مروة الاسدي
كلمات النشيد الوطني في عداد الموتى، هذا ما حدث في مهرجان دولي عراقي الشكل ولا يشبه العراق مضمونا وعراقة، فاستبدلت كلمات نشيدنا بــ (موطني، الجلال والسناء والبهاء والدناء، هل اراك ناعمًا منعمًا)؟ انا لست مع من يقول عادي وطبيعي وجل من لا يسهو ولا يخطأ لأنه ليس شعر ولحن أو نشيد عراقي، لا يا عزيزي لأنه رسميًا معتمد كنشيد وطني للعراق، ويعبر عن سيادة العراق، مشكلتي ليست مع نعومة الوطن وانما بالخطأ الأدهى، احيانًا ممكن أن يحدث تبديل للكلمات مع بقاء الفكرة ذاتها أو اقتباس فكرة لكن بكلمات أرقى، فهل نفدت الكلمات ولا يوجد غير كلمة الدناء، وكانما انعدمت المرادفات لكلمات النشيد أو من على وزنها، هل تعرفون ما معنى الدناء؟؟؟ الدناء في معاجم اللغة العربية (الخسيس) وهذا ابسط تفسير للمعنى وخطأ كبير لا يغتفر، فالعراق أعرق وأعظم وأسمى، وخير دليل على سوء اختيار الشخصيات الدنيئة التي تمثل العراق.
بحثت كثيرًا عن الهدف من اقامة المهرجان عسى ولعل اجد جانبا مضيئا، فوجدت الهدف الوحيد الفريد من اقامته هو تعزيز الثقافة والفنون في العراق وتعزيز التبادل الثقافي بين الدول المشاركة، السؤال هنا ما هي مخرجات المهرجان العراقي للدول المشاركة وغيرها؟؟؟ الجواب هو موجة من السخرية والانتقاد والجدل على اقامته وما طرح فيه، نتيجة للأخطاء التي رافقته ابتداءً من سوء التنظيم ولغاية أداء النشيد الوطني، عبرت عنها مختلف الاتجاهات المدنية والثقافية والدينية، بالنظر للأخطاء الكثيرة وظهور بعض اللافنانات والمشاركات بملابس غير محتشمة، ولم يقتصر الأمر على مواقع التواصل الاجتماعي بل أثار الاحتفال موجة كبيرة من السخط الشعبي والرسمي واصبح ترند (الأكثر تداولًا أو رائج الآن) ولغاية الآن، والمؤسف القائمين على المهرجان يحسبون هذا الترند (الشهيرة بدل الشهرة) نقطة نجاح لصالحهم.
ونتيجة للانتقادات اللاذعة للمهرجان أعلنت نقابة الفنانين العراقية أنها غير مسؤولة أو راعية للمهرجان، أو أن المهرجان لم يحظ بدعم حكومي، فإن معظم الانتقادات وجهت إلى السلطات الرسمية واتهمتها بتمويل المهرجان من "أموال الشعب"، ووزارة الثقافة لم ترد لأنها لا تعرف ما ذا تقول، ومستشار رئيس الوزراء يقول: اننا فقط اعطينا الاذن لاستخدام ساحة الاحتفالات، عندما اصدر بيان يخلي المسؤولية من الجانب الحكومي، لافتًا أن الفنانة شذى حسون، قدمت طلبًا تروم فيه إقامة مهرجان تكريمي للفنانين العراقيين والعرب، وأن رئاسة الوزراء ووزارة الثقافة دعمتا الفكرة (مهرجان تكريمي)، إلا أنه أكد "لم تحصل على أي دعم مالي، لأن الطلب مقدم من شركة خاصة"، وأن الدعم تلخص في تهيئة الساحة لنصب المسرح فيها وبعض اللوجستيات من استقبال الضيوف وتوديعهم، وان لا علاقة للحكومة بالتنظيم الفني إطلاقًا، ولا بدعوات المكرمين"، رغم أن المهرجان "كان فيه من الشخصيات والأسماء المهمة ما يرفع من قيمته.
من المسؤول عن اعطاء التصريحات والموافقات لاقامة المهرجان، لنصدق الأمر، تمت الموافقة، فكيف لا نعلم من الحضور!، الم ترفق قائمة باسماء الحضور قدمت مع الطلب الرسمي للحصول على التصريح بالموافقة، ربما هناك شخصية لا تتناسب مع قيم المجتمع ويمنع حضورها مع جل احترامنا لجميع من حضر، فهذا الاجراء يتم بابسط احتفالية او ندوة تقام في مؤسسة صغيرة وليس على مستوى مهرجان دولي، وهذا خير دليل على انعدام وجود دولة حقيقة ومؤسسات لها سياقات عمل ثابتة وواضحة اوصل الأمر إلى هذه الحدود غير المقبولة والمفهومة، فتقدم البلدان وتطورها لا يكون بهذه الطريقة الساذجة.
يقول الكاتب الكندي آلان دونو في كتابه الشهير: "نظام التفاهة" "إن التافهين قد حسموا المعركة لصالحهم في هذه الأيام، لقد تغير الزمن زمن الحق والقيم، ذلك أن التافهين أمسكوا بكل شيء، بكل تفاهتهم وفسادهم، فعند غياب القيم والمبادئ الراقية، يطفو الفساد المبرمج ذوقًا وأخلاقًا وقيمًا، إنه زمن الصعاليك الهابط"، وكلما تعمق الإنسان في الإسفاف والابتذال والهبوط كلما ازداد جماهيرية وشهرة"، إن مواقع التواصل نجحت في ترميز التافهين، إذ صار بإمكان أي جميلة بلهاء، أو وسيم فارغ أن يفرضوا أنفسهم على المشاهدين، عبر منصات عديدة وأغلبها غير منتجة، لا تخرج لنا بأي منتج قيمي صالح للمجتمع.
فاصبح جميع التافهين من محبين العراق سواء كانوا عراقيين أو غيرهم، اين كانوا مسبقًا، اصبح العراق الآن حبيب الكل للحصول على أكبر عدد من المتابعين التافهين ايضًا فهم المسبب الأكبر بالكارثة.
من جانب اخر توافق قيام المهرجان مع العيد الوطني العراقي 3/10/ 2023م، ولمن لا يعرف لماذا 3/10 بالذات (العيد الوطني العراقي هو يوم اُقترح سنة 2008 اتخاذه يوماً وطنياً يصادف الثالث من تشرين الأول، احتفاءً بيوم إعلان استقلال العراق عن الانتداب البريطاني وانضمامه إلى عصبة الأمم المتحدة، وكان ذلك الاستقلال في 3 تشرين الأول سنة 1932، غيرَ أن ذلك اليوم لم تتخذه الحكومات العراقية عيداً وطنياً بعد انقلاب ثورة 14 تموز سنة 1958 حتى 9 نيسان سنة 2003 حين وقع الاحتلال الأمريكي، فاقترح بعدئذٍ أن يكون يوم الاحتلال يوماً وطنياً احتفاءً بتخلّص العراق من حكم حزب البعث العربي الاشتراكي، ولكن هذا الاقتراح رُفض شعبياً باعتراضات واسعة، ومالت بعض الآراء إلى إحياء يوم الاستقلال 3 تشرين الأول واتخاذه عيداً وطنياً، فتقرر في شهر شباط من سنة 2008 اتخاذ يوم 3 تشرين الأول عيداً وطنياً، ولم يتفعّل ذلك القرار إلا في شهر أيلول سنة 2020 بعد أن أصدرت الحكومة العراقية قانوناً متعلقاً بالعيد الوطني، رأى بعض المؤرخين العراقيين أن يوم 3 تشرين الأول لا ينبغي أن يكون العيد الوطني إذ لم يكن الاستقلال عن الانتداب البريطاني سنة 1932 كاملاً، ورأى مؤرخون أنه يوم يستحق اتخاذه يوماً وطنياً، إذ إنه يوم ذو حدث تاريخي لا يجوز التغافل عنه).
ويتضح انها اساءة مقصودة للساحة ورمزيتها في تاريخ العراقيين، إذ تم تغيير مسار المهرجانات والاحتفالات الوطنية إلى تفاهات وانفلات، في يومٍ يفترض به أن يكون احتفالًا بهيًا كعيد وطني عراقي بذكرى دخوله عصبة الأمم المتحدة.
إذ تخلل المهرجان بعض السلوكيات الخارجة عن التقاليد والأعراف العراقية، وما حصل من بعض التصرفات، والفقرات المؤسفة في الاحتفال بالعيد الوطني العراقي أساءت للوطن لذكرى يوم استقلاله العظيمة، ولا يمت لما يرتضيه الذوق العام بصلة، ولم تمر سوى ايام على فاجعة الحمدانية، ولا زال الحزن والاسى يغمر قلوب العراقيين من هذا الحدث الجلل، والدموع لم تجف بعد لضحايا الحمدانية.
لماذا لم يقام احتفال رسمي وشعبي بطريقة حضارية كحال بقية الدول باليوم الوطني، ولماذا تصدرت عناوين الأخبار بالنقد والسخرية واشغال الرأي العام بسذاجة المهرجان الدولي العراقي وابعادهم عن المعنى العظيم لهذا التأريخ، لذلك يفترض ان يكون كل منا سفير حسن لتصدير ما هو أجمل وأفضل للخارج عن العراق، بدءً من العائلة والمدينة والبلد، نحن بحاجة إلى تكثيف الجهود لتعليم أطفالنا حب العراق، وغرس الهوية الوطنية في نفوسهم، عبر المناهج المدرسية ووسائل الإعلام وكل الجهات التربوية وان يعلموا بالحب لا بالإكراه بهدف النجاح في الامتحان، نحن بحاجة إلى تأهيل الملاك التعليمي اولًا لأن مهمتهم الأسمى التربية ومن ثم التعليم.