ناشيونال إنترست: هل سيعيد لبنان علاقاته مع سوريا إلى طبيعتها؟
9-نيسان-2023
بغداد ـ العالم
نشرت مجلة "ناشيونال إنترست" مقالا للمحلل ألكسندر لانجلوا قال فيه إن الدبلوماسية تبدو أنها تقود الطريق في الشرق الأوسط في تحول مبهر للأحداث في عام 2023.
في هذا الصدد، التقى وزير الخارجية الأردني ونائب رئيس الوزراء أيمن الصفدي بوزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب في 28 آذار/ مارس لمناقشة العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية، ولا سيما تلك المتعلقة بسوريا. الاجتماع مهم، بالنظر إلى التحول الدبلوماسي السريع في جميع أنحاء المنطقة في ما يتعلق برئيس النظام السوري بشار الأسد.
ومع ذلك، فإنه بينما يعمل الأردن على حشد الدعم لخطته "خطوة بخطوة" بشأن سوريا، فقد ظلت بيروت هادئة نسبيا في ما يتعلق بدور دمشق في المنطقة. ومع ذلك، فإن للبنان مصالح مهمة في سوريا ستوجه مقاربته للأسد في عام 2023 مع تصاعد المشاركة الدبلوماسية في جميع أنحاء المنطقة.
وتطرق اجتماع وزيري الخارجية إلى القضايا التي تمس البلدين في ما يتعلق بسوريا. وناقش المسؤولان ملف اللاجئين بإسهاب، وهو موضوع صعب بالنظر إلى أعداد اللاجئين الكبيرة في البلدان الجارة لسوريا، حيث يستضيف لبنان رسميا حوالي 822 ألف لاجئ، وهناك تقديرات توصل العدد إلى 1.5 مليون عند النظر إلى السوريين غير المسجلين. في غضون ذلك، يستضيف الأردن ما يقرب من 1.3 مليون لاجئ سوري.
ومع ذلك، فإنه في حين هيمنت قضية اللاجئين على المحادثات بشأن سوريا، فإن مبادرة الخطوة بخطوة المستمرة في الأردن عززت تركيز الاجتماع على دمشق. لقد دعت عمان بهدوء إلى هذا النهج، الذي يركز على تذويب الجليد الدبلوماسي المتدرج مع الحكومة السورية مقابل تنازلات موازية تتكون من إصلاحات سياسية، غالبا ما توصف بأنها حماية للاجئين العائدين إلى مجتمعاتهم، ومكافحة التهريب، والتخفيف من الجماعات المسلحة المدعومة من إيران داخل سوريا.
لقد فشلت الخطة حتى الآن، لأن جهود إعادة التطبيع الأردنية مع الأسد لم تبطئ التهريب على طول الحدود الأردنية السورية أو طرد المليشيات المدعومة من إيران من المنطقة الحدودية. بدلا من ذلك، تستمر الجهود المستمرة بقيادة الإمارات في حشد أكبر قدر من التركيز والتقدم، وإن كان ذلك دون الكثير من الإصلاح أو الوعود السياسية الواضحة من الجانب السوري.
ومع ذلك، فقد أعرب وفد بيروت عن دعمه للمبادرة الأردنية. في الواقع، تدعم الحكومة اللبنانية علنا العديد من مجالات التركيز ضمن خطة الأردن، أي عودة اللاجئين. وأوضح بو حبيب ذلك، مشيرا إلى أن "المأساة الإنسانية ليست فقط مأساة المدنيين النازحين من أرضهم ووطنهم، ولكنها أيضا تحد كبير للبنان على المستويات الاقتصادية والاجتماعية وخاصة السياسية والأمنية". تصريح وزير الخارجية يعكس بالتأكيد تفكير بيروت في الملف السوري. وركزت الحكومة اللبنانية بشدة على اللاجئين السوريين في السنوات الأخيرة لإلقاء اللوم عليهم بشأن الانهيار الاقتصادي بدل إلقائه على النخب التقليدية في البلاد. إنها مغالطة مستمرة تهدف إلى استخدام مجموعة تتلقى، في الواقع، الدعم والتمويل من وكالات الأمم المتحدة ذات الصلة وليس من الحكومة اللبنانية ككبش فداء. ومع ذلك، فإن الكثير من الجمهور يصدق ذلك، وبالتالي فإنه أصبح مجالا ذا أولوية مشتركا مع الأردن وكذلك تركيا.
ومع ذلك، فإن القضايا الأخرى المرتبطة بالملف السوري لها أيضا أهمية كبيرة بالنسبة للبنان. وهذا يشمل رغبة عامة في الاستقرار في جارتها الشرقية، لا سيما في ظل الترابط العميق بين البلدين. في الواقع، غالبا ما يؤدي عدم الاستقرار في أحد هذين البلدين إلى نتيجة مماثلة في الآخر، وأفضل مثال على ذلك هو أزمة العملة اللبنانية التي أدت إلى مشاكل نقدية مماثلة في سوريا في السنوات الأخيرة.
يسير الترابط والاستقرار أيضا جنبا إلى جنب مع مصلحة لبنانية أساسية أخرى، وبالتحديد، إتمام وتنفيذ صفقة طاقة تم التفاوض عليها أواخر عام 2021 بين لبنان وسوريا والأردن ومصر. الأهم من ذلك، أنه ساعد المسؤولون الأمريكيون في التوسط في الصفقة. ويحدد الاتفاق الإطار لقرض قيمته 300 مليون دولار من البنك الدولي لتمويل إصلاحات خط الغاز العربي في سوريا والتي من شأنها أن تسهل جزئيا تدفق الغاز من مصر والأردن إلى سوريا وشمال لبنان.
الصفقة معطلة حاليا بسبب الإصلاحات اللبنانية المتأخرة لقطاع الكهرباء والمراجعة المفترضة المستمرة للعقوبات الأمريكية. وقد رفضت كل من مصر والبنك الدولي حتى الآن البدء في تنفيذ الصفقة دون تأكيد واشنطن بأنها لا تنتهك نظام العقوبات على سوريا وإصلاحات بيروت لأنظمة الكهرباء غير الفعالة للغاية. على وجه التحديد، يتعلق القلق بالتفاصيل الواردة في الاتفاقية التي تنص على نسبة صغيرة من الغاز للحكومة السورية كنوع من الدفع مقابل الجزء الذي يمر منها من خط الأنابيب. في الوقت الحالي، لا تسمح العقوبات الأمريكية بأي واردات أو استثمارات لقطاع الطاقة في سوريا. وبالنظر إلى هذه المصالح وعلاقتها العميقة باستقرار لبنان -أو البقاء السياسي في ما يتعلق بالاتهامات الكاذبة ضد اللاجئين السوريين- فإن بيروت تولي أهمية كبيرة لعودة سوريا إلى الحظيرة الدبلوماسية الإقليمية. من المحتمل أن ينظر القادة اللبنانيون إلى خطة عمّان خطوة بخطوة على أنها آلية جدية لمثل هذه الاحتمالات، حتى لو كانت عناصر مكافحة التهريب تلحق ضررا مباشرا بفصائل لبنانية معينة (حزب الله). ومع ذلك، فإنه يبقى أن نرى ما إذا كان لبنان ينظر إلى الخطوة بخطوة على أنها آلية لتحولات دولية أوسع نطاقا في سوريا.
من المؤكد أن المشهد السياسي في لبنان أبعد ما يكون عن التماسك مثل أي سياق في جميع أنحاء العالم. جزء كبير من السكان معادون بشدة لسوريا ومعادون للأسد - وبالتحديد تحالف 14 آذار المكون من القوات اللبنانية، وحزب الكتائب، والعديد من النواب المستقلين، والأحزاب الصغيرة، وتيار المستقبل الذي كان يهيمن عليه السنة. وتتعارض هذه الأحزاب مع تحالف 8 آذار الموالي لسوريا بقيادة حزب الله والمكون من حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر.
كيف يرى أعضاء تحالف 14 آذار أن أي خطوة من هذا القبيل تعتبر ملائمة لدمشق - لا سيما في خضم الجدل الرئاسي المستمر الذي شهد أن عضو البرلمان (النائب) سليمان فرنجية المدعوم من حزب الله والمؤيد بشدة للأسد أصبح المرشح المحتمل للرئاسة اللبنانية - يبقى أن نرى. ليس بعيدا التكهن بأن الآراء السلبية لفرنجية تترجم بشكل مشابه إلى أي تعامل مع الأسد، والعكس صحيح، بالنظر إلى الخوف الشديد والاستياء من الاحتلال السوري في الماضي. ومع ذلك، فإنه لا يعتبر أي تحالف بالضرورة وحدة متجانسة أيضا.
في نهاية المطاف، يتمتع حزب الله بأكبر قدر من القوة والنفوذ في لبنان ويمكنه بسهولة أن يملي ليس فقط النتيجة الرئاسية، ولكن أيضا ارتباط بيروت بدمشق. ومع ذلك، فإن للحكومة اللبنانية تأثير جاد لكنه ضئيل على الإجراءات الإقليمية المتعلقة بسوريا بالنظر إلى حجم التدخل الأجنبي في شؤونها الداخلية. لهذه الأسباب، من المرجح أن يظل لبنان في ظل جهود إعادة التطبيع الإقليمي الأوسع المرتبطة بنظام الأسد مع التركيز بشدة على ملف اللاجئين السوريين على المدى القريب، بغض النظر عن دعمه لجهود عمّان.