وثائق مسرّبة: الطائرات المعطلة تتكدس في مطار بغداد والمسؤولون مشغولون بالصفقات
16-تشرين الأول-2022
العالم ـ وكالات
تكشف وثائق مسربة من وزارة النقل عن وجود 22 طائرة لدى الشركة العامة للخطوط الجوية العراقية باتت خارج الخدمة، ما يعني أن الطائر الأخضر يواجه مستقبلا مجهولا.
ويعتقد مراقبون أن قضية الطائرات المهملة في العراق تتعلق بمشاكل فنية وتقنية، وبضعف في إدارة شركة الخطوط الجوية العراقية.
ومنذ آب الماضي تتفاعل قضية الوثائق المسربة حتى قررت وزارة النقل في الرابع من أيلول الماضي سحب يد المدير العام للشركة العامة للخطوط الجوية العراقية عباس عمران موسى لمدة شهرين، على خلفية التحقيق في قضية الطائرات العاطلة عن العمل.
ويرى رئيس مؤسسة النهرين لدعم الشفافية والنزاهة، محمد رحيم الربيعي، أن تحوّل مطار بغداد إلى مقبرة للطائرات حدث بسبب نظام المحاصصة والفساد المستشري في قطاع الطيران العراقي، وفق تعبيره.
ويضيف في حديث لـ موقع الجزيرة نت أن هناك الكثير من الملفات كشفها الإعلام وتعالج في أروقة القضاء والأجهزة الرقابية، خصوصا موضوع إيجار الطائرات وصيانتها، وقضية وجبات الأغذية التي توزع على المسافرين وأسعار التذاكر المرتفعة نسبيا مقارنة بدول الجوار، ورأى أن جميع هذه المؤشرات تدل على وجود فساد في هذا القطاع، حسب وصفه.
ويشير الربيعي إلى وجود شبهات فساد تحوم حول تكدس الطائرات المعطلة في المطار، محملا سلطة الطيران المدني مسؤولية ما وصفه بـ"الهدر الكبير بالمال العام".
ويرفض الربيعي تبريرات السلطة المدنية بشأن الروتين أو عدم وجود تخصيصات مالية، وغيرها من الحجج، مؤكدا أن القضاء سيأخذ مجراه.
الربيعي نبّه إلى أن سلطة الطيران أصبحت الآن تحت الأضواء، وأن الأجهزة الرقابية شرعت في عمليات التفتيش والمراقبة داخل المطارات. ويؤكد أن عرض هذه القضايا في الإعلام يدفع القضاء وهيئة النزاهة إلى التحقيق فيها، لكن هذه التحقيقات تمتد لأشهر أو أكثر بسبب الإجراءات الروتينية المعقدة، حسب قوله.
ويكشف النائب أحمد الربيعي، عضو لجنة النزاهة في البرلمان وجود ما يقارب 16 طائرة ضمن الخطوط الجوية العراقية، بعضها أصبح في عداد المشطوبات، وبعضها يخضع لمحاولات إعادة الصيانة والعودة للعمل.
ويبيّن أن هذه الطائرات، حسب تصريح وزارة النقل، قديمة نوعا ما، كما أن هناك صعوبة في الحصول على الأدوات الاحتياطية المطلوبة من المنشأ الأصلي.
ويؤكد الربيعي أن هذا الملف مفتوح الآن في مجلس النواب، وبالتحديد في لجنة النقل والاتصالات، ولجنة النزاهة، للتحقق من واقع حال هذه الطائرات وأسباب عدم إصلاحها، وسبب استيرادها إذا كانت ثمة صعوبة في تأمين الأدوات الاحتياطية المطلوبة لها.
ويوضح أن وزارة النقل وشركة الخطوط الجوية العراقية تتجهان لتوحيد أنواع الطائرات بحيث لا تتجاوز نوعين محددين، هما طائرات "بوينغ"، وطائرة "إيرباص".
