عامر بدر حسون
هنا نقطة مهمة جداً في حياتنا القومية تتعلق بنفسية الشعب وروحيته يجب بحثها ومعالجتها بصورة حاسمة، هي ثقة الأمة بنفسها واعتمادها على ذاتها وتقريرها إرادتها.
فقد أخذت منذ مجيئي لهذا الوطن المحبوب أشعر بأن الشعب قد ألف البكاء والعويل، وتنخر فيه روح الاستسلام والتواكل، ويفر من مجابهة الحقائق ويتمسك بأشباح الماضي البعيد جداً.. ولا يقوى على مقاومة الوهم!
وقد لاحظت فوق ذلك أن زعماءه عدا النفر القليل رغم اقتدارهم على إدراك الحقائق لا يجرأون على الخروج من الجو الذي يحيط بالمجموع ويتقدمون بالشعب إلى الحقيقة ويرشدونه إلى كيفية معالجتها.
إن الزعيم الحقيقي ليس من يهوّس لقومه وذويه بما لا يستطيعون الحصول عليه مهما كان شأنه عظيماً في عالم النظريات، بل إن الزعامة الحقيقية تنحصر في قيادة الأمة إلى إيجاد الطرق الإيجابية العملية التي تؤدي بها إلى النفع والمصلحة دون أن تكترث بالأوهام والخيالات البالية.
إن معرفة الأمر الواقع واعتراف الزعيم به واجب عليه من الواجبات المقدسة.
وان الشعب وديعة الله في يد زعمائه يحسنون ائتمانها بقدر ما يكلفونه بسحب طاقته على الاستفادة من الظروف الراهنة والفرص متى عرضت. وأحب أن أضع الصحافيين في صف الزعماء وأطلب إليهم أن يتقوا الله في الواجب المقدس الذي يتحتم عليهم القيام به ولا يتاجروا بمقدرات الأمة لترويج صحفهم وكذلك الأحزاب السياسية في البلاد والجمعيات على اختلاف أغراضها لا تخرج من نطاق مسؤولية ذلك الواجب المقدس.
وإذا أخذنا حالة البلاد الراهنة وقسناها بماضي العراق القريب وبمطالب الشعب السابقة نشاهد الفرق عظيماً والبون شاسعاً وشتان ما بين مشرق ومغرب. إن البلاد اليوم أعظم مما تظنون فهي حرة مستقلة طليقة واستقلالها تام كاستقلال الدول المعتزة بنفسها، غير أنه ويا للأسف ينقصنا الحس بهذا الاستقلال والجرأة على ممارسته فنحن كمن فقد شيئاً ثم وجده ولا يجسر على ادعائه. وهذا النقص البارز في روحنا جعلنا نحس بأن الأجنبي أياً كان ماثل أمامنا يهددنا حتى في تفكيرنا فلا نستطيع أن نفكر بذاتنا لذاتنا فيا لهول ذلك من كارثة. إن تلك الحالة النفسية حالة الاستضعاف ورثناها قديماً بنتيجة سيطرة الأجنبي علينا عصوراً طوالاً وخضعنا لحكمه منذ ستة قرون هو علة انحطاطنا وتقهقرنا وأصبحنا لا نقدر على التفكير بحقوقنا مستقلين ولا نرى حقاً لنا في الحياة ولهذا السبب كنا في السنوات العشر الحالية كلما خطونا خطوة إلى الأمام لا نصدق أنفسنا بل ننكر على ذاتنا الجهود التي بذلناها في خطواتنا تلك وكم منا يستطيع أن يعزي التقدم الذي قطعته هذه البلاد إلى الأمة ويصرح لها بذلك. نحن في وطننا والبلاد بلادنا وحقنا في الحياة حق طبيعي يجب أن نمارسه حتى إذا كان هناك من لا يعترف لنا به. كذلك بأيدينا صكوك ومعاهدات إذا التبس علينا شيء من نصوصها، فعلينا كأمة شعرت بحقها في الحياة كاملاً أن نسعى لتفسير ذلك الالتباس، بما هو في مصلحتنا. بدلا من أن نترك الحق ونهمله ونلتجئ إلى البكاء والعويل لان ذلك شأن العاجز. وكثيراً ما وجد أن الجبان إذا هاله أمر أخذ ينظر إليه بأكثر من حقيقته أما الشجاع فإذا جابه أمراً نظر إليه بأقل من حقيقته يعني أن الجبان يرى الخطر خطرين فأكثر والشجاع يراه أقل من خطره فالشخص الذي يحسن السباحة إذا تسربت روح الخوف إليه وهو في لجة أليم يئس وغرق فهو نذير بهلاكها ودمارها بينما الأمل منشأ العمل والنشاط فإن المريض إذا دب به الأمل تمكن من مصارعة مرضه مهما كان قتالاً.
أحب أن أكرر عليكم أن العراق حر طليق لا سيد عليه غير إرادته وحليفتنا بريطانيا ليس لها في هذه البلاد سوى شيء واحد هو الخط الجوي. نعم ليس لبريطانيا في بلادنا غير هذا الأمر وفيما سوى ذلك فإننا أحرار مستقلون وأطلب إلى الصحفيين أن يكتبوا ذلك إلى الشعب بأحرف بارزة.
لقد حالفنا بريطانيا وكان ذلك في مصلحتنا ويجب أن نقدر حقيقة هذا التحالف وفوائده العظمى وهل من أمة في العالم تستطيع أن تعيش بعزلة عن الأمم الأخرى لوحدها دون تبادل المصالح مع غيرها؟