عامر بدر حسون
دخلت البلاد ووجدت القوم على الآمال وأمان تقصر عن تحقيقها ظروفهم واستعداداتهم وقواهم القصوى، وكنت ومازلت أذكر بوضوح كلي ما جرى لنا في سورية يوم أراد أخواني السوريون رغم نصائحي أن نسوق وضعنا إلى أكثر ما كانت تسمح به ظروفنا، أو بعبارة ثانية عدم تناسب أمانينا مع ما لدينا من قوة لتحقيقها، فاعتمدت على العمل في هذه البلاد على مبدأ الصبر واغتنام الفرص، وها أني أهنئ نفسي الآن بأن أمتي هذه التي سارت معي بالصبر والتؤدة كان سيرها أسرع بكثير من السير السريع الذي سارت به سوريا في ابتداء حياتها القومية.
ويجدر بي أن أبشركم أن الاختبار الذي حصل لي في سوريا أفاد هذه الأمة فائدة كبرى كما أن الاختبار الذي حصل لي في هذا البلد بمعاضدتكم وطول أناتكم خدم القضية السورية خدمة كبرى.
أذكر لكم على سبيل المثال أنه كان في سوريا من رجال الحكم فيها من لا يرضى عن وجود فرد فرنسي واحد في بلاده.. وكان يقول ان أسكافياً أفرنسياً واحداً يستطيع استعمار سورية ولكن ماذا حصل بعد ذلك؟
دخل دمشق ما يربو على ثلاثين ألف جندي وبقي نهر بردى يجري وجبال سوريا هي هي، بل إن الشخص الذي فاه بما ذكرت أعلاه بقي أيضاً في دمشق ولكن الذي زال مع الأسف هو الحكم الوطني وتأخرت سورية في مضمار تقدمها ما لا يقل عن عشرين سنة، والذي اعتقده هو أن ذلك كان بنتيجة طلبنا تسيير الوضع أكثر مما كانت تسمح لنا به ظروفه. بينما الصبر الذي تمسكنا به في هذه البلاد لمقارعة الخطوب واغتنام الفرص ساعدنا على نيل ما نغبط عليه الآن في كثير من الأقطار.
وإني أشكر شعبي المحبوب على مشاركته إياي المصائب والملمات ومشاطرتي خططي التي سرت بها وإياه، فأثبتنا على مقدرة وجدارة بأننا أهل لأن نحكم أنفسنا بأنفسنا، وقد شهدت لنا بذلك الأمم. ومن العدل والإنصاف أن نذكر في هذا المقام ما كان للنصيحة البريطانية من النصيب الوافر في عملنا هذا.
عند قدومي عاصمتي منذ بضعة أيام لاقيت من الحفاوة التي أشكر الشعب عليها بأجمعه ما ذكرني بقدومي الأول إليها والحفاوة الكبرى التي لاقيتها يومئذ. ومع أن ابتهاجي في هذه المرة لم يقل عنه في المرة الأولى غير أن اغتباطي يزيد في هذه المرة عنه في المرة الماضية بمقدار عظيم ذلك لأني في المرة الأولى دخلت على ترحيب من الشعب وراءه الآمال يعقدها على قيادتها من ظروف كان يتخبط فيها واضعاً ثقته بها فكنت رغم ابتهاجي بترحيب الشعب أحس بشيء من القلق من عظم المسؤولية التي سأحملها على عاتقي، وأما في هذه المرة فقد أتيت مبتهجاً باحتفاء الشعب وأنا محقق تلك الآمال التي كان قد عقدها على نصرتي ومعاضدتي والمدة بين الحادثين نحو عشر سنين.
أذكر ولابد أن الكثير منكم يذكر ما كانت عليه البلاد يوم دخلت البصرة لأول مرة، وليس بخاف على أحد منكم ما كانت عليه الحلة وباقي وادي الفرات، أما المنطقة الشمالية فحديثها معلوم وكان ذلك منذ عشر سنين.
أما الآن فالبلاد قد نالت وحدتها واعترف بها رسمياً من قبل دول عديدة وأصبحت ذات موضع سياسي دولي عام، وقريباً إن شاء الله تبلغون بقرار عصبة الأمم عن الانتداب الذي سيلغى وفقاً لرغباتكم إلغاءً باتاً نهائياً وليس المستقبل ببعيد.