نظرة في إصلاح الاقتصاد العراقي
17-كانون الأول-2022
د. عبد الباسط تركي سعيد
كانت هذهِ السطور قد كتبت عندما بدأت الإيرادات النفطية للعراق تتعاظم كانعكاس للأزمات الدولية وانحسار جائحة كورونا. في ظل هذهِ الزيادة كانت طبقتنا السياسية منشغلة في التباري باقتراح الطريقة التي تستخدم بها هذهِ (الفوائض)، كل وفق ما يراه مناسباً لجمهورهِ وكانت في أغلبها استخدامات استهلاكية قصيرة الاجل، تحاكي عواطف الناخب الحالي وليس مصالح الأجيال القادمة والمستقبل الاقتصادي للبلاد.
في ظل الازمات السياسية والاقتصادية المتلاحقة اصبح وجود موازنة عامة من عدمه هو الأكثر الحاحاً في كل يوم عن سابقه؛ إذ ان (المؤسسات) الحكومية يجب ان تنهض ويجب إدامة ما تبقى من هياكل تلك المؤسسات والخدمات التي تقدم للمواطن، ولأن من المتوقع ان يقدم مشروع موازنة طموح لعام 2023 يحركه تعاظم الايراد النفطي فسوف يعود الى الواجهة مرة أخرى نقاش اشد حول التصرف بهذهِ (الفوائض).
إن الموازنة العامة في أغلب النظم السياسية تمثل خطة السلطات الحاكمة لإدارة الجوانب الاجتماعية والاقتصادية ورسالتها السياسية لمجتمعها، من خلال ذلك تحوز الموازنة العامة أهميتها الاستثنائية في الإدارة المجتمعية، وتتضاعف أهمية اعتماد الموازنة العامة في العراق بعد تكرار الصرف بدون وجود قانون للموازنة العامة تحت غطاء الصرف بمعدل لا يزيد على 12/1 من موازنة (السنة السابقة).
ولان موازنة عام 2022 غير مصادق عليها، فإن ضرورة الإسراع بالمصادقة على موازنة 2023 يجب ان تحد كثيراً من المناورات السياسية على حساب إنجاز ماهو اهم، والنظر الى فرص الإصلاح الاقتصادي على أساس مدياته الزمنية وبهذهِ الوفرة المالية الحالية باعتبارها فرصة نادرة التكرار للتنمية والإصلاح في ذات الوقت.
كل مبادئ المالية العامة والتجارب الواقعية تشير الى أن أي توسع في الانفاق العام في سنة ما لا يمكن التراجع عنه لاحقاً او تخفيضه في أيٍّ من المراحل التالية الى ما كان عليهِ قبل هذا التوسع، وبالتالي فأن الامر يتطلب النظر الى أفضل استخدام له في خلق الفرصة المستقبلية بذات الوقت الذي يطلب فيهِ من الحكومة مواجهة هذا الكم (المعروف) من التحديات، والذي يكون فيهِ التراجع عن مستوى الانفاق يمثل تحدياً لا تستطيع قطعاً مواجهتهِ. إن انجاز الإصلاح وفق مدياتهِ وكتوقيتات زمنية يجب النظر اليهِ عبر الخطوات والإجراءات الاتية:ـ
1ــ على المدى المباشر والقصير.
أــ الموازنة العامة:
أولاً/ أن يتم إعداد قانون لموازنة عام 2022 يغطى من خلال ما انفق فعلاً خلال عام 2022 مع إضافة تقديرات لمبالغ على ما انفق خلال الشهر الأخير (كانون الثاني) من (10ــ20%) كما هو متوقع في الإنفاق في الشهر الأخير من كل سنة، وهو إجراء لا يتطلب الكثير، ولا يتوقع ان يدخل في نقاشات ومساجلات سياسية، واعتماد ذات ضوابط السنة (2021)، إذ أن أي صرف لمبالغ مالية بعد 31/12/2022 دون وجود قانون للموازنة وتحت أية ذريعة هو مخالفة دستورية وقانونية ومالية لا يمكن تبريرها الا ويترافق ذلك التبرير مع إمكانية مستقبلية مطلقة لإنهاءِ أي دور مؤسساتي للدولة ولأي ظرف. (طارئ أو غير طارئ).
ثانياً/ بناء مشروع قانون الموازنة العامة الموحدة لعام (2023) على أساس:
1ــ اعتماد المبالغ الواردة في مشروع موازنة عام (2022)، او المصروف الفعلي في حالة عدم اصدار قانون لتغطية الانفاق لعام (2022) مع إضافة نسبة نمو لا تزيد على (10%) على تلك النفقات، مع ملاحظة أن وزارة المالية كانت تعتمد نسبة نمو لا تزيد على (4%) على الفصل الخاص برواتب الموظفين (تعويضات العامين) في مراحل إعداد الموازنة.
2ــ وضع تخصيصات (للبرامج الخاصة) تتضمن معالجة:
أــ الدرجات الوظيفية المستحدثة.
ب ــ متطلبات الاعداد للانتخابات القادمة على أن يخول مجلس الوزراء صلاحية وضع تفاصيل هذهِ النفقات والصرف عليها وكذلك عودة النازحين ... الخ.
3ــ وضع تخصيصات للدراسات الخاصة للمشاريع الاستراتيجية التي يتوجب المباشرة بها مستقبلاً.
4ــ اعتماد الموازنة النقدية، والمباشرة بتطبيق الحساب النقدي الموحد للموازنة على أن تستمر الية توطين الرواتب لدى المصارف ـ التي هي عليها الان ـ على حالها، في حين يوحد حساب باقي تمويلات الانفاق لدى فروع مصرفي الرافدين والرشيد كمرحلة أولى، وبذلك يؤمن الى حد كبير مرونة استخدام كفء للنقد المتاح في تمويل نفقات للموازنة العامة. اذ أن واحدة من أهم مشاكل إدارة العجز الآني في تمويل المشاريع، كان عدم توفر النقد في الوقت المطلوب.
5ــ كانت وزارة المالية تقوم بدفع (100%) من قيمة الاستيرادات المقرة كتأمينات بالعملة الأجنبية لدى مصرف الـ(TBI) بناءً على الشروط التي يفرضها البنك المراسل وقد آن الأوان بعد هذهِ المدة الطويلة من التعامل أن تتم مناقشة الاتفاق معه لتخفيض هذهِ النسبة (التأمينات)، أو الذهاب الى بنك مراسل بديل بشروط أفضل وعندها يمكن توفير فرصة للاستيرادات أكبر بتخصيصات معطلة من العملة الأجنبية لدى المصرف والبنك المراسل، وقد كان هناك نقاش لاتفاق مبدئي بين (TBI) وبنك ستندر جارجر قبل عام (2014) على أن يودع مصرف TBI للحكومة وديعة ثابتة لدى المصرف الإنكليزي لتأمين الحالات الطارئة عند تأخر السداد بالعملة الأجنبية مقابل تخفيض نسبة هذهِ التأمينات الى النصف كمرحلة أولى وهو ما يؤمن فرصة لاستيرادات حكومية أكبر وفي نفس الوقت تفعيل مستمر لمتابعة انجاز الاستيرادات الحكومية، وجد ديوان الرقابة المالية مثلاً في إحدى السنوات قبل (2012) أن هناك مبلغ يزيد على (300 مليون دولار) لوزارة التجارة معطلة تماماً ولفترة مفتوحة دون وجود أية استيرادات وقد قام بإعادة المبلغ وكافة المبالغ المعطلة الى الخزينة العامة من خلال تدقيقهِ الدوري للاعتمادات في الـ TBI كان يمكن أن تستخدم لو فعلت مزيداً من الاستيرادات.
أ ــ السعي لانجاز وتشغيل المصافي قيد الانشاء خلال عام (2023) للحد من الهدر الاقتصادي وتوجيه مبالغ الاستيراد المخصصة للوقود لأغراض أخرى، (من غير المنطقي أن يصدر العراق النفط ويستورد المشتقات والغاز منذ 19 عاما).
ب ــ تغطي نافذة بيع العملة الأجنبية استيرادات القطاع الخاص لمصلحة شركات تخضع الى القواعد الضريبية النافذة وبالتالي فأن هذا النشاط يوجب على المستورد التحاسب الضريبي السنوي ولضبط هذهِ العملية فأن الامر يحتاج الى ربط نافذة بيع العملة مع المنفذ الحدودي (الكمارك) والهيئة العامة للضرائب، وقد كان ذلك توجه البنك المركزي عندما كان المرحوم (د. سنان الشبيبي/ محافظ البنك المركزي الاسبق)، وفي محاولات جادة ومستمرة مع وزارة المالية واحياناً بحضور وزير المالية بالاضافة لمديري الكمارك والضريبة العاميين لاحقاً/ فقد جرى تطوير الموضوع الى السعي للربط من خلال شبكة الكترونية بين المنافذ والضريبة ونافذة بيع العملة، ومستقبلاً الربط مع مسجل الشركات، اعتذر ابتداء مدير عام الكمارك عن امكانية تكليف شركة لانجاز هذهِ الشبكة مع المنافذ الحدودية، موضحاً عدم توفير التخصيص، وعندها أبلغ باستعداد البنك المركزي لتحمل كلف المشروع، ومع ذلك لم ينجز المشروع. وبالنظر لعدم انجاز الشبكة فقد قام البنك المركزي بتسجيل كافة اجراءات البيع لنافذة العملة على اقراص مدمجة منذ عام (2013) وارسالها الى كلٍّ من الكمارك والضرائب ويمكن في حال العودة لها، تحقيق منجزين؛ الاول تمويل استثنائي، والاخر مؤسساتي في ضبط وتعديل قاعدة المعلومات لدى الهيئة العامة للضرائب عن الشركات ذات النشاط الاقتصادي الخاص.
ج ــ الاخذ بطلب سابق لديوان الرقابة المالية الاتحادي بأن تقوم وزارة المالية بفتح حساب مستقل عن الحساب الجاري للوزارات والدوائر الحكومية يختص بالامانات في الجهات التي تتميز بوجود امانات كبيرة فيها. ومن المناسب الان في ظل التطور التقني الطلب الى الدوائر المعنية بهذهِ الأنشطة تدقيق المشاريع والمهام (العقود والالتزامات) التي ترتبت عليها الامانات، فيما اذا أنجزت من عدمهِ وتحويل الامانات خلال ستة شهور من مطلع عام (2023)، على أن يتم لاحقاً تحويل كافة المبالغ التي مضى عليها خمس سنوات الى وزارة المالية (للمشاريع المنجزة أو المتروكة)، وأن ينظم برنامج الكتروني يربط هذا الحساب بوزارة المالية لتحويل فوري لكل الامانات التي تجاوزت أعمارها الخمس سنوات، وفق هذهِ الالية مستقبلاً.
6 ــ قيام الوزارات القطاعية الخدمية ومن خلال وزارة التخطيط بتقديم المعايير التي تود اعتمادها للمشاريع التي تتضمنها خططها المستقبلية الى مجلس النواب لتُعكس هذهِ المشاريع في الموازنة العامة للسنوات القادمة، معتمدة على أساس هذهِ المعايير فقط بعيداً عن المناورات الحزبية أو السياسية، فعلى وزارة التربية تقديم المعايير التي تتوافق مع المعيار الدولي في اختيار المدارس ودرجاتها وسعاتها، وعلى وزارة الصحة اقتراح المعايير المتعلقة بإنشاء المستشفيات وسعاتها وتخصصاتها والمراكز الصحية والوقائية وكذلك بالنسبة لمراكز الشباب والرياضة وسواها من الخدمات. واقتراح الية واضحة لتحديد احتياجات المناطق والتجمعات السكانية لأي من هذهِ الخدمات، على ان يجري في السنوات اللاحقة تحديث هذهِ المعايير.
7ــ إعادة دراسة القرارات الخاصة بالبطاقة التموينية واجراءاتها التنفيذية في الميدان باتجاه شمول كافة شرائح المجتمع العراقي مع زيادة المواد الخاصة الى ثماني مواد أساسية، وضمان وصولها الفعلي للمستفيدين بشكل منتظم؛ فالبطاقة التموينية بالإضافة الى ما تحققه من دور انساني ومسؤول في توفير الغذاء الأساسي للمواطن هي في ذات الوقت تحقق أفضل نظام للأمن الغذائي الوطني في ظل أية توترات دولية أو إقليمية كون أغلب موادها مستوردة من خارج الحدود وبالتالي فهي عرضة للانقطاع سيما مع غياب الطاقات الخزينة المركزية المناسبة المتاحة لدى وزارة التجارة أو احتمال ارتفاع كلف استيرادها بشكل استثنائي، وفي ظل ازدياد حجم التضخم في العراق في الآونة الأخيرة فأنها تمثل أفضل الآليات لإنصاف الشرائح التي انخفض دخلها الحقيقي الى ذات المستوى الذي كان عليهِ دخول الشرائح المشمولة حالياً بالبطاقة التموينية، وفي ذات الوقت هي ضمان لتجاوز التزايد في الشرائح التي وقعت تحت خط الفقر. بالإضافة الى ان توفير هذهِ السلع يمثل زيادة حقيقية لدخل المواطن ووفرة في العرض السلعي في الأسواق المحلية ومرونة لدى الشرائح المسحوقة في تلمس التغيير في هذا الدخل، وإعادة ترتيب سلم أولوياتها (الانفاقية)، إذ من الثابت أن التوترات الاجتماعية المرافقة لأي إصلاح اقتصادي حقيقي لا يمكن تجاوزها دون التأمين الحقيقي لمصلحة هذهِ الشرائح أولاً.
2ــ على المدى الاستراتيجي (طويل الأمد)
يتمتع العراق بالإضافة إلى ما حباهُ الله من ثروات بموردين يمثلان فرصة للانطلاق وتفعيل باقي الفرص الأخرى هما المورد المتأتي من الثروة النفطية، والآخر في استغلال الموقع الجغرافي والجيوسياسي. وكلا الموردين قابل (للنضوب) والتحييد في الأمد المنظور (للأسف)، فعمر النفط كسيد للوقود في العالم متوقع تراجعه الى بدائل أخرى، في حين أتاح اهمال العراق لاستخدام موقعهِ الجغرافي لدول الجوار والاخرين بأن تتسيد خلق الفرص واستخدامها بشكل متوافق مع تسارع التقدم التقني الذي أتاح بشكل كبير إمكانية تغيير مسارات وطرق المواصلات التي يستخدمها الافراد والسلع عما كانت عليه.
ــ وان العالم الآن لا ينتظر فقط استخدام الفرص المتاحة تاريخياً بل يُسارع في خلق الفرص البديلة، وللأسف وسواءِ كان ذلك بسبب عوامل داخلية او تأثيرات المتغيرات الدولية فأن تأثير العراق في الحفاظ على حقوقه إزاء المحيط والعالم الخارجي تضاءلت كثيراً؛ فالعالم يتواصل ويقيم علاقاته المستقبلية ويتعامل مع الدول على أساس مدى النجاح الحقيقي والتوجهات الجادة والطريقة المعتمدة لإدارة هذهِ الدولة لشؤون البلد والمجتمع (سياستها الداخلية) اولاً وفقاً للمتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وأية محاولة لاصطناع دعائي لن يكون فعالاً حتى في الأمد القصير، ويفهم انه موجه للداخل، العالم الخارجي اصبح يعرف الحقائق وهو يتعامل على أساسها بالإضافة الى ذلك فإن قدرة الدولة على المناورة الخارجية لمحاولة الحفاظ على حقوق بلدانها، يعتمد على مقدار ما تملكه الدولة من أوراق ضغط عند التفاوض (او المنافسة) والقدرة على تعزيز هذهِ الأوراق والذي ينعكس بالضرورة على كفاءة الأداء الحكومي وإنجاز برامجهِ.
وبالنسبة لبلد كالعراق، الذي تتأتى مصادر مياهه ومصادر دخله الايرادي عن بيع النفط الخام إضافة الى أغلب استيراداته بضمنها الغذاء متأتية من خارج حدودهِ، فإن استغفال أو إغفال العامل الخارجي في وضع أية نظرة أو تصور استراتيجي ( وأحياناً آني ) لبناء او اصلاح اقتصادي يعد غير موضوعي، وعبثاً وتغييباً اضافياً لفرص وأزمنة يجب استغلالها. وما لم يكن هناك أمن غذائي كفء ولكل المواطنين وبخاصة الطبقات الفقيرة والهشة لأمد منظور فأن أية سياسة اقتصادية استراتيجية لن يكتب لها أن تنجح هذا اذا كتب لها أن ترى خططها النور؛ فتنفيذ الخطط الإستراتيجية يحتاج بالإضافة الى منظومة دستورية او قانونية تؤطرها، الى إرادة حقيقية في الإصلاح والقدرة على تحمل كلفة مواجهة القوى والمتغيرات التي تعارضه. فلا تنمية زراعية ولا صناعية او مجتمعية حقيقية، وبالتالي لا معالجة حقيقية لأزمة البطالة والتشغيل ما لم تمتلك أو تخلق الدولة في العراق أوراقا تفاوضية مع الاطراف الدولية والاقليمية التي تتعامل معها. نعم، قد تستطيع الحكومة هذا العام أن تحيّد المشاكل الاجتماعية من خلال تعاظم الايراد النفطي، لكن بدون نظرة استراتيجية فإن اثر هذا الايراد سوف يتراجع عن قدرتهِ في حل أي من الازمات الاجتماعية والاقتصادية في المستقبل المنظور.
ــ قد تشكل التوجهات الجادة بشأن الاخذ بالمشاريع الاتية جزءاً مهماً من فرص العراق إذا أراد أن ينفذ خططاً استراتيجية للتنمية:
1ــ إقامة مشروع بغداد الكبرى وذلك بتصميم مدن جديدة تعرض للاستثمار على مداخل محافظة بغداد مع المحافظات الخمس المحيطة بها على أن تتكفل الدولة إقامة بناها الارتكازية. والمطلوب في هذهِ المرحلة إدراج تخصيصات لوضع الدراسات اللازمة له.
2ــ تنفيذ مشروع (مترو الانفاق) في بغداد والمدن المقترحة والاقضية المحيطة في بغداد من المحافظات المجاورة لها، وهو مشروع يمكن ان ينفذ استثمارياً مع شركات دولية.
3ــ انهاء المناكفات الفنية والسياسية المتعلقة بإقامة مشروع ميناء الفاو الكبير وربط مشروعه بخطوط سكك حديد تربط البصرة (وبالتالي الخليج العربي) بتركيا وأوربا وتكون مهيأة للتوسع المستقبلي لطاقات النقل المتوقع حدوثه، واذا ما تحقق ذلك فإن عدد الناقلات التي (ستصعد) في الخليج سيتجاوز عدد تلك النازلة والمحملة عادةً بالنفط الخام فقط. عندها سيكون للعراق فرصة في تنمية واعادة الدور الاستراتيجي الدولي للخليج بدلاً من دوره الحالي الذي يعتمد على تصدير النفط.
يمكن لمثل هكذا مشروع ان ينفذ بفرص تنافسية من خلال الاستثمار الخاص وللشركات العالمية، على أن يترافق ذلك مع إعادة اعمار البصرة مدينةً ومحافظةً وبأفق استيعابي مفتوح، لتعود ثغرا باسما للعراق، لأن من المعيب ان تستمر البصرة ومنذ عام 1980 بدون ماء صالح للشرب، يكفي لتغطية حاجة ابنائها.
4ــ انشاء خطوط لسكك حديد وربطها بالشبكة العراقية لنقل الافراد والبضائع من شرق العراق الى
أــ البحر المتوسط عبر سوريا ولبنان
ب ــ مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية (طريق الحج)
5ــ إعادة تشغيل وتوسعة الخط الاستراتيجي الناقل للنفط من البصرة الى ميناء جيهان التركي مع ملاحظة إمكانية ان يستخدم ايضاً اذا ما توسع لنقل نفط دول الجوار الى الموانئ التركية.
6ــ إعادة تشغيل الخط الناقل للنفط الى البحر المتوسط عبر سوريا ولبنان وزيادة طاقته.
7ــ إعادة تشغيل الخط الاستراتيجي لنقل النفط بين البصرة وميناء ينبع في المملكة العربية السعودية.
جميع هذهِ المشاريع (مرة أخرى) يمكن أن تغطى من خلال المستثمرين وتسدد عند تشغيلها دون تكلفة انية للخزينة العامة، وبعبء اقل عند السداد في حينه. إذا ما انجزت هذهِ المشاريع فكم هي فرص العراق في التحول عندها الى مزيد من انتاج المشتقات النفطية وامكانية تصديرها بدلاً من الاعتماد على النفط الخام؟ وكم هي الفرص المفتوحة في إمكانية الاستفادة المثلى من الغاز المتاح سواء المصاحب لاستخراج النفط أم من حقول الغاز الصرفة؟ وكم هي أوراق التفاوض والتأثير الفعال في الحفاظ على حقوق العراق ومصالح شعبه؟
لكن المطلوب الان من الناحية الفعلية خلال موازنة عام 2023 رصد التخصيصات اللازمة لوضع الدراسات الفنية اللازمة لهذهِ المشاريع.
أخيرا، لا بد من القول: إن مثل هذهِ (الامنيات) لا يمكن أن تتحقق الا في ظل تغيير النظام الدستوري الى نظام رئاسي ولدورة واحدة (6ــ8 سنوات مثلاً)، ولان ذلك غير ممكن تماماً من الناحية السياسية (تلك السياسة التي تقوم على المحاصصة والمكونات... ). في الظرف الحالي فإن البديل المتاح هو أن يشكل مجلس أعلى للإعمار يعتمد في عضويته على كفاءات متخصصة، وأن يخول بصلاحيات واسعة للتنفيذ بكل تفاصيلهِ بعد اقرار هذهِ المشاريع أو أية مشاريع استراتيجية أخرى من قبل مجلس النواب دون الرجوع ثانيةِ الى أية جهة رسمية أخرى لاستحصال الموافقات.