ساطع راجي
إن أي نقاش عراقي عام حول العلاقة مع أي دولة جارة أو مشكلاتها الداخلية وظروف حياة مواطنيها، يصطدم بسرعة بمواقف حادة، جاهزة ومكررة وغالبا غير واقعية، وهذا نتاج لعلاقات متوترة مع دول الجوار، بدأت منذ نشوء الدولة العراقية الحديثة التي اعترضت أكثر من دولة على ظهورها أو ترسيم حدودها الراهن، وكل تحول سياسي في العراق كان يؤدي إلى ظهور توترات ومشكلات جديدة دون تسوية المشاكلات القديمة.
الترابط بين شعوب منطقتنا عميق إلى حد برر دائما دعوات الدمج والتوسع والوحدة، كما تسبب بالكثير من الحروب والأزمات، لكن بعد مرور ما يقارب القرن على ترسيم الحدود الراهنة، صار ضروريا تقبل الواقع من أجل الانطلاق إلى الاستقرار الإقليمي والتعاون، وهو ما يعني أن مجتمعات ودول المنطقة عليها التحول من عقلية التوسع والهيمنة إلى التفهم والتقبل، إذ لا توجد دولة تمتلك صفات حضارية (ثقافيا وتقنيا) تؤهلها للقيام بدور امبراطوري ولو محدود، بل ان دول المنطقة تعاني من تحديات معيشية وظروف صعبة، وتكاد تفشل جميعها في التعامل مع تحديات العصر، ولا تمتلك أي دولة تجربة مغرية تسمح لها بقيادة المنطقة، ولذلك سيكون التواضع هو القيمة العليا المؤدية للنجاة خلال السنوات القليلة القادمة.
لن يكون ممكنا لدولتين أو أكثر بناء علاقات تعاون حقيقية، دون ان تتساوى في معرفتها وفهمها لنقاط وضعف وقوة كل واحدة منها للأخرى، وبدون ذلك ستكون العلاقات خاضعة إما لعقلية الاستعلاء أو لعقلية التبعية، وهي عقليات شعبوية انحيازية، تتبناها الدول والشعوب بتأثير الجهل أو هيمنة العواطف الساذجة والتحريض العنصري. وفي هذا المجال، يعيش العراق نقصا وإهمالا حادين في الاطلاع على التفاصيل الداخلية لشؤون دول المنطقة، ويخلو الاعلام العراقي من متخصصين في التغطية والتحليل على المستوى الإقليمي، رغم ان للعراقيين مصالح عامة وفردية كبيرة ومتشعبة في كل دول المنطقة، بسبب الدراسة والعلاج والسكن والتجارة والعلاقات الاجتماعية كما للدولة العراقية مصالح وعلاقات وروابط معها، ولا يجد المراقب مؤسسة إعلامية أو بحثية عراقية لديها اهتمام منظم بشؤون دول المنطقة، وما يحدث فيها من أزمات تؤثر غالبا على العراق والعراقيين ولذلك لا نمتلك إلا القليل من التفاصيل عن جيرانا وهو ما يتسبب ببناء مواقف انطلاقا من تحيزات وأفكار مسبقة من جهة وصدمات وتوترات عندما تصدر الحكومات في دول الجوار قرارات تنظيمية في قطاعات داخلية لها تأثير مباشر علينا، دولة وأفرادا. لم تسمح التحولات والانقلابات المتلاحقة بظهور شخصيات دبلوماسية وأمنية وإعلامية واكاديمية لها خبرة واطلاع في شؤون دول المنطقة، كما لم يبرز أي متخصص بشؤون هذه الدول من بين القوى السياسية العراقية التي استقر بعضها عقودا هناك، ولا نكاد نجد بين المثقفين والإعلاميين والساسة المتقاعدين، الذين يسكنون الآن في دول الجوار من يهتم بتقديم تصورات ومعلومات عن شؤون بلدان استقرارهم ومشكلاتها وصراعاتها الداخلية، لذلك يبقى الفهم العام لشؤون الجيران محصورا بخطابات الولاء والكراهية، وهو فراغ كبير يتسبب بالمزيد من المشكلات.