وداعًا جوليا . . . يقرع جرس الإنذار ويحذّر من تشرذمات قادمة في البيت السوداني
25-كانون الأول-2023

الجونة: عدنان حسين أحمد
رغم أنّ رصيد المخرج السوداني محمد كُردُفاني لا يتعدى الثلاثة أفلام قصيرة إلاّ أنّ فيلمه الروائي الطويل الأول "وداعًا جوليا" يُوحي بنَفسٍ احترافي واضح يأخذ بتلابيب المتلقّي ولا يسمح للملل أن يتسرّب إليه طوال مدة الفيلم التي بلغت ساعتين بالتمام والكمال. جدير ذكره أنّ هذا الفيلم مستوحىً من حياته الشخصية، فقد اكتشف كُردُفاني في سنوات النضج والتفتّح الذهني أن لديه "بعض الميول إلى التمييز الجندري والعنصرية الموروثة" التي لم ينتبه إليها إلاّ في وقتٍ متأخر نتيجة للبيئة الاجتماعية "العنصرية" التي ورثها الأبناء عن الآباء والأجداد. ويعترف بأنه لم يتعرّف على أي شخص جنوبي رغم أنه يقيم في الخرطوم التي يعيش فيها أكثر من مليونيّ مواطن نازج من جنوب السودان انهمكوا في أعمال يدوية شاقة أو وظائف ذات أجور متدنيّة جدًا، وكل الجنوبيين الذين عرفهم هي الخادمة التي تعمل عند أبيه، ومُدبرة المنزل التي تشتغل عند أمه. فالمخرج المنحدر من الطبقة المتوسطة العليا الذي درس هندسة الطيران وتخصص فيها لكنه في لحظة فارقة قرّر أن يدرس السينما ويتخذ من الإخراج السينمائي مهنة رئيسة له إلى جانب شغفه في كتابة القصص والخواطر التي سوف تتطور تدريجيًا لتُصيح لاحقًا سيناريوهات محبوكة لأفلام روائية قصيرة وطويلة كما هو الحال مع فيلم "وداعًا جوليا" الذي لفت الأنظار إلى جرأة مُخرجه الذي ألقى اللوم على نفسه وأنتقد "عنصريته الكامنة في طيّات تفكيره" قبل أن ينتقد القادة السياسيين، وأحزابهم الشوفينية القاصرة التي تفرّق بين مكوّن سوداني وآخر على أساس اللون والعِرق والدين وترسّخ ثقافة الحقد والكراهية والتناشز الاجتماعي الذي أفضى بالنتيجة إلى نفور السودانيين الجنوبيين المهمّشين من عنصرية الشماليين وتعاليهم الأهوج الذي أفضى إلى تقسيم السودان. ومَن يتأمل في حيثيات هذا الفيلم جيدًا سيسمع جرس الإنذار الذي يدّقه المخرج ويحذّر فيه من تشرذمات قادمة في مُقاطعتيّ دارفور والنيل الأزرق ما لم يتدارك الشعب نفسه ويبدأ، قبل الحكومة، بالمصالحة مع الأعراق والإثنيات الأخرى التي تعيش في هذا البلد الذي مزّقته الحروب على مدى 50 عامًا وتُعيد له لُحمته الحميمة وانسجامه الاجتماعي المعقول. (يشترك هذا الفيلم المثير للجدل في مسابقة الأفلام الروائية في الدورة السادسة لمهرجان الجونة السينمائي لهذا العام).

الشعور بالإثم وتأنيب الضمير
تتلخص ثيمة الفيلم بمطربة عربية من الخرطوم توقفت عن الغناء قسرًا وتعيش حياة زوجية متوترة تكون سببًا في مقتل رجل جنوبي، وتوظّف زوجته الثكلى مدبرة في منزلها الكبير علّها تتخلص من الشعور بالإثم وتأنيب الضمير.
