نيويورك تايمز تتساءل: هل تساعد الحروب التجارية على إنقاذ المناخ؟
9-نيسان-2023
بغداد ـ العالم
رأى روبنسون ماير، المختص بعلم المناخ، أن هناك جانباً مثيراً للسخرية يتعلق باستجابة أوروبا الغاضبة لمشروع قانون المناخ الأساسيّ لإدارة بايدن. فمنذ أن وقَّعَه الرئيس بايدن ليتحول إلى قانون في أغسطس (آب) الماضي، وصَفَه القادة الأوروبيون بأنه إهانة حمائية "شديدة العدوانية" للتعاون العالميّ بشأن تغير المناخ. وقال ماير في مقاله بصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية: هذا النوع من الحمائية هو نقيض النحو الذي تصوَّرَ به الخبراء تاريخيّاً المعركة ضد تغير المناخ. وحتى وصف الصراع مع التغير المناخي بالمعركة يُظهر أملنا في أن يتطلب تغير المناخ مواجهةً أخيرة تتآزر فيها البشرية جمعاء وتقضي على استخدام الوقود الأحفوري إلى الأبد.
منافسة لا تعاون
وأضاف: هناك الآن سبب يدعونا للاعتقاد بأن أنواعاً معينة من المنافسة - لا التعاون - قد تكون متأصلة في حل مشكلة المناخ نفسها: إذا تساوت العوامل كافةً، فإن مكافحة تغير المناخ قد تؤدي إلى مزيدٍ من السياسات الحمائية، والمزيد من التوتر الاقتصادي، والمزيد من الحروب التجارية.
فمنذ ما يقرب من نصف قرن، أدرك العلماء أن المناخ المستقر الصالح للسكنى هو أحد المشاعات العامة؛ وربما كان أكبر وأهم المشاعات التي اضطرت البشرية إلى إدارتها على الإطلاق. ولكن في الوقت نفسه، رأى الاقتصاديون أنّ استهلاك الوقود الأحفوري يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنمو الاقتصادي. وعليه فقد كان لزاماً على البلدان المشاركة في مفاوضات المناخ أن تتخذ خياراً بشعاً: فإما أن "تتعاون" مع جيرانها لخفض الانبعاثات، وإما أن تستفيد مجاناً من تخفيضات الانبعاثات التي أقرها جيرانها لتنمية اقتصاداتها بشكلٍ انتهازي.
حققت البلدان الغنية نمواً في اقتصاداتها، ولكنها شهدت انخفاضاً في انبعاثاتها. فقد حصدت الصين، التي تنبعث منها ملوثات مناخية أكثر من أي دولة أخرى، فوائد اقتصادية واستراتيجية هائلة من صناعات التكنولوجيا الخضراء المزدهرة. وبدأ العالم كله يستوعب أنّ العمل المناخي لم يكن ينطوي في الواقع على مقايضة؛ فخفض الانبعاثات لا يعني التخلي عن النمو.
التزامات مناخية
في عام 2020، أثبت العالمان السياسيان مايكل أكلين وماتو ميلدنبيرغر أنه بناءً على الأدلة التاريخية، لم تتراجع الدول عن التزاماتها المناخية عندما تراجعت جيرانها عنها.
وأضاف ماير: إن ما يُملي سياسة المناخ هو المنافسة السياسية داخل البلدان، وتحديداً التحالفات المحلية التي تتنافس على السلطة على المجتمع والاقتصاد. وكتب أكلين وميلدنبيرجر ما مفاده أنّ سياسة المناخ تخلق "رابحين وخاسرين اقتصاديين جُدداً"، ولا تضع البلدان المزيد من تلك السياسات إلا إذا كان للمستفيدين منها اليد العليا والهيمنة والسيطرة. ويمكن أن نلمس هذا الآن بالتزامن مع الضجة في أمريكا وأوروبا حول سياسات المناخ الخاصة بكل منهما، وكيف يجب تقسيم الأرباح والنمو المستقبلي بين المُصنِّعين وشركات الوقود الأحفوري والعمال والمستهلكين.
سياسات مناخية وطنية
في العام الماضي، لاحظَ جوناس نام من كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة أنّ البلدان ذات الاقتصادات الموجهة نحو التصدير والتصنيع، مثل ألمانيا، تبنت سياسات مناخية وطنية قبل البلدان المُعتمِدَة على الاستيراد.
سيساعد قانون الحد من التضخم على تعزيز التصنيع في الولايات المتحدة، يقوقل الكاتب، لأن صناعاتنا تسعى وراء الفرصة نفسها، ويعقد السياسيون الآمال على إنشاء قاعدة من الدعم الشعبي لخفض التلوث بقدرٍ أكبر في المستقبل.
ولكن، بمجرد أن تريد كل دولة الهيمنة على شريحة من الصناعة، فمن المرجح أن يتبع هيمنتها صراعُ تجاري. وذلك لأن الطاقة النظيفة صناعة متنامية واستراتيجية للغاية، وينشأ الصراع التجاري دائماً من هذه الصناعات تحديداً، على حد قول مورين هينمان، المؤسِّسَة المشاركة والرئيسة التنفيذية لمسرعة سيلفرادو للسياسات والمديرة السابقة لمكتب الممثل التجاري الأمريكيّ.
الطيران المدني.. صناعة استراتيجية
والطيران المدني صناعة متنامية واستراتيجية، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على خلاف بشأن شركتي بوينغ وإيرباص منذ سنوات. تريد كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جزءاً من سوق الطيران العالمي.
أولاً، تحتاج دول مثل الولايات المتحدة واليابان ودول الاتحاد الأوروبي إلى أن تلزم الهدوء بشأن وجود خلافات تجارية مرتبطة بالمناخ. وقد يكون السيناريو الثاني هو أن تبني كل من الولايات المتحدة وأوروبا وشرق آسيا والصين سلسلة التوريد المحلية الخاصة بها لتقنيات خالية من الكربون، وأن أيّاً من هذه السلاسل لا يُحقق نطاقاً كافياً لخفض التكاليف طويلة الأجل. وأكد الكاتب ضرورة أن يولي المسؤولون اهتماماً خاصاً للصناعات التي يمكن أن تؤدي فيها المنافسة التجارية إلى تفاقم تغير المناخ.
ولعل الهيدروجين هو المثال الأبرز في هذا السياق. فعلى الرغم من أنه يمكن أن يقضي على الانبعاثات الصادِرَة من العديد من الصناعات، إلا أنه أيضاً مُلوِّث عرضةً للتسرب في حد ذاته.
حرب عالمية جديدة
وأوضح الكاتب أنه في حال دخلت أوروبا والولايات المتحدة في "سباق لتخفيف القوانين الصارمة وخفض معدلات الضرائب لإنعاش الأنشطة الاقتصادية" المتعلقة بدعم الهيدروجين، فسيعاني كوكب الأرض الأمرين.
وكلما زادَ العداء بين الولايات المتحدة والصين، تقطَّعت علاقاتهما التجارية أكثر، واقتربنا بقدرٍ أكبر من النتيجة الأسوأ على الإطلاق للبشرية والمحيط الحيوي؛ ألا وهي حرب عالمية جديدة.