بغداد ـ العالم
سلط الكاتب والمحلل فرهاد مانجو في صحيفة "نيويورك تايمز" الضوء على السياسات الأمريكية ضد الشركات التكنولوجية الصينية، خاصةً شركات صناعة أشباه الموصلات المعقدة والمكلفة.
وقال مانجو: "كما هو الحال مع ناقلات النفط أو الطائرات أو الأسلحة النووية، فإن للتحكم في صناعة أشباه الموصلات أهمية جيوسياسية، فهي مكونات مهمة ليس فقط في الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر، بل في كل شيء تقريباً في العالم الحديث مثل الأسلحة، وتكنولوجيا المراقبة، وأنظمة الذكاء الاصطناعي".
قواعد أمريكية صارمة
وأعلنت وزارة التجارة الأمريكية هذا الشهر مجموعة من القيود التي تمنع الصين من الحصول على الكثير مما تحتاجه لتعزيز تقدنها في صناعة الرقائق، وقالت الحكومة الأمريكية إن القيود تهدف إلى منع الأجهزة العسكرية والأمنية الصينية من الوصول على "التقنيات الحساسة ذات التطبيقات العسكرية".
ولكن محللين تحدثوا إلى مانجو عن خطورة تلك القوانين، قائلين إنها "ستدمر صناعة الرقائق المحلية في الصين، وربما تعيدها عقوداً إلى الوراء".
وقال الزميل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية غريغوري ألين، في تقرير حديث، إن قيود بايدن "تظهر سياسة أمريكية جديدة تتمثل في خنق قطاعات كبيرة من صناعة التكنولوجيا الصينية بنشاط. خنقها بنية القتل".
استثمارات صينية: وتعتبر أشباه الموصلات من القطاعات القليلة التي لا تزال الصين تعتمد عليها في العالم، إذ تنفق الدولة أموالاً لاستيراد الرقائق الدقيقة كل عام أكثر مما تنفقه على النفط، واستثمرت الحكومة الصينية مليارات الدولارات لتوطين الصناعة، لكن تقدمها بطيء. وفي بعض أكثر المجالات تقدماً في العمل، يتخلف مصنعو أشباه الموصلات الصينيين كثيراً عن منافسيهم الدوليين، حسب التقرير.
يقول ألين إنه حتى الآن "كانت معظم القيود الأمريكية على وصول الصين إلى أفضل أشباه الموصلات تستهدف الجيش في المقام الأول. لكن الشركات الصينية متحالفة بشكل وثيق مع الجيش، ما يمكنه من التهرب بسهولة من القيود، لذلك فإن سياسة بايدن الجديدة ستجعل ذلك أكثر صعوبة على الجيش، إذ تطبق قيودها على أي كيان في الصين، سواء كان فرعاً من الجيش أو شركة مدنية نظرياً". وحسب مانجو، فإن القواعد لا تمنع الصين من شراء تكنولوجيا أشباه الموصلات الأمريكية عبر قاعدة المنتج الأجنبي المباشر فحسب، بل تنطبق أجزاء من اللوائح على أي شركة في العالم تستخدم تقنية أشباه الموصلات الأمريكية.
ولذلك وإذا وافقت شركة تصنيع رقائق غير أمريكية على صنع رقائق صينية التصميم، فقد تفقد إمكانية الوصول إلى آلات تصنيع الرقائق الأمريكية التي لا يمكنها الحصول عليها في أي مكان آخر.
رد بكين
ويقول مانجو: "هناك قيود على الأمريكيين، إذ تفتقر الصين بشدة إلى المهندسين والمديرين التنفيذيين من ذوي الخبرة في صناعة أشباه الموصلات، والعديد من شركاتها في هذا القطاع يوظف أمريكيين في مناصب رفيعة، وهو ما قد يتأثر بسبب القيود الجديدة التي تحظر على جميع الأمريكيين وحاملي البطاقة الخضراء من الاستمرار في العمل في صناعة أشباه الموصلات الصينية". وتساءل مانجو، كيف يمكن أن تستجيب الصين؟ قبل أن يجيب، إن "إحدى الطرق هي التهرب من القواعد، إذ لطالما كانت بكين بارعة في الالتفاف على العقوبات، والرقائق الدقيقة صغيرة ويمكن تهريبها بسهولة. كما أنه ليس واضحاً إلى أي مدى يمكن لإدارة بايدن تطبيق القواعد".
وأشباه الموصلات من أكثر الأدوات تعقيداً التي اخترعها البشر على الإطلاق، كما أنها من بين الأغلى كلفة، والرقائق من النوع الذي تعمل به أجهزة الكمبيوتر العملاقة والهواتف الذكية المتطورة مليئة بترانزستورات صغيرة جداً لدرجة أنها تقاس بالنانومتر.
وهذه الأجهزة قادرة على العمل على مقاييس متناهية الصغر تقريباً، وهي أصغر حجماً حتى من معظم الفيروسات، ويستغرق بناء بعض آلات تصنيع الرقائق أعواماً ويتكلف كل منها مئات الملايين من الدولارات.