بغداد – العالم
طرح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال زيارته الأخيرة للمنطقة العربية، حلًا مؤقتًا للتهدئة في لبنان، يتضمن وقفًا لإطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، مقابل إجراء "انتخابات آمنة"، وضخ استثمارات تنعش الاقتصاد اللبناني المنهار.
ويبدو أن هذا الحل المؤقت يحظى بدعم من الحكومة اللبنانية، التي تسعى إلى فرض التهدئة في الجنوب اللبناني، خاصة بعد الاستهدافات الكثيرة التي تعرضت لها المنطقة من قِبل إسرائيل.
ولتحقيق الاستقرار في لبنان، ووقف التدهور اليومي لجبهة الجنوب، من الضروري العمل على حل الأزمة بشكل جذري، من خلال تحقيق السلام بين لبنان وإسرائيل، وإنهاء الحرب على غزة، وفق تقدير الخبراء.
الخبير في الشأن الإيراني الدكتور يوسف بدر، قال إن "الوساطة الأمريكية في لبنان لتهدئة الأوضاع بين إسرائيل وحزب الله، لن تحدث إلا في إطار تفاهمات خارجية مع إيران"، مؤكدًا أن "طهران هي المحرك والداعم لكل ما يجري في الوقت الراهن".
وأضاف أن "النظام الأمريكي يبحث عن حوار مع الإيرانيين، في ظل ضغط الفصائل الموالية لإيران على واشنطن عسكريًّا في البحر الأحمر".
ويرى الخبير السياسي أن "فكرة الحل المؤقت في لبنان ليست جديدة، ولا ترتبط بجولة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في المنطقة، بل بدأت قبل ذلك، مع بداية طرح موضوع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وتواصلت الولايات المتحدة مع أطراف كثيرة، منها إيران، في هذا السياق".
وأوضح بدر، أن "ما يهم الولايات المتحدة في الوقت الحالي هو تفعيل القرار الأممي 1701، الذي ينص على إبعاد حزب الله اللبناني عن الحدود".
لكن حزب الله أعلن، في وقت سابق، أن الاتفاق لن يتم في إطار استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، حسبما قال بدر، وأضاف أن "إبعاد الميليشيات اللبنانية عن الحدود يحتاج إغراءات كثيرة، منها الحديث عن ترسيم الحدود البرية، ومن ضمنها مزارع شبعا، ومساعدة لبنان في تفعيل قرار الترسيم البحري لبدء مهمة الشركات العاملة في التنقيب عن الغاز".
وكان المبعوث الأمريكي عاموس هوشستين، أعرب عن أمله في التوصل إلى حل دبلوماسي لإنهاء الصراع المستمر منذ 3 أشهر على طول الحدود بين إسرائيل ولبنان بعد اجتماعه مع المسؤولين اللبنانيين في بيروت.
والتقى المبعوث رئيس الوزراء اللبناني المؤقت، ووزير الخارجية، وقائد الجيش، ورئيس البرلمان، وقال للصحفيين: "أعتقد اعتقادًا راسخًا أن شعب لبنان لا يريد أن يرى تصعيدًا للأزمة الحالية وتفاقمًَا للصراع".
وتبادل الجيش الإسرائيلي ومسلحو ميليشيات حزب الله، الذي صنفته الولايات المتحدة على مدى عقود "جماعة إرهابية"، الهجمات بشكل متكرر، منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
المحلل السياسي أحمد سلطان، أشار إلى أن "ما طرحه المبعوث الأمريكي خلال زيارته إلى بيروت، يهدف إلى التهدئة في الجبهة الجنوبية للبنان، لأن من مصلحة الولايات المتحدة عدم انخراط حزب الله في مواجهة موسعة مع إسرائيل".
وأضاف سلطان أن "جبهة لبنان تختلف عن جبهة اليمن، إذ إنها ترتبط مباشرة مع إسرائيل، بالتالي فإن انخراط حزب الله في مواجهة موسعة يعني قلب التوازنات في المنطقة".
وأوضح أن "الولايات المتحدة ليست وسيطًا موثوقًا لدى حزب الله، لكنها تؤدي دورًا في الضغط على إيران حتى تضغط بدورها على حزب الله، وباقي الجماعات المسلحة التابعة لها".
ووفق تقديرات الخبير، فإن عمليات التصعيد العسكري في اليمن ولبنان، لن تتوقف إلا بعد إنهاء الحرب في غزة، والتوصل إلى تسوية سياسية.
بينما يرى الخبير العسكري العراقي اللواء محمد عاصم شنشل، أن "جولات بلينكن في المنطقة العربية تهدف إلى حشد جهود الأطراف الدولية، بما في ذلك تركيا ولبنان، للوساطة بين ميليشيات حزب الله وإسرائيل، ومناقشة الوضع في فلسطين، خاصة قطاع غزة، بعد 100 يوم من الحرب".
ووسط المحاولات الأمريكية لعدم توسيع دائرة الصراع، فإن الحكومة اللبنانية تسعى أيضًا إلى تهدئة الأوضاع عسكريًّا في ظل معاناة لبنان اقتصاديًّا وسياسيًّا خاصة بعد فترة طويلة من الانهيارات المتتالية، وفق تقدير الخبير العسكري.
وأضاف شنشل أن "بلينكن طالب الجانب اللبناني بالبحث عن حلول من شأنها فرض التهدئة مع إسرائيل، مقابل إجراء انتخابات آمنة في لبنان، وضخ استثمارات تنعش الاقتصاد اللبناني المنهار منذ سنوات"، مُرجّحًا أن تكون هناك اتفاقات سرية بين ميليشيات حزب الله وواشنطن لمنع الضربات الموجهة ضد إسرائيل.
ويرى أن "الحكومة اللبنانية لا تستطيع إيقاف النزاع في الجنوب اللبناني، فالمنطقة تحت سيطرة حزب الله، لذلك تسعى الولايات المتحدة إلى تقديم إغراءات للحكومة اللبنانية المقبلة".
في المقابل، يستبعد الكاتب السياسي اللبناني أسعد بشارة، أن تكون هناك حرب مفتوحة في هذه الفترة، في ظل رغبة في عدم التفاوض أو الاتفاق مع إدارة أمريكية قد لا تكون موجودة بعد الانتخابات المقبلة، حتى لا ينعكس هذا على صناديق الاقتراع.
وأضاف بشارة أن "ما يحدث في باب المندب، ومزارع شبعا في لبنان، ما هو إلا مناوشات، وليس مقدمة لحرب مفتوحة".
وأوضح أن "ما طرحه بلينكن وهوكستين على اللبنانيين من خلال الوساطة التي يقودها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، يضع حزب الله أمام إرباك سياسي، إذ إن التفاوض قبل نهاية الحرب في غزة يعني فقدان المصداقية لدى حزب الله من جهة، وتعريض كوادره إلى مزيد من الاعتداءات الإسرائيلية بعد نهاية الصراع".