وقال مصدر مطلع إن "المشكلة فنية وتقنية ولها علاقة بالإهمال وضعف إدارة الشركة، وإن الانشغال بالصفقات والتعاقدات والعمولات هو جلّ ما يشغل الإدارة الحالية".
وأضاف المصدر أن الإدارات المتعاقبة وفرت بيئة عمل تشكو من اللامبالاة، لذلك تعرض جزء من الأسطول العراقي للإهمال، فلم يعد من الحلول الممكنة لتعافي الناقل الوطني سوى خصخصته. وأشار إلى أنه رغم امتلاك العراق لطائرات حديثة، فإن الناقل الوطني يواجه حظرا أوروبيا منذ عام 2015 لمخالفته شروط الطيران لدى منظمة الطيران المدني الدولي "الإيكاو" (ICAO).
وحذر المصدر من أن غياب الإرادة في انتشال الخطوط الجوية العراقية من وضعها الحالي سيعرض الشركة للخسائر، ويهددها بالإفلاس.
وأعرب المصدر الإداري في مطار بغداد عن اعتقاده بأن "المشاكل الإدارية التي يعاني منها مطار بغداد منذ عام 2003 سببها تعيين مديرين وفقا للمحسوبية والمحاصصة وعدم تقديم شخصيات ذات إمكانات لإدارة المطار".
وعن الإضراب الذي قام به الطيارون في شباط الماضي، قال المصدر إنه ليس الأول، فقد سبقته إضرابات تتعلق بنظام الحوافز وعدد ساعات الطيران، وسبل تطوير الناقل الوطني.
وعن جذور المشاكل الإدارية التي يعاني منها مطار بغداد، يقول المدون العراقي ياسر الجبوري إن سبب الإخفاقات يعود إلى طبيعة العلاقة بين سلطة الطيران المدني وشركة الخطوط الجوية العراقية.
ويبيّن أن أهم مشاكل سلطة الطيران المدني أنها دائرة ذات تمويل مركزي تابعة للدولة، لذلك فهي لا تستطيع إعمار مطار بغداد أو صيانته لأنها لا تمتلك الأموال، مما جعل هذا المطار وسائر المطارات العراقية تعيش وضعا متردّيا على صعيد الخدمات.
ويقول الجبوري إنه في ما يخص الخطوط الجوية العراقية فهي شركة ذات تمويل ذاتي ولا تحتاج للدولة، لكن سوء الإدارات المتعاقبة وغياب المراقبة، إضافة إلى الحماية الحزبية؛ عوامل أدت إلى انهيارها.
وتساءل "كيف يمكن لشركة تملك مهندسين وطيارين أن تكون لديها 22 طائرة عاطلة، في موسم السفر والمناسبات الدينية؟"، معبرا عن اعتقاده بأن الحل يكمن في تدقيق قوائم إيجار الطائرات البديلة لهذه الطائرات العاطلة، ومراجعة حقوق الناقل الوطني التي منحت لشركات أخرى تابعة للأحزاب، وفق تعبيره.
وعن أسباب عدم تحقيق مطالب الطيارين المضربين وغيرهم، قال الجبوري إن ذلك يعود إلى وجود ما سماه "الفساد المحمي من الأحزاب السياسية"، وأضاف أن تحقيق تلك المطالب يحتاج إلى إرادة ورغبة في إجراء إصلاح إداري في الشركة، واسترجاع أموال الخطوط الجوية الموجودة لدى وكلائها في داخل العراق وخارجه.
ويعتقد الجبوري أن الحل يبدأ بإقالة الإدارة الحالية، وضمان استقلالية الخطوط الجوية العراقية، وإبعاد الشركة العامة عن المصالح الحزبية و"الفساد " و"المحسوبية"، داعيا إلى ضرورة الاستعانة بموظفين على دراية بطرق التسويق الحديثة وخدمة المسافرين وتطوير المكاتب والحجز والدفع الإلكتروني وتسهيل دخول المواطنين من المطارات الرئيسية داخل العراق على الأقل، مع توفير خدمات تليق بسمعة الطائر العراقي.