قبل الخوض في تفاصيل هذا الفيلم لابد من الإشارة إلى حبكة القصة السينمائية، ودِقّة الحوار، والنسق السردي وما ينجم عنه من صور بصرية مقصودة لم تُرسَم عفو الخاطر. وثمة توازن ملحوظ في خلق الشخصيات وتجسيدها على مسرح الأحداث حيث يضعنا كاتب النص ومُخرجه أمام أسرتين سودانيتين؛ واحدة شمالية تتمثل بالمطربة المعتزِلة "منى" وزوجها أكرم الذي يمتلك معملاً للنجارة، وهي أسرة عربية مسلمة ميسورة الحال لكنها تمتلك مشاعر عنصرية واضحة لا يستطيع أن يخبّئها الزوج أو يتفادى الإشارة إليها في السرّ والعلن. وبالمقابل هناك أسرة جنوبية مسيحية تتكوّن من جوليا وزوجها سانتينو مابيور الذي يعمل في محل للتصوير براتب شهري مقبول يوفر لأسرته الصغيرة سكنًا مقبولاً وبعض مستلزمات العيش الكريم. ثم تتوسّع دائرة الشخصيات لتشمل أناسًا مؤيديين للانفصال ومعارضين له في الوقت ذاته.
يبدأ الفيلم زمنيًا عام 2005م إثر مقتل جون قرنق في حادثة سقوط مروحيته بينما كان عائدًا من أوغندة ويستمر حتى تطبيق الاستفتاء في 9 تموز / يوليو 2011م الذي جاء بنتيجة مٌذهلة قاربت الـ 99% من نسبة الجنوبيين الذين طالبوا بالانفصال وتأسيس دولتهم الفتية التي حملت اسم "جمهورية جنوب السودان" وعاصمتها جوبا. وبالتوازي مع مقتل قرنق الذي أثار أعمال عنف وتخريب في الخرطوم وبعض المدن السودانية تتصل منى "إيمان يوسف" بأحد المطاعم الفخمة وتستفسر عن موعد حفلة "جاستون باند" فيخبرها النادل بالموعد المرتقب للحفلة التي يؤّمها عادة الموسرون الذين يعشقون الغناء والموسيقى والطرب الجميل. يفيد هذا التمهيد بأنّ كُردُفاني يُجيد بناء الشخصيات إلى الدرجة التي تُشعر المتلقّي بأنه أمام شخصيات حيّة من لحم ودم ومشاعر؛ شخصيات تفكر وتتأمل، تُحب وتكره، تقتل ولا تشعر بالذنب مثل "أكرم" وأخرى تسعى للتخلّص من تأنيب الضمير كما هو الحال مع "منى" الإنسانة الرقيقة، والمُطربة المُرهفة الحسّ. ومثلما خلق المخرج شخصية "منى" التي جسّدتها ببراعة الفنانة "إيمان يوسف"، وأحاطنا علمًا بماضيها العاطفي، وتأريخها الصحيّ، وسلوكها الإشكالي الذي يمكن أن تجده عند كثير من البشر، فقد خلق لنا شخصية أكرم التي تألق فيها الفنان "نزار جمعة" وأشعرنا بوجوده كزوج عنصري لا يتورع عن قمع زوجته ومصادرة أبسط حقوقها في أن تغني أو تخرج للسوق، وتقتني ما تشاء من دون مساءلة أو إزعاج. ولو تأملنا في شخصيته وطريقة تفكيره لوجدناه معادٍ فعلاً في نظرته الازدرائية لأبناء الجنوب، ويتحامل على المرأة الجنوبية لأنها تعمل خادمة أو مدبرة منزل عند أبناء الشمال، ويتفاخر بأن الإنسان العربي لا يسمح لابنته أو زوجته أن تعمل خادمة عند الناس الآخرين. وسوف يمتد هذا البناء الرصين عند غالبية الشخصيات الأخرى إن لم أقل كلها تمامًا.

التطور الدرامي للأحداث
إثر مصرع جون قرنق يقوم الجنوبيون بمظاهرات وأعمال عنف في الخرطوم حيث يجتاحون الشوارع والأحياء العربية فيلجأ أكرم إلى غلق بوابة منزلة بسلسلة حديدية بينما يحرق "العبيد" على حد وصفه سيارة جاره بكري كامل الذي سنعرف لاحقًا أنه رئيس اللجنة الشعبية. وفي مَشهد آخر نرى المصور سانتينو مابيورز وهو يتعرّض للطرد من منزله لأنّ العرب المحيطين به يتهمونه بمؤارزة المتظاهرين فيضطر للانتقال إلى منزل "آشولا" التي تسكن في إحدى العشوائيات التي تفتقر إلى كل مستلزمات الحياة اليومية ويقيمون عندها إلى أن تنفرج الأوضاع الأمنية في البلد.
