وبدأ صراع الضواري!
17-تموز-2023
عامر بدر حسون
من اغرب واخطر الوثائق التي امكننا استخلاصها من محاضر محكمة الشعب هي وثيقة تقول:
"لم تمض بعد اربعة ايام
من عمر الثورة حتى
بانت النفوس على
حقيقتها وبدأت الخيانة والتآمر"!
اي ان الخيانة والتآمر حصلا بعد ساعات معدودة من النجاح!
ورد هذا النص، حرفيا، في مرافعة المدعي العام العقيد ماجد محمد امين في المحاكمة السرية التي اقيمت، بعد اسابيع من نجاح الثورة، لعبد السلام عارف (وزير الداخلية ونائب القائد العام للقوات المسلحة ونائب رئيس الوزراء أي الرجل الثاني الاقرب لعبد الكريم قاسم).
هذه الوثيقة الخطيرة، تجعل اي باحث محايد يشعر انه يقف امام مفتاح بوابات الجحيم التي ستفتح على اي بلد تقع فيه هذه الاحداث.
وهو سيرتعب اكثر عندما يعرف ان هذه الوثيقة تعبر عن علاقة 500 ضابط (هو عدد الضباط الاحرار) مدججون بالعزم والشجاعة ببعضهم!
ولا حاجة للقول ان لفح ولظى الجحيم الذي فتحت بواباته على العراق ما زال العراق والعقل العراقي يعاني منه!
لكن.. ما هو السبب؟
هل الضباط الاحرار كانوا اشرارا بطبيعتهم؟
الواقع ان الضباط الاحرار الـ 500 ليسوا كذلك.. فهم رجال شجعان وكانوا في كامل الاستعداد للتضحية بأرواحهم من اجل اهدافهم (سواء كان الهدف انقاذ الشعب او البحث عن المجد او السلطة والخ).
لا احد فيهم على الاطلاق كان قبل الشروع بالثورة ونجاحها سيئا او شريرا.
لكن ما ان اذيع البيان الاول حتى انشدت اسماع هؤلاء الرجال الشجعان الى الراديو ليعرفوا مكانتهم او مكافأتهم بعد النجاح.
وجاءت الاخبار سريعا وعرفوا ان المئات منهم تم تعيينهم (إقرأ إبعادهم) خارج مركز القرار في بغداد!
كانوا يشاهدون في التلفزيون كيف كافأت "الجماهير" الضابطين الذين اصبحوا في الواجهة:
الزعيم عبد الكريم قاسم الذي اصبح الرجل الاول والعقيد عبد السلام عارف الذي اصبح الرجل الثاني و.. لا ثالث لهما او بعدهما.
فكيف استقبلوا هذه القرارات؟
وهل سلم كلهم بالامتثال لتعيينه في محافظة بعيدة او على الحدود او في مركز غير مؤثر؟
وعلينا التوقف قليلا للتذكير ان ما حصل في العراق حصل كذلك في كل بلد عربي او اجنبي شهد انقلابا عسكريا او ثورة مسلحة.
حصل ليس لان الثوار اشرار بل لان السلطة التي تأتي بهذه الطريقة لا تقبل الشراكة.
وكل انقلاب عسكري تبعه صراع مدمر بين من شاركوا فيه!
ولو كان عبد السلام عارف او احمد حسن البكر او اي ضابط من الـ 500 صار هو الرجل الاول لواجه نفس المشكلة والتآمر.. فأي واحد من هؤلاء لن يحتفظ بخمسمئة ضابط غير زاهدين بالسلطة قرب سريره!
الابعاد فعل لا بد منه في اي مكان..
والانفراد بالسلطة لا بد منه..
فهؤلاء لم يأتوا بانتخابات بل بسباق دموي على الكرسي.
من هنا تاتي خطورة الانقلاب العسكري على المجتمع.. اي مجتمع.
وسيلجأ الرجل الاول (طيبا كان ام شريرا) الى اصدار قوانين تمنحه المزيد من السلطات المطلقة وتقيد خصومه ومنافسيه.
وليت هؤلاء الضباط الـ 500 او حتى الـ خمسين (حتى لا تظن المشكلة في كثرة العدد) اكتفوا بصراعاتهم فيما بينهم، لكنهم عادة (وحتما) يورطون المجتمع في هذه الصراعات من خلال مد ايديهم لـ:
عشائرهم واحزابهم ومناطقهم ومن بعد ذلك الدول الاجنبية!
وما تقدم نقلته لك من الواقع العراقي ومن واقع بلدان العالم كافة.
وبمناسبة ذكرى انقلاب 17 تموز 1968 عليّ تذكيرك ان ثقافتنا لم تخبرك ان الانقلاب العسكري، وبغض النظر عن نوايا اصحابه واخلاقهم، كارثة مؤكدة لان ثقافتنا هي ابنة حزب يباهي انه حزب انقلابي!