هوامش على ملف النفط أمام أنظار السيد رئيس الوزراء المكلف
17-تشرين الأول-2022
مصطفى عبدالحسين
كان ملف الطاقة (وخصوصاً قطاع النفط) ولا زال محكاً ومعياراً موضوعياً يؤشر مدى القدرة لدى أي كابينة وزارية خصوصاً في دول الريع المعتمدة على مورد طبيعي أحادي يخضع لقانون العرض والطلب العالميين، إضافة إلى إمكانية إدامة الإستخراج وإنجاح صناعاته، ثم التوجه نحو بقية سلسلة الطاقة لضمان التنمية المستدامة، التي إن أحسنت إدارتها فستفتح الأبواب مشرعة لقيام إقتصاد متنوع ضامن لمجابهة صدمات المستقبل في ظل تغيرات بيئية ومُناخية باتت تهدد الحياة على الكوكب.
لذلك وقياساً على ماورد في المقدمة السابقة صار العمل على تسليح قطاع الطاقة برؤية تمتد للسنوات الثلاثين المقبلة عبر إستراتيجية وطنية متكاملة للطاقة بمفردات صيغت قبل مدة، وإعادة تفعيلها بعد تركها مُهملةً منذ العام 2013 مركونةً دون إكتراث، تدعمها محاولات طيبة لمراكز بحث عالمية على رأسها وكالة الطاقة الدولية التي شاركت في النصح منذ العام 2012 عبر تقريرين مفصلين وضعا النقاط على حروف تقدم القطاع، فكانت جهوداً للأسف مهدورة ضاعت في ظل تخبط إنعدمت فيه القدرة على تحسس الواقع من قبل قيادات وصنّاع قرار لم يستوعبوا قيمة أن يشاركنا العالم وسائل البحث عن حلول المستقبل، وتحقيق الأهداف التي تلكأت بعد الأحداث التي تلت العام 2014عالميّاً بالهبوط الذي أصاب سعر البرميل النفطي نتيجة منافسة النفط الصخري، ومحليّاً بتقدم داعش الإرهابي وتمكنه من إحتلال ثلث مساحة الوطن.
لذا نضع باختصار على طاولة السيد رئيس الوزراء المكلف جملة حقائق بشأن ملف النفط:
أولاً: إعادة النظر بالهيكل التنظيمي للقطاع من خلال فصل المهام بين الوزارة وشركة النفط الوطنية العراقية المزمع إنشاؤها (والتي على مجلس النواب القيام بإجراء التعديلات التي أقرتها السلطة القضائية بإعادة سن قانونها كي تشارك وزارة النفط مستقلة عنها إدارياً وعملياتيّاً تحمل المهام التشغيلية، وترك السياسات والإستراتيجيات للوزارة، مع الإحتفاظ بالقدر المطلوب من التنسيق)، مع العمل الجاد للخروج بصيغةِ قانون لشركة النفط الوطنية لا يتحمل مزيداً من التأخير بعد الخطوة غير المدروسة ثمانينات القرن الماضي التي أفضت الى دمج الشركة بالوزارة، وتجميد فعالياتها التشغيلية لعقود، والتداعيات القانونية الأخيرة التي حمت التشريع، وأوقفت مهزلة تشكيل الشركة غير القانوني من قبل كابينة تصريف الأعمال، والتي كانت الدوافع وراءها شخصية دون النظر للأبعاد الهيكلية المترتبة عن فوضى العبث بالشأن الإستراتيجي لكيان خسرنا دوره منذ ثمانينات القرن الماضي.
ثانياً: لا زال الوقت متاحاً للتفكير بجدٍّ لدمج وزارتي النّفط والكهرباء بوزارةٍ واحدةٍ للطاقة كي يسهل التنسيق بالمجمل، دون الوهن الحالي، والذي ينعكس سلباً على جهود القطاع برمتهِ، وكما تفعل الدول المتقدمة، وعلى رأسها جاراتنا بمختلف أنظمتها السياسيّة. وبذلك يُخلق كيان تنظيمي شامل overall regulatory entity لإدارة الطاقة، حيث يمكن تأسيس شركتين في وزارة الكهرباء (في حالتي الإندماج أو عدمه)، إحداهما تمتلك أصول assets وزارة الكهرباء الحالية، وتدير محطات ومعامل الطاقة الكهربائية مهمتها إنتاجية، والثانية تشتري الطاقة من الشركة الوطنية المنتجة، أو منتجي الطاقة المستقلين Independent power producers (IPPs) للقطاع الخاص، في حين يتكفل القطاع العام بإدارة ملفي النقل transmission والتوزيع distribution، حيث يعاني الأخير من الفاقد في الطاقة بحدود 50% في الوقت الحاضر.
