ميدل إيست آي: الفياض قائد لا يُطاع.. وقدم «هدية» للأمريكيين
12-حزيران-2023
بغداد ـ العالم
تحدث موقع "ميدل إيست آي" البريطاني عن تداعيات على السياسة العراقية واعادة رسم خريطة النفوذ بين القوى الشيعية، في ظل ظهور تصدعات في صفوف الحشد الشعبي، والصراعات الداخلية التي دفعت رئيس هيئة الحشد فالح الفياض الى التحالف مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، والبدء بتنظيم الحشد، متسائلا عن الردود المحتملة من جانب الفصائل المنضوية في الحشد، المقرب من إيران، كاشفا عن "هدية" قدمها السوداني للأمريكيين.
وبعدما ذكر التقرير البريطاني ان الفياض فاجأ الجميع بانتقاداته النارية في الشهر الماضي، لفت الى أن أيّاً من قادة الفصائل المسلحة لم تأخذ تصريحاته هذه على محمل الجد، على الرغم من أن الفياض ليس معروفا باتخاذه مواقف تنم عن التحدي علانية وتثير الاحراج، اذ انه يميل كزعيم عشائري الى تسوية المشاكل من خلال بناء إجماع هادئ بدلا من مسؤول صاحب نفوذ أو بصفته قائد ثالث أكبر قوة عسكرية في العراق. واستعاد التقرير المؤتمر الأمني الذي انعقد في مقر الحشد في الموصل في 20 مايو/أيار الماضي، حيث أعلن الفياض ان الحشد يجب أن يكون خاضعا للقانون ولنفس اللوائح العسكرية المطبقة على الاجهزة الأمنية في البلاد، ملمحا الى ان الحشد بصدد الانفصال عن الفصائل المسلحة التي تشكل العمود الفقري لقواته.
وذكّر التقرير أيضا بتصريحات الفياض التي قال فيها ان "رئيس الوزراء السوداني هو القائد الاعلى للحشد الشعبي وكافة القوات المسلحة، ونحن نطيع أوامره"، مضيفا ان الحشد "هو تشكيل عسكري وامني جهادي، نعم، لكنه في ظل حكومة شرعية منتخبة. وليس أمامه سوى الطاعة والامتثال لأوامر القائد العام للقوات المسلحة".
واعتبر التقرير أن تصريحات الفياض كانت مفاجئة وكذلك الصمت الذي استقبلت به حيث لم تحصل ردود الفعل الغاضبة المتوقعة من قادة الفصائل المسلحة وغيرهم من قادة القوى الشيعية، مضيفا أن خطاب الفياض في الموصل تبعه ايضا قرار بأوامر من الفياض بالغاء العرض العسكري السنوي للحشد في وقت لاحق من شهر حزيران/يونيو الحالي لمناسبة ذكرى التأسيس، حيث كان من المقرر اجراء مناورة عسكرية في الموصل.
ونقل التقرير عن قيادي كبير في الحشد قوله إن "الجميع تبلغوا ان نقص الأموال والوحدات او الاسلحة الجديدة التي تستحق العرض، هي سبب الغاء العرض العسكري، وكلنا يدرك أن هذا ليس صحيحا وان الموضوع لا علاقة له بالتكلفة أو السلاح". وبعدما وصف القيادي الكبير في الحشد العرض العسكري السنوي بأنه بمثابة "استعراض للقوة أمام الاصدقاء والاعداء"، اعتبر ان الغاء العرض "بحجج واهية وغير صحيحة سيؤثر على معنويات المقاتلين"، مضيفا ان "التكلفة لا تتجاوز 3 ملايين دولار، أما بالنسبة للأسلحة، فإن لدينا الكثير لنستعرضه"، مشيرا في هذا الاطار الى حصول الحشد مؤخرا على عربات مدرعة وطائرات مسيرة وأسلحة روسية جديدة، بما في ذلك، نظام "اس-400" للدفاع الجوي، الى جانب العديد من الاسلحة الاخرى التي كانوا على استعداد لتقديمها خلال العرض العسكري.
