بغداد ـ العالم
حذر معهد "المجلس الأطلسي" الأمريكي من "العواقب الوخيمة" على العملية السياسية الهشة في العراق، بعد السابقة الجديدة للمحكمة الاتحادية العليا بإنهاء عضوية رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، متسائلاً عما سيفعله القيادي السني الآخر خميس الخنجر وما إذا كان سيكرر تجربة الإطار التنسيقي عندما تولى مناصب التيار الصدري بعد اعتزال مقتدى الصدر العملية السياسية قبل أكثر من عام.
وأوضح التقرير أن إقالة الحلبوسي من أعلى منصب تشغله الأقلية السنية يعيد إلى الذاكرة الاتهامات القديمة بتهميش ثاني أكبر شريحة عراقية، وهي تهمة تبرز كلما جرى عزل سياسي سني من منصبه حتى لو كانت الأخطاء التي ارتكبها مثبتة بشكل واضح.
ولفت التقرير إلى أن "مزاعم التهميش" كهذه كانت دائماً تساعد هؤلاء السياسيين وغيرهم ممن يعارض النظام السياسي الحالي، في جهودهم التي تستهدف إيقاد نيران المظالم العرقية والطائفية.
وحذر التقرير من أن مثل هذه الاتهامات تساهم في العنف والاضطراب، ما يؤمن مناخاً ملائماً للتمرد والإرهاب، مضيفاً أن الحلبوسي نفسه قام بتذكير معارضيه بهذا الخطر في رد فعله على الحكم القضائي، عندما أشار إلى "بعض الذين يعملون على زعزعة استقرار العراق".
واشار التقرير إلى أن الحلبوسي يجسد الجيل الجديد من الزعامة السنية التي تتبع نهجاً واقعياً في السياسة، ما يمثل ابتعاداً عن أسلوب المواجهة الذي كان ينتهجه القادة السنة السابقون، ويتجنب بالتالي الصراعات المتكررة والتداعيات المؤلمة التي ألمت بالمحافظات ذات الأغلبية السنية مثل تمرد العام 2003؛ وكارثة غزو داعش في العام 2014 والحرب تلتها وانتهت في العام 2017.
وفي المقابل، لفت التقرير إلى أن الحلبوسي وحزب "تقدم" الذي أسسه، ركز على التعاون الوطني بين الطوائف، وإعادة الإعمار المحلي، والخدمات.
وبعدما استعرض التقرير مواقف الحلبوسي من قضية النائب ليث الدليمي، والانتهاكات التي قام بها الحلبوسي، وانتقاداته للقرارات القضائية والمحكمة الاتحادية العليا، وتلويحه بمخاطر إلغاء عضويته البرلمانية، وتحديه بإجراءات دستورية لمواجهة القرار، وحديثه عن "ضغوط خارجية" على المحكمة، لفت إلى أن الحلبوسي لم يعلق على الاتهامات الموجهة إليه ولم ينف ارتكاب أي مخالفات.
وقال التقرير الأمريكي إنه لم تتضح حتى الآن عواقب القرار الإلزامي وغير القابل للطعن من جانب المحكمة، إلا أنه ذكرّ باستقالة ثلاثة وزراء فازوا بمقاعدهم الوزارية بدعم من الحلبوسي وهم وزير الثقافة والسياحة والآثار أحمد البدراني، ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير التخطيط محمد تميم، ووزير الصناعة خالد بتال، وبالإضافة إلى ذلك، فإن كتلة "تقدم" في البرلمان، أعلنت عن عزمها الامتناع عن حضور جلسات البرلمان.
ونبّه التقرير إلى أنه في حال حدثت استقالة واسعة لكتلة الحلبوسي السياسية في البرلمان، فسيكون ذلك بمثابة ثاني أكبر تحول طائفي في التوازن السياسي منذ الاستقالة الجماعية للكتلة الصدرية في حزيران/ يونيو 2022، والتي تسببت باضطرابات سياسية داخل الطائفة الشيعية.
وبعدما لفت التقرير إلى أن التيار الصدري و"تقدم" برزا باعتبارهما الفائزين الأساسيين في دوائرهما الانتخابية الطائفية في انتخابات العام 2021، قال إن التطورات المتعلقة بإقالة الحلبوسي تعد كبيرة خصوصاً لأن العراق، كغيره من دول المنطقة، متورط في الحرب المتفاقمة بين إسرائيل و"حماس".
وإلى جانب ذلك، فإن العراق يشهد حالياً حملة انتخابية لإحياء مجالس المحافظات والتي كان قد جرى حلها في العام 2019 بعد صوّت البرلمان على إنهاء عملها بسبب عجز العراق عن إجراء انتخابات شاملة في ظل الحرب على داعش.
واعتبر التقرير ان التطور المحتمل المهم الذي يجب مراقبته يتعلق بموقف حلفاء الحلبوسي السنة في كتلة "عزم" التي يقودها خميس الخنجر، موضحاً أنه في حال قام منافسو الحلبوسي من السنة، بتقليد المنافسين الشيعة لمقتدى الصدر لشغل المناصب التي تخلى عنها حزب "تقدم"، فإن العراق سوف يشهد انقساماً طائفياً بين السنة، مشابهاً للانقسامات داخل الشيعة وداخل الكرد أيضاً.
وحذر التقرير من أن مثل هذا السيناريو سيؤدي إلى منافسة شرسة في انتخابات مجالس المحافظات في أنحاء العراق كافة، بالإضافة إلى تداعياتها الخطيرة على حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي تجنب التعليق على إقالة الحلبوسي حتى الآن.
وذكّر التقرير بأن حكومة السوداني كانت قد تعهدت بالتحضير لتنظيم انتخابات وطنية مبكرة خلال عام واحد من ولايته، والتي بدأت في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، لتخفيف من حدة تداعيات الاستقالات الجماعية للصدريين من البرلمان.
وأضاف أن الاستقرار السياسي النسبي وتقبل الصدر لاستمرار الحكومة الحالية، شجعا حكومة السوداني على المضي قدماً وتنظيم انتخابات محلية بدلاً من الانتخابات البرلمانية.
وبرغم ذلك، ختم التقرير بالقول إن تبرير استمرار صيغة الحكم الحالية يصبح أمراً صعباً في ظل غياب التمثيل الرئيسي لأكبر الفائزين الشيعة والسنة في انتخابات العام 2021.