ثالثاً: جعل قطاع الطاقة مفتاحاً للتقدم بإستثمار أموالهِ المتاحة ليس في إعادة بناء القطاع فحسب (بوجود التفاؤل بالإرتفاع الحالي لسعر البرميل، والإستعداد لإستقبال دورة سعرية هابطة بسبب التضخم والركود الذي أصاب دول الغرب الصناعية حيث ثمة عوامل لا مجال لذكرها في هذا المقام)، بل بالسعي لتنويع الاقتصاد العراقي وتخليص البلد من مأساة نظام الدولة الريعية Rentier State.
رابعاً: العمل وفق مبدأ الوعي بمثلث التقدم بمسك مفاتيح أضلاعهِ الثلاثة: الطاقة، والإقتصاد، ثم السياسة لفهم الواقع كما هو لتحقيق الغايات.
خامساً: إلحد من، ومحاولة إستئصال العقلية التقليدية التي جعلت من القطاع العام في نظام رأسمالية الدولة المعوّل عليه لإنجاز كل الأهداف، عبر إغراقهِ بمئات آلاف العاطلين من البطالة المُقنّعة. والسعي الجاد والدؤوب للدخول في شراكة مع القطاع الخاص ذات مضمون تكاملي بتشجيع الأخير، وإعطائهِ الفرصة كي يمتص البطالة من الشارع بدل إلقائها في أحضان الدولة وقطاعها العام المترهل غير الناشط، وذلك إستناداً الى سياسة السوق الحر، وتفادي عدم وضوح هوية النظام الإقتصادي السائد اليوم بالتحول الى نظام واقعي يدرس تجارب الآخرين وبمختلف الأنظمة العالمية السائدة التي جعلت التنمية المُستدامة هدفها.
سادساً: إستمرار المنفعة من جهود الشركات العالمية التي مُنحت حقولاً فوق عملاقة وعملاقة خلال جولاتٍ للتراخيص خمسٍ أمكن من خلال الجولة الأخيرة منها إصلاح بعض العيوب التي شابت تجربة السنوات السابقة، مع التطلع لمزيدٍ من التفاهم الذي يُرضي طرفي العقد، ومنفعة الشعب العراقي قبل كل شيء.
سابعاً: دعم الجهد الوطني في قطاع النفط والغاز من خلال الإستفادة من الخبرة المتراكمة، وتعزيز دور الكوادر الوطنية الجادّة والكفء.
ثامنا: إستمرار دعم منتسبي القطاع، وتشجيع المبادرات الفردية، والعمل بمنهج الثواب والعقاب، حيث لا يستوي العاملون مع القاعدين في غمرة توجه البلد للإصلاح الذي لن يرحم التقاعس.
تاسعاً: إيجاد سياسة تسويقية واضحة مبنية على مواصفات لمواد التصديرخاماً أو مُنتجات جاذبة للمستورد بقصد رفع قيمتها السعرية، وزيادة الإقبال عليها، خصوصاً من قبل الأسواق الآسيوية النَّهمة. وللأسف بات معظم ما نصدره اليوم من نفط خام من النوع الثقيل، مما يقتضي مزيداً من السياسة الإستكشافية بهدف تنويع كثافات الخام المصدر والبحث في أعماق أبعد داخل القشرة الأرضية بحثاً عمّا تأكد تواجده من نفط خفيف في مكمن اليمامة وما تحته من تكوينات جيولوجية، لغرض تلبية حاجة عالم السوق خصوصاً بعد الأزمة الأخيرة التي أثبتت أن السعي لإمتلاك الطاقة المتجددة لن يكون وحده قادراً على سد حاجة السوق، ليس في أوروبا والولايات المتحدة، بل الأسواق الآسيوية.
عاشراً: تحسين مواصفات مُنتجات المصافي في الداخل، وزيادة كمياتها لتغطية الطلب المحلي، والتصدير على المديين المتوسط والبعيد، وإنجاح مشروع مصفى كربلاء وحمايته من كل المفاجآت بعد عقد من زمن الإنتظار، وذلك بحسن إدامته، وتعزيز تزويده بالخام والمواد الصناعية اللازمة لجعله بادرة في الجانب التحويلي من الصناعة النفطية لا بد من رعايتها وتطويرها. كما نؤكد على تنمية والإسراع في بناء مصفاة الفاو كذلك، لتغطية السوق المحلي بالكامل، والإتجاه نحو سياسة تصديرية لا تقتصر على الخام crude oil، وزيت الخام الثقيل heavy fuel oil، بل منتجات كالديزل والبنزين.
حادي عشر: الإسراع في إستثمار الغاز لأغراض الصناعة المرتبطة Linked Industries ، والكهرباء والتصدير، وتحقيق هدف تصفير الحرق، لذا يحتم دعم شركة غاز البصرة Basra Gas Company ، وبما تستوعبه من عمالة وطنية local content ، وخبرة طيبة، كما ينبغي التأكيد على ثلاثة حقول غاز حرّة free gas fields (غازها غير مصاحب) هي؛ المنصورية وعكّاس والسيبة، رغم أنّها تمثل حوالى 30% من محتوى الغاز المتوفر، لكن يمتاز حقل عكّاس بمواصفات مكمنية واعدة، وتواجد جغرافي إستراتيجي يخدم تطلعات العراق للتوجه صوب حدوده الغربية، بما يكفل لعب دور هام خلال هذا العقد وما سيتلوه، حيث يبدو أنَّ للغاز حقبة ذهبية مقبلة بما فيها منطقتنا.
ثاني عشر: المضي قدماً بسياسة تنويع الخام المُصدَّر من حيث الكثافة النوعية، لوجود مَصافٍ عالمية تتقبل كافة الأنواع التي تزخر بها المكامن العراقية.
ثالث عشر: لا ضير من ولوج عالم الطاقة المُتجددة Renewable Energy بتأسيس كيانات داخل الوزارة (إن كان عنوانها الطاقة وليس النفط فقط)، لأداء مهام باتت من أولويات العصر الحالي والقادم في ظل حمّى مساعي كافة دول المعمورة لإمتلاك ذلك الشكل من الطاقة لمواجهة تحديات عالم ما بعد الطاقة الأحفورية غير المتجددة Non-renewable fossil fuels ، وأن يؤخذ بالإعتبار التركيز على الهيدروجين بنوعيه الأخضر والأزرق كأحد الخيارات الفاعلة للطاقة المتجددة.
رابع عشر: ترشيق الوزارة من حيث عدد التشكيلات والأفراد، والتركيز على النوع للقيام بالمهام التنظيمية والإستراتيجية والسياسات ذات الأبعاد المستقبلية، شرط الإسراع في قيام شركة نفط وطنية تضطلع بالمهام التشغيلية.
خامس عشر: الإنجاز العاجل لقانون النفط والغاز بعد طول تلكؤ وغياب، بما يضمن التوافق مع بنود الدستور التي تتناول وحدة الشعب، وعدّ العراق وحدة واحدة One State دون تشظي Fragmentation، وباحترام النظام الإتحادي الذي كفلهُ الدستور كذلك، ومن قبل جميع الأطراف.
سادس عشر: ولأنَّ النفط ملف إستراتيجي لا يختلف عن الصحة والتعليم وغيرهما من ملفات الكابينة، بل به تجد بقية الوزارات ذاتها بالتمويل الريعي منه، والذي لا زال سائداً إلى حين وصول مرحلة التنويع التي يبدو أنها ليست في المنال القريب، فمهمة إدارة الملف سواء بجانب السياسات والإستراتيجيات المنوط بوزارة النفط، أو التشغيل والتنفيذ الذي تضطلع به شركة النفط الوطنية (وبشكل يمنع الرئاسة المشتركة من قبل شخص بعينه كما فعلت كابينة تصريف الأعمال)، يستلزم إبعاد الملف عن المحاصصة، حرصاً على القطاع من مغانم قد تجلب وجع الرأس للسيد رئيس الوزراء المكلف، الذي يرجو له جميع من ذاقوا مرارة الإنسداد السياسي طيلة سنة عجفاء التوفيق والنجاح.

• مستشار العراق السابق لدى وكالة الطاقة الدولية
mustafa.almaliky@hotmail.com
النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech