 1.5 مليون امراة فقط منخرطات في سوق العمل في القطاعين العام والخاص.
واشار الى ان القانون العراقي يحد أيضا من قدرة المرأة على العمل في هذا القطاع، مشيرا الى ان قانون العمل رقم 37 لسنة 2015 في العراق الاتحادي والقانون رقم 71 لسنة 1987 في اقليم كوردستان يحظران على المرأة العمل في ظروف صعبة أو ليلا، وهي تشريعات تحتاج الى تعديل او إلغاء.
وختم التقرير بالقول ان ان الحكومتين في بغداد واربيل تحتاجان الى العمل معا لوضع السياسات والتشريعات والقدرات اللازمة لإنشاء نظام بيئي ملائم لتعزيز نمو الأعمال التجارية في قطاعات الطاقة غير التقليدية. واكد التقرير ان الحوكمة الافضل ستساعد على خلق فرص للتنمية المستدامة، بما في ذلك استدامة الأعمال، وتسهيل دخول الشباب الى سوق العمل.
إلا أن التقرير حذر من أنه اذا كانت هذه الحكومات غير قادرة على مواكبة التطورات العالمية في هذا الصعيد، فان الاقتصاد العراقي قد يواجه مخاطر كبيرة في المستقبل ، مما يحد من فرص التنويع الاقتصادي ويعزز الاعتماد على الوظائف الحكومية غير المنتجة ويزيد بالتالي العبء على الإنفاق الحكومي. وختم التقرير بالتحذير من ان "النتائج ستكون مؤلمة، خصوصا بالنسبة للشباب ، ويمكن ان تؤدي الى النزوح والهجرة والصراع والاضطرابات الاجتماعية ، مما قد يعرض المجتمع ككل للخطر".