ولفت التقرير إلى أن الفياض، بعد أيام قليلة من مؤتمر الموصل، ابلغ قادة الحشد انه يريد منهم تقليص الاحتفالات بالذكرى السنوية وتجنب الظهور الإعلامي.
ولهذا، اعتبر التقرير البريطاني أن ذلك يعكس صورة مربكة، وتثير تساؤلات حول ما يجري داخل هيئة الحشد، متسائلا عما إذا كانت هذه التطورات هي نتيجة الخلاف بينه وبين قيادات الفصائل المسلحة على منصبه؟ أم أنها دليل على ان الحشد يمر فعليا بمرحلة التأسيس الثانية كما أشار اليها الفياض نفسه خلال حديثه عن اعادة تنظيم صفوف الحشد.
ورأى التقرير أنه المؤكد هو أن كافة المؤشرات تشير الى تغييرات جوهرية في تكتيكات القوات الموالية لإيران، وهو ما سيكون له تأثير على السياسة العراقية واعادة رسم خريطة النفوذ بين القوى الشيعية.
ونقل التقرير عن سياسيين عراقيين قولهم ان هذه التغييرات بدأت فورا بعد انسحاب الزعيم الصدري مقتدى الصدر من السياسة في اب/اغسطس الماضي، ما أتاح لمنافسيه المدعومين من إيران في الإطار التنسيقي، تشكيل الحكومة. وأضاف التقرير انه رغم أن الإطار التنسيقي يصور نفسه على انه الجبهة التي توحد القوى الشيعية، إلا أن خطاب الفياض يظهر بوضوح وحدة ما بعد الصدر، هشة، إذ إن أحزاب التحالف المختلفة بدأت تتنازع فيما بينها بعد فترة وجيزة من تهميش الصدر.
وأوضح زعيم سياسي شيعي بارز ان كافة قوى الاطار التنسيقي اعتبرت الصدر عدوها اللدود، وكان يتحتم عليها التخلي عن خلافاتها الداخلية والاتحاد لمواجهته"، مضيفا أن "انسحاب الصدر اعادهم الى نزاعاتهم القديمة وتنافسهم الشرس على المكاسب. ما يحدث في هيئة الحشد، ليس سوى أحد المظاهر الاساسية لهذا التنافس".
ونقل التقرير عن السياسي البارز قوله إن "الصراع لن يكون دمويا بالتأكيد هذه المرة، ولكن سيكون هناك تنافس عنيف ولن يهدأ إلى ان يستقر الجميع في مواقعهم الجديدة على الخريطة السياسية".
تدافع من أجل المكاسب
واشار التقرير الى ان ولاء قوات الحشد، التي تضم حاليا 40 لواء وأكثر من 230 ألف مقاتل، موزع بين ثلاثة رجال: آية الله العظمى السيد علي السيستاني، ومقتدى الصدر والمرشد الايراني الاعلى علي خامنئي، مضيفا أنه برغم هذه الولاءات المتعددة، إلا أن رئيس هيئة الحشد يتمتع بصلاحيات مالية وادارية كبيرة، بغض النظر عن انتمائه، حيث ان من يتولى المنصب لديه الحق بالوصول الى مئات الملايين من الدولارات وعشرات الالاف من الاصوات الانتخابية، بالاضافة الى النفوذ في كافة انحاء العراق والدول الاخرى.
ونقل التقرير عن مسؤولين قولهم إن هذه الامتيازات خلقت "هدفا رائعا ومثيرا للشهية" عند كافة القوى السياسية والفصائل المسلحة، سواء تابعة لإيران أم لا. واضاف ان خصوم الفياض كانوا يطمعون دائما بمنصبه، مذكرا بأن جهودا للإطاحة به انهارت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعدما فشلت القوى المدعومة من إيران بالاتفاق على زعيم بديل لقيادة هيئة الحشد. وبحسب أحد قادة هيئة الحشد، فان الفياض قام بالسفر الى ايران بعد نجاته من محاولة الاطاحة به، سعيا من اجل الاجتماع مع السيد خامنئي لكي "يشتكي إليه ما يفعله قادة الفصائل معه ومحاولاتهم للاطاحة به".
وتابع التقرير أن الفياض لم يتمكن من مقابلة خامنئي شخصيا، ولهذا فإنه ترك رسالة مكتوبة يسأله فيها عن موقفه مما يجري معه.
ونقل التقرير عن القيادي الحشدي قوله إن الإجابة التي تلقاها رئيس هيئة الحشد في يناير/كانون الثاني الماضي، عبرت عن "دعم خامنئي غير المشروط للفياض"، مضيفا ان الرسالة "كانت واضحة ولا لبس فيها: فصل الفصائل المسلحة عن قوات الحشد الشعبي، وتقوية الحشد، وربطه بجهاز الدولة". وتابع انه "منذ ذلك الحين، يلتزم (قادة الفصائل المسلحة) الصمت".
وبحسب التقرير، فإنه من الواضح ان رسالة خامنئي أوقفت مؤقتا مؤامرات قادة منظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله التي ارادت منذ سنوات تولي منصب الفياض ومكتب رئيس اركان الحشد، الا ان الرسالة لم تنه الخلاف.
وبحسب ما قاله قادة في هيئة الحشد، فان قادة كتائب عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله في الحشد، يرفضون طوال 6 شهور، حضور أي اجتماعات برئاسة الفياض.
كما أن احد قادة الإطار التنسيقي يقول ان الفياض، الذي يعتبر أحد مؤسسي الإطار، جرى استبعاده من اجتماعات الائتلاف السياسي الحاكم منذ تشرين الثاني/نوفمبر، كما منع ممثله السياسي من المشاركة في هذه الاجتماعات مؤخرا.
وردا على ذلك، كما يقول أحد مستشاري السوداني، فإن الفياض لم يجد أي خيار سوى "الموافقة" على مقترحات رئيس الوزراء العراقي، بتقريب الحشد من الدولة "وبالتالي منح نفسه سيطرة اكبر على وحدات وانشطة الحشد". واشار التقرير ان مستشار السوداني لم ينف أن ذلك يكمن وراء قرار الغاء العرض العسكري للحشد، واصفا القرار بأنه "هدية" قدمها السوداني للأمريكيين "كبادرة حسن نية". وأضاف مستشار السوداني قائلا ان "الامريكيين يدعموننا بالكامل الآن، وخاصة البيت الأبيض، ولسنا بحاجة إلى استفزازهم لأي سبب من الأسباب".
ونقل التقرير عن مستشار السوداني قوله إن "بقاء الفياض في منصبه يخدمنا كثيرا في هذه المرحلة، فالرجل ضعيف ويستجيب لما نطلبه منه مقابل بقائه في المنصب"، مضيفا انه الفياض "سيساعدنا تدريجيا في تقويض نفوذ الفصائل وتقوية مركزية سلطة الحشد وهذا بالضبط ما نسعى إليه حاليا".
الى ذلك، ذكّر التقرير بتصريح للفياض في الموصل، قال فيه ان هيئة الحشد سيقوم بإصلاح هيكلية الحد وفق القانون، ولكنه لم يقدم تفاصيل إضافية حول طبيعة الهيكل الجديد أو آليات إنجاز ذلك، الى ان التقرير عن قياديين في الحشد قولهم انه سيجري دمج أو إنشاء أو إلغاء عدد من المديريات والتشكيلات العسكرية وسيتم استبدال العديد من القادة، حيث اوضح احد القياديين أن "بعض قادة الالوية والافواج والعمليات الذين سيطالهم التغيير، هم الذين يرفضون الاستجابة لأوامر الفياض".
ونقل التقرير عن القيادي الحشدي قوله إن الخطة تتمثل في "وضع القوات بالكامل تحت قيادة الحكومة، وهي رسالة موجهة للمجتمع الدولي والمرجعية الدينية العليا في النجف" في اشارة الى السيستاني.
لكن القيادي قال إن "الفياض يلعب لعبة أكبر منه بكثير".
وبحسب مصادر تحدثت إلى "ميدل إيست آي"، فان اعادة هيكلة وتنظيم قوات الحشد تمثل جزءا من برنامج إصلاح قطاع الأمن الذي يعمل السوداني وحكومته على إعداده منذ شهور.