وفي مَشهد آخر مدروس بعناية نرى بكري وهو يعلّم النجار أكرم على كيفية استعمال بندقية روسية والتصويب على الهدف، وإطلاق النار، بينما كانت "منى" في طريقها إلى الحفلة التي ألغيت يومها بسبب المظاهرات وأعمال العنف، واضطرت للمرور في شوارع فرعية أفضت بها إلى الحيّ العشوائي ودهست طفلاً صغيرًا يُدعى دانييل، ولما خرج والده سانتيو ليتأكد من سلامة ابنه هربت "منى" وأخبرت زوجها بأنّ أحد الجنوبيين يُطاردها بدراجته النارية لكنها لم تقل له بأنها دهست ابنه ورفضت أن تُقلّه إلى المستشفى خشية من ردود فعل والده، فيطلب منها العودة إلى المنزل على وجه السرعة ويقف متأهبًا عند البوابة ويطلق النار على الشخص الجنوبي الذي كان يطاردها ويرديه قتيلاً في الحال. وسنعرف لاحقًا بأنّ كذبة "منى" ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فهي تكذّب بين أوان وآخر، و تخبئ بعض أسرارها العاطفية والصحية، وتقبل بسلوك زوجها القمعي الذي يُحصي أنفاسها،و يفتش هاتفها النقّال، ويسترق السمع إلى كلامها كلّما دعت الحاجة إلى ذلك.
يستغور محمد كُردُفاني أعماق شخصياته الرئيسة والمؤازرة ويغوص في ثناياها، ويكشف عمّا يدور في أعماقها فأكرم الذي أطلق النار على الجنوبي بدم بارد بحجة الدفاع عن النفس ولم يمنح زوجته الفرصة لشرح ملابسات الحادثة التي سببت للطفل إصابة بسيطة في رأسه، لا يريد من زوجته أن تُشعره بتأنيب الضمير وينصحها بأن تأخذ حبوبًا منوِّمة وتنسى الموضوع وكأنه أمر عابر سيتوارى في طيّات الذاكرة. أمّا جوليا في الطرف المقابل فإنها تبحث عن زوجها المفقود كما تروّج له الشرطة الفاسدة، فثمة شرطي مُرتشٍ سرق بعض الوثائق المهمة من إضبارة القتيل بما في ذلك محفظته الشخصية وترك شهادة الوفاة التي تشير إلى أنّ القتيل الجنوبي سانتينو قد مات في أثناء المظاهرة جرّاء التدافع ولم يعثروا على جثته حتى الآن.

فساد الشرطة وابتزازها للمواطنين
تبذل "منى" قصارى جهدها لمقابلة المقدم كمال لكي تتعرّف على عائلة القتيل وتحاول تعويضها ماديًا ومعنويًا علّها تتخلص من عقدة الذنب التي ترافقها منذ وقوع الجريمة حتى الوقت الحاضر. وحينما يمتنع المقدم كمال عن تزويدها بأية معلومة ينبرى لها شرطي فاسد ويزودها بالوثائق الموجودة في الإضبارة ويبتزّها أكثر من مرة لكنها تصل في خاتمة المطاف إلى بيت القتيل وتعرف مكان عمل زوجته جوليا "سيران ريّاك" التي تبيع "الويكة" أي الباميا الجافة على الرصيف فتقف عندها وتشتري منها عشرة أكياس ثم تعرض عليها فكرة العمل في منزلها كخادمة تساعدها في شؤون الغسل والتنظيف وكيّ الملابس شرط ألاّ تتدخل في طبخ وجبات الطعام التي لا يستسيغها أكرم من يد امرأة جنوبية، وحينما تغادر بعد أول يوم عمل تمنحها "منى" مبلغًا يُعدُّ كبيرًا جدًا في نظرها. تتفاقم أوضاع جوليا بعد أن تُسجن "آشولا" التي آوتها في بيتها المتواضع بعد أن وشى بها أحد الجيران إلى الشرطة الذين أحرقوا كل المنازل العشوائية فظلت جوليا في العراء. ورغم انتقادات أكرم المتواصلة إلى وجود خادمة جنوبية مع ابنها الصغير في بيته إلاّ أنّ منى تتشبث بها، وتدعي بأنها تخفف عنها وطأة الإحساس بالعزلة، وتساعدها كثيرًا في تدبير شؤون المنزل، والأهم من ذلك كله أنها تنفتح عليها وتشجعها على الحديث عن ماضيها وحياتها الأسرية فنعرف أنها من بلدة "كودوك" الواقعة قرب "مالاگال" لكنها انتقلت إلى الخرطوم وهي طفلة صغيرة جدًا ولم تعد تتذكر إلاّ أشياء ضبابية قليلة. ومن بين الأشياء المهمة التي باحت بها بأن الحرب في بلدها لن تنتهي، وإذا توقفت اليوم فإنها تندلع غدًا. وهي تعتبر نفسها بنت الخرطوم الآن ولا تتذكر شيئًا عن الجنوب. لقد ورثت جوليا هذه المهنة من أمها لكنها ما إن تزوجت بسانتينو حتى تركت العمل وانصرفت لشؤون البيت وتربية ابنها دانييل، ثم فُقِد الأب، بحسب التقارير الحكومية، ولككنا كمتلقين نعرف بأنه قُتل وغُيبت جثته في مكان ما. تروي جوليا في اليوم الثاني محنتها الجديدة المتمثلة بحرق البيت الذي تسكن فيه لكن "منى" تمنحها غرفة مكتظة بالأثاث القديم وتطلب منها أن تنظّفها وتقيم فيها. وما إن يسمع أكرم باسمها حتى يُذكِّر بأنها جنوبية ويقول بحق الجنوبيات كلامًا بذيئًا يشير إلى انحلالهن الأخلاقي. وبينما كان دانييل يلعب بكرة قدم في باحة الدار يمسك يد أكرم لكن هذا الأخير يعقِّمها ويغادر المكان. لا تجد "منى" حرجًا في القول بأنها ستترك الطعام المتبقي في المطبخ وتطلب منها أن تستعمل الملاعق والأطباق والأكواب التي رسمتها عليها دوائر حمراء في إشارة "عنصرية" واضحة لم تنتبه إليها "منى" التي نعتبرها إنسانة متفتحة وتحمل في داخلها قدرًا كبيرًا من الشفقة والرحمة لكنّ هذا السلوك كان عنصريًا وقد كشف لنا كمتلقين أنّ عقلها الباطن يفكّر بهذه الطريقة الشاذة التي تفرّق ما بين الشمالي والجنوبي سواء عن قصد أو غير قصد.
ثمة أشياء ومواقف عديدة تجعل جوليا تعتقد بأنّ وجودها في هذا المنزل لم يكن وليد المصادفة وإنما جاء نتيجة لتخطيط مسبق فلقد رأت أكياس "الويكة" في إحدى خزانات المطبخ ولم تضعها في فريزر الثلاجة مدعية بأنها نست أن تفعل ذلك وطلبت منها أن تضعها هناك. وبعد مدة قصيرة تطلب من جوليا أن تسجل دانييل في مدرسة خاصة قرب المنزل وتتحمل تكاليف دراسته، ثم تذهب أبعد من حينما تطلب من جوليا أن تذهب إلى "كنيسة ومدرسة القديسة جوزفين بخيتة لتعليم الكبار" كي تحقق حلمها في الحصول على شهادة جامعية. لم يرد دانييل الاستمرار في المدرسة الخاصة التي يدرس فيها لأن الطلاب يتنمرون عليه ويطلب العمل مع أكرم في مصنع النجارة حيث تطورت خبرته وبات ينحت نماذج خشبية جميلة. ويعتقد أكرم بأن زوجته تبالغ في الاهتمام بهذه الأسرة الجنوبية وأنّ بإمكانها أن تُصادق واحدة من جاراتها الشماليات لا أن تظل ملتصقة بهذه الخادمة "العبدة" لكن "منى" تعترض على هذا التوصيف العنصري ثم يدخلان في جدال عميق متشعّب، فأكرم يؤكد بأنّ منزل جده كان إلى وقت قريب ممتلئًا بالخدم والعبيد. وأن "منى" كانت تستعين بأحاديث النبي "ص" الذي لا يفرّق بين الناس على أساس اللون والعِرق والدين، فكل مخلوقات الله سواسية. ثم يعود أكرم مجددًا ويؤكد بأن النبي كان يقصد الأحرار وليس العبيد ويشير إلى وجود العبودية في القانون الإسلامي. يتعمّق الجدال بين الطرفين فأكرم ينتقد زوجته التي لم تكن قبل شهرين تعرف من هو جون قرنق بينما أصبحت الآن ناشطة سياسية تدافع عن حقوق الخدم والعبيد. أمّا "منى" التي لا تكفّ عن الدفاع عن نفسها وتقول بأنها توقفت نهائيًا عن استعمال كلمة "خادم أو خادمة" ولم تقلها بوجه أي "زول" سوداني لكنّ أكرم يواصل رشقها بالانتقادات الحادة ففي الوقت الذي تنام فيه "منى" تحت مكيّف الهواء كانت جوليا تتقلب في الغرفة الساخنة ولا تتقاضى في نهاية الشهر سوى ملاليم قليلة. كما ذكّرها بالملاعق والأطباق التي رسمت عليها دوائر حمراء كي لا تختلط بالأطباق التي يأكلون فيها.
تحريض الجنوبيين على الانفصال
يدخل ماجير "گير دوّاني" في حبكة القصة السينمائية كشخصية جديدة ومؤثرة في مسرح الأحداث حيث يسرد لنا حكايته وهروبه مع أخته "أليك" إثر هجوم الجيش العربي الذين قتلوا كل أفراد عائلته. وبعد معاناة شديدة في عبور النهر ودخول الغابة تمرض شقيقته وتموت ولم يدفنها بنفسه حتى يصل إلى مخيّم الجيش الشعبي ويتدرب على السلاح في سنّ الثانية عشرة، ويعاني من ويلات الحرب، ويدعو إلى وضع حدٍ لمآسيها، كما يحفِّز الآخرين على المشاركة في الاستفتاء لكن جوليا تعارضه وهي تريد أن تصوّت لوحدة البلد وترى في مكوناته العديدة إخوة متحابّين، أو هكذا تتمنى في الأقل. أمّا ماگير فهو يدعو إلى الانفصال علنا ويسمّى الناس المؤازرين لوحدة الوطن بأنهم "موندوكورو جلابا" وهو توصيف للشماليين. وعلى الرغم من المراقبة الصارمة لأكرم إلاّ أنّ منى تتقنّع وتذهب مع جوليا إلى أحد أندية الغناء حيث يسأل العازف إن كان أحدًا يريد أن يعتلي المنصة ويغني ويرى أنّ الكثيرين يومئون على الفتاة المنقبة التي تصعد بتشجيع من جوليا وضغط الحاضرين. وما أن تبدأ بالعزف على الغيتار حتى نكتشف أننا أمام عازفة مُحترفة لكن خشيتها كانت كبيرة وربما سينتقل هذا الخبر إلى زوجها ويحدث ما لا يحمد عقباه فتترك المنصة وتغادر القاعة.
لم يقتصر الأمر على مشاركة جوليا الغناء في هذا الكافيه وإنما ستغني فعلاً في الكنيسة التي دخلتها لأول مرة على جيمس الذي سبق له وإن اشتغل مع فرقة جاستون. سبق لمنى أن غنت أغنية "لولا الملامة" لوردة الجزائرية وتألقت في أدائها، وها هي الآن تُثبت لجوليا والآخرين بأنها مطربة محترفة وهي تغني أغنية جميلة يقول مقطعها الأول:"جاري وأنا جارو، وإمتى أزور دارو؟ بتمنالو الجنة، وأتعذب بنارو. أقرب زول لقلبي، ضيّعني بسمارو".
تمتلك منى علاقة سابقة بطارق ولا تتصل به خشية من زوجها الذي لا تفلت منه شاردة أو واردة لكن طارق يتصل بها بعد أن رآها تغني في الكنيسة وطلب منها إلى العودة إلى الغناء في فرقته الموسيقية لكنها رفضت ومسحت رقم هاتفه كي لا تُضبط متلبسة بالجرم المشهود. لم تكن الأغنية هي العلامة الفنية الفارقة في هذا الفيلم وإنما هناك الرقصة الجميلة التي أدتها منى مع جوليا على إيقاع "الدلوكة" وهي رقصة لا تُمل وقد أخرجت المتلقين من الأجواء المأساوية لقصة الفيلم التي تتفاقم أحداثها تباعًا.
يسأل أكرم عن طيور الكناري التي جلبها إلى المنزل بعد حادثة قتل سانتينو لكي تتحسن نفسية زوجته فأخبرته بأنها حرّرت هذه الