منافذ خيالية للنجاة
4-كانون الثاني-2023
ألاسدير غراي*
بسبب خطأ (لا أعلم من هو المسؤول عنه) علق شخص في غرفة دون نوافذ، ولا يوجد فيها شيء سوى باب يمكن فتحه من الخارج، وحوض للتغسيل، ولوحة جدارية تعرض وجه رئيس الأمة. بعد تخيل أمور كثيرة عن هذا المسؤول، حاول السجين أن يجد البهجة بتصور مشهد طبيعي وراء الوجه، وارتاح للفكرة التي تعني احتمال وجود فضاء واسع، ولكنه سرعان ما اكتأب بسبب طبيعة تصوراته المستأنسة. من جهة تحولت مزارع مهيأة جيدا إلى سلسلة تلال زرقاء بعيدة، من جهة مقابلة انتصبت دارة حكومية، وكاتدرائية، وجامعة، ومصنع نظيف، ومساكن للعمال. ولكن لم تكن هناك غابات ولا أنهار متعرجة تحض على اكتشافها. أما سلسلة التلال البعيدة كانت دون روافد ولا شلالات، ولا سفوح، ولا مغارات أو طرقات جبلية، كانت مجرد جبهة تغلق الأفق. ومع أنها مصممة للتبشير بعالم مشمس وساطع أكثر من الزنزانة المضاءة بالكهرباء، كانت اللوحة تصور من الداخل سجنا أوسع. حين أوشك السجبن أن يجن وجد على الأرض وراء حوض التغسيل قلم رصاص. قضمه حتى أصبح مدببا ليكون جاهزا ليرسم به أي شيء على الجدران المطلية بطلاء أبيض: وجوه أصدقاء، قامات عشاق، مشاهد لمغامرات معروفة. ولكن السجين لم ينجح برسم ذلك بطريقة مقنعة، فرسم بحذق صورة كبيرة لباب الغرفة الموصد، مع إضافة اختلاف واحد. في قفل الباب المرسوم مفتاح، ويمكن استعماله. لف السجين المفتاح بدورة كاملة، وفتح الباب وغادر الغرفة. ومع أن التفاصيل المذكورة فانتازيا ونتيجة لنشاط الخيال، الحكاية واقعية. الإرادة الحرة هي محور العقل، وكل من يشعر أنه محجوز يجب أن يتخيل منافذ للهروب، ولا بد أن يتبلور بعض منها. والفن والعلوم الجديدة، والأديان والأمم الناشئة ظهرت بهذه الطريقة.
لكن يمكن لحكاية الباب أن تنتهي نهاية أسوأ.
سمع رجل أعمى يعيش وحيدا في مشروع للسكن البلدي صوت جماعة تقتحم بابه الأمامي، فأخطر مركز الشرطة المحلية. وحينما كان يطلب النجدة وصل إليه المقتحمون وصرعوه بضربة واحدة على الأرض. وكانوا من الشرطة واقتحموا بابه بالخطأ عوضا عن باب رجل يشتبهون أنه يتاجر بعقاقير غير مرخصة. واكتشفوا خطأهم حينما رفع أحدهم سماعة الهاتف ورأى أنه كان يتصل بواحد من زملائه الشرطة. فقال لزميله الشرطي أن لا يقلق، لأنهم "سيخيطون" صاحب البيت الأعمى. استدعي الأعمى الى المحكمة واتهم بالاعتداء على الشرطة أثناء تأديتهم الواجب. في بريطانيا تسجل كل المكالمات الطارئة مع محطات الشرطة مرتين: مرة تسجلها المخافر لمصلحة الشرطة، ومرة تسجلها شركة الاتصالات لمنفعة المتصل. كان محامي الدفاع عن الرجل الأعمى يحمل تسجيل شركة الاتصالات، وقد استمعت له المحكمة ليثبت لها أن موكله بريء، وأشار إلى معنى عبارة يخيطون وشرح أنها تعبير عامي يعني الاعتقال بدليل ملفق. وافق شاهد الشرطة أن الخياطة تعني ذلك في اللغة المحكية المتداولة بين المجرمين، ولكن معناها في محكية يتداولها الشرطة هو الاعتقال بالوقت المناسب دون تلفيق أو انتهاك في الإجراءات. واقتنع الشريف الجالس في المحكمة (يسمى القاضي في اسكتلندا بالشريف) بكلام شاهد الشرطة، وكان يعتقد أن الفوضى ستدب في أمتنا لو لم يثق القاضي بالشرطة. وهكذا صدر حكم لتغريم الأعمى، ولكن دون أي عقوبة بالسجن، كما يحصل بالتأكيد في الدول الشيوعية والفاشية القديمة. ومثل الشريف القاضي كان ولائي الأساسي للشرطة. فتح باب بمفتاح كبير (وهذا بمحكية الشرطة يعني المطرقة) عمل يائس، حتى لو أنك تعتقد أن شخصا شريرا وراء الباب، ولو تعاملت معها بتعجل قد تجد الدليل على أقوالي. تقريبا كل خبراتنا ومعارفنا، بالإضافة إلى القانون الطبيعي القائل تعامل مع غيرك كما تحب أن يعاملوك، تؤكد لنا أن نفتح الأبواب بهدوء. وهي بالعادة أشياء وادعة ومسالمة وتحميك. وأحد أعز الأشياء على قلوبنا وأكثر أفعال حياتنا انضباطا أصبحت أسهل بوجودها، لذلك تحطيم أحدها يشبه لكمة بالوجه، أو قصف المشاة بطائرة في وضح النهار. قد نكسب النقود من ذلك، وقد نعتقد أننا ندافع عن الاستقامة والعدل، ولكن لا يمكننا إغفال أننا نشعر بالقلق الشديد، ولا مجال للخطأ هنا.
وتعاطفت قليلا مع الأعمى، لأنني لست واحدا من أولئك الذين يظنون أن كل من يعيش في مشروع الإسكان البلدي يستحق المعاملة السيئة التي يتلقونها عموما. وعمى الرجل ليس غلطته، وربما هو السبب في منعه من أن يرى أن عليه أن يعيش في مكان أفضل في المدينة. ولكن بالتأكيد كان عليه أن يستعمل خياله، ليكون قادرا على المشاهدة والرؤية في الظلام المطبق. المفتاح الكبير فتح باب الأعمى عام 1990 حينما كانت غلاسكو عاصمة الثقافة الأوروبية. والحكاية لم تنشر في الصحف. وأنا أرويها هنا لأن الشرطة، مثل السجين في الحكاية الأولى، وجدوا أنفسهم بوضع مربك، ولكن تخيلوا منفذا للنجاة. واخترعوا بابا خياليا وأحسنوا الاستفادة منه.
من مجموعة "حكايات منحازة".
*Alasdair Gray كاتب ورسام إسكوتلندي توفي عام 2019. ترجمة صالح الرزوق.
النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech