نكات للمسلحين
9-نيسان-2023
منار نادر
مازن معروف كاتب ومترجم فلسطيني آيسلندي من مواليد بيروت 1978، في رصيده مجموعة من القصص والمجموعات الشعرية بالإضافة إلى عدد من الترجمات. وقد ترشحت مجموعته القصصية "نكات للمسلحين"، الصادرة عن دار رياض الريس سنة 2015، إلى القائمة الطويلة لجائزة مان بوكر الدولية عام 2019. وقد ترجمت هذه المجموعة إلى عدة لغات منها: الإسبانية والتركية والفارسية. تتألف "نكات للمسلحين" من أربع عشرة قصة تروى على لسان طفل أو البطل فيها طفل، بالإضافة إلى أن جميع القصص تكون فيها الحرب المحرك والمؤثر الأكبر في صنع الأحداث. تتميز قصص هذه المجموعة بالجمع بين الواقع والفنتازيا؛ ففي ظل أجواء واقعية صرفة يفاجئنا القاص بإدخاله لأحداث وأفكار غير واقعية أبدًا، وقد نعزو ذلك إلى أن الراوي طفل، وللطفل خيال مجنح يجعله يعبر عن الواقع ويراه بطريقة مختلفة.
عنون الكاتب مجموعته القصصية باسم القصة الأولى، وهي أطول القصص، فقد قسمها على عشرة أجزاء معنونة، يمكن لكل جزء منها أن يشكل قصة قصيرة منفصلة. بطل هذه القصة طفل يعيش أزمة سببتها الحرب؛ إذ يتعرض والده للإيذاء المستمر من قبل المسلحين الذين يستمتعون بضربه وإذلاله. يبدو ضعف الأب جليًا أمام الجميع فيحاول الطفل بطرق غير عادية أن ينزع نظرات الشفقة من عيونهم.
أما عن النكات فيضطر الوالد لسردها على المسلحين، وعليها أن تكون مضحكة حتى يدعوه وشأنه. كوميديا سوداء تتحول فيها النكتة من وسيلة للمتعة والإضحاك إلى وسيلة للإذلال والترهيب. لم تخل باقي القصص من النكات فالنكتة موجودة في معظم القصص بشكل أو بآخر فعلى الرغم من الحزن الذي يخيم على الجو لكن المفارقات مضحكة أحيانًا، وأحيانًا أخرى تنتقل النكتة من وظيفتها الأصلية وهي الإضحاك إلى وظيفة مغايرة تمامًا فتصبح مثيرة للحزن، كما في القصة الأولى. وقد أسمى أحد قصص مجموعته "نكتة"، وفي قصة "الحمال" تشكل النكات عنصرًا مهمًا إذ تؤدي دعابة إلى قتل شخص في نهاية القصة.
في قصة "نكات للمسلحين" الراوي هو الطفل (بطل القصة) فهو راو ينتمي للحكاية، ويسمى الراوي في هذه الحكاية حسب معجم مصطلحات نقد الرواية "راوٍ جواني الحكي". فقد كان للراوي وظيفة سردية إذ روى الحكاية، بالإضافة إلى وظيفة تنظيمية من خلال تعليقاته على نص الحكاية وما فيها من ارتباطات (1). وجود الراوي جواني الحكي جعل القصة بلا حاجة لحوارات كثيرة فقد كان الراوي يورد الأحداث والحوارات دون حاجة للفصل في الحوار، وقد كان يكتفي أحيانًا بوضع الكلام في الحوارات بين قابستين.
نستطيع أن نطلق على الطفل في هذه القصة اسم الراوي البطل (2)؛ إذ يقوم الكاتب بعملية السرد مستخدمًا ضمير "أنا" وقد استخدم الكاتب هذه الطريقة في القصص كلها إلا قصة واحدة هي "سيندروم أحلام الآخرين"، التي تختلف فيها الشخصية عن باقي القصص، فيكون البطل شخصًا يحلم أحلامًا لا يكون الشخصية الرئيسة فيها، وفي بعض الأحلام يكون شيئًا مثل منفضة السجائر؛ شخصية مثل هذه يناسبها أكثر أن يروى عنها لا أن تكون الراوي البطل.
يقوم الراوي-البطل باستخدام مفرداته اللغوية ليروي ما يشعر به وما يفكر فيه وما يفعله إنه يقص علينا ما يلاحظه ومن يلاحظه. عندما يتحدث الراوي البطل إلى نفسه فإننا نسمع حواره الداخلي الذي يتألف من مجموعة انطباعات فقد تكون الأحداث عبارة عن خلط عقلي وأوهام وأحلام يقظة، وهذا ما نلاحظه في القصة الأولى وباقي القصص فقد أورد الطفل الأحداث وفقًا لرؤيته وملاحظاته التي بدت للقارئ بعيدة عن الواقع وفيها خلط بين الحقيقة والخيال. استخدام تقنية الراوي- البطل في جميع القصص جعلها أكثر اتساقًا إذ لا نجد تفواتًا في اللغة فجميعها تتميز بطابع وجو واحد.
كما سبق وأشرت فأن أبطال القصص في عينة الدراسة جميعهم من الأطفال، لكنهم أطفال غير عاديين؛ فقد شكلت الحرب أثرًا كبيرًا في بناء شخصياتهم. تظهر شخصية الأب والأم في معظم القصص، وهذا طبيعي أن تتحدث الشخصية الرئيسة (الطفل) عن عائلتها وعلاقتها بها. لكن هذه العلاقات، كما يصورها الراوي-البطل، غير عادية ففي القصة الأولى تنقلب الأدوار بين الأب والطفل ليصبح الطفل محملًا بشعور المسؤولية تجاه والده، ويعمل جاهدًا ليجد حلًا لمأساته. كما نجد غرابة بالعلاقة بين الأخ وتوأمه الأصم فيتحدث عنه ويتعامل معه وكأنه لا يعنيه، وربما نعزو هذا إلى غياب التواصل بين الأخين. في قصص أخرى نجد هذه الغرابة أيضًا في العلاقة بين الطفل ووالديه؛ فمثلًا في قصة "غراموفون" بعد أن يفقد الأب ذراعيه إثر قذيفة أصابت مكان عمله، يطلب من ابنه صراحة ودون خجل أن يجري عملية استئصال لإحدى ذراعيه ويقدمها له. ويستمر بالضغط عليه إلى أن تقنع الأم ابنها بالسفر بعيدًا. وفي قصة "الحمال" يقرر بطل القصة، ذو التسعة أعوام، أن يتوقف كليًا عن الابتسام. يموت والداه، بعد أن يصبح مراهقًا، دون أن يريا ابتسامته. يورد القاص موقفًا يملؤه التناقض إذ يجتمع الناس حول سرير والدته المحتضرة التي ترجو ابنها أن يريها ابتسامته قبل أن تموت لكنه لم يعد قادرًا على الابتسام مهما حاول، يجتمع الناس حولهما ويبدؤون بإلقاء النكات حتى البذيء منها عله يبتسم لكن عبثًا.
لم يشر الكاتب صراحة إلى المكان والزمان التي تدور فيها أحداث قصصه، لكنه أشار إلى بيروت في قصة "غراموفون". ربما يتحدث الكاتب عن الحرب اللبنانية التي عاشها هو المولود ببيروت سنة 1978، والذي حاز على بكالوريوس في الكيمياء من الجامعة اللبنانية. ويجوز أن تكون هذه القصص في بلاد أخرى يعيش أطفالها حروبًا مستمرة وواقعًا مليئًا بالمسلحين والميليشيات. هذه القصص بكل ما فيها من عبث وسخرية، تمثل ما عاشته وتعيشه المنطقة؛ إذ تحول الواقع إلى نكتة كبيرة يصعب تصديقها، ولهذا كان بد من السخرية منها.
مصادر:
1- أنظر: زيتوني، لطيف. معجم مصطلحات نقد الرواية، ص96
2- أنظر: إمبرت، إنريكي. القصة القصيرة، ص77-78