د. سالم شدهان

في الوقت الذي كافح فيه المجاهد فرنسيس فورد كوبولا كي يجمع مبلغ (120) مليون دولار فقط لإنتاج فيلم (ميغالوبوليس), فقد باع ورهن ماجمعه طوال حياته, كما فعل ذلك يوم اخراجه لفيلم (واحد من القلب), ثم حمل فيلمه الجديد على ظهره وجاء به الى مهرجان كان في فرنسا, ولم يحصل الفيلم على أية جائزة بل أن هناك من لم يكمل مشاهدته فترك القاعة وخرج. في نفس الوقت نحن في العراق نعلن أن هناك مشروعا للانتاج أو للدعم الحكومي لانتاج سينما شرط ان لاتتجاوز انتاج أي فيلم نسبة جزء من الواحد بالمئة من ميزانية انتاج فيلم كوبولا. ويطلب من الفيلم العراقي أن ينافس في المهرجانات, كذلك عليه أن يحقق أرباح, ويؤسس لسينما محلّية تحاكي العالمية بعد ولادة السينما ب(130) عام. أي جنون هذا, وأي استسهال واستزهال واسترجاع هذا! بل أي نكبة هذه ومشروع تطور السينما بيد اللاسينمائيين الحقيقيين, الحقيقيين الذين يصلّون من أجل أن يحصلوا على فرصة لاتكلّف أكثر من (50) برميل نفط يمنح للمجّان الى من هبّ ودب.
هذه هي المـأساة التي يعيشها السينمائي في العراق الذي لايملك الاّ أن يركض خلف الأسماء التي تدّعي بأنها تثقّف وتطالب بأن تؤسسّ لسينما عر اقية متطوّرة, بينما هي في الحقيقة تبني لنفسها امجادا وقصورا ومزارعا وامبراطوريات, ويراتفقهم مطبّلين و(لوكيه) كي يديموا لأنفسهم القيمة الاعتبارية التي وضعهم فيها الحظ والقدر وبتنا نحن الذين لانجيد التملّق ننتظر أن ننال منهم ابتسامة أو رفّة عين. المصيبة يا أصدقاء نحن لانمتلك أسس صحيحة ولا تقليد ولا أرضيّة سينمائية, بل نحن نمتلك أناس يصرخون ويصرّحون بأنهم سينمائيون بينما في الحقيقة, وأتحدث عن الأغلب الأعم منهم, هم ليس سوى أشخاص يريدون أن يحققّوا أرباحا ومغانم مادّية قبل أن تكون سينمائية والدليل الأفلام الكثيرة القصيرة والطويلة التي انتجت في العامين الاخرين, وهل هناك فيلم يمكننا الاشارة اليه بأنه فيلما سينمائيا يقترب من الرؤيا والتقنية السينمائية العالمية ولو واحد بالمئة ؟ نعم صفّقنا لبعضها وأشدنا بها مرغمين حتى لايقول علينا البعض بأننا ظلاميّون وحاقدون وو..
بعد هذه المقدّمة الطويلة اريد أن أقول بأن المنحة الحكوميّة إن تحققت سوف لن تحقق النجاح المطلوب لأنها مبنيّة على خطأ, فهي مشروع مؤقت الغرض منه إسكات بعض الاصوات المثقفة إضافة الى المنفعة المادّية والمعنوية التي يسعى لها البعض الاخر دون وجه حق. فهناك مشاريع لايكفيها مليون دولار ولا حتى ثلاثة ملايين, وهي مشاريع سينمائية كبيرة, هل نتركها ونفكّر في مشروع لايكلف سوى(250) مليون دينار كي يرضى المسؤول, ولكي يتم توزيع المبلغ البسيط الذي يتباهون بأنه (5) مليار وسبعين مليون دينار, وهي مكرمة ومنحة مؤقّتة سوف لن تدوم والدليل أنها أقرّت قبل عام , نسمع بها ولم نراها, وينتظرها ألف سينمائي وعشرات الالاف من التجّار والمنتفعين وبالتالي ستذهب لفلان وفلان الذين سيتم اختيارهم من لجان تحابي وتجامل وبعضها لايفقه بالسينما ولم يقرأ ولم يكتب سيناريو بحياته لكنه يفخر بأنه شاهد فلان فيلم وهذا لايكفي ابدا. السينما ياساده ليس متشابهة الاتجاهات والاساليب فما لايعجب فلان من اللجنة المزاجية هذا لايعني أنه سيء, والسينمائي المسكين لايكتب من أجل إرضاء اللجنة الموقّرة بل هو مفكّر يحمل مشروعا جماليا سوف لن يتحقق من تجربة سينمائية واحدة, والمنحة سوف لن تدوم لأنها نتاج مقترح من شخص اراد ان يحقفق مجد معين بفترة معينة, لكن المطلوب من المسؤول أن يطالب ويكافح من أجل قانون سنوي دائم لايتوقف بمجرد إن بضعة أشخاص سيخدمهم الحظ والحضوة كي يربح بعض الملايين ويخرج لنا بمشروع لايستحق المشاهدة حتى.
ايها المسؤول العزيز, ايها المثقف, أيها المدير العام, أيها النقيب, ايها المستشار, أيها الوزير, أيها الرئيس : أرجوكم ارجوكم الغوا جميع المنح وسنّوا لنا قانونا سنويّا وخطّة طويلة الأمد كي نضع قدما أو إصبعا في خط السينما وإلاّ فإنكم واهمون, واهمون جدا, وما تفعلونه جريمة بحق السينما والسينمائي الحقيقيى, وماتفعلونه لايستحق أن يكون جسرا ولا حتى رصيفا في العراق الكبير. وأقول واثقا إن لم يكون هناك قانونا دائما من أجل السينما فأنا أعلن عن موت السينما في العراق لأنها وصلت في العالم الى درجة لا يمكن أن نصلها بهذه الطريقة التي تعتمد على المكارم والمنح حتى بعد ألف عام وعام . وفي هذه المناسبة يطيب لي أن أقول : كل عام والسينمائي الحقيقي بألف خير وإن شاء الله القادم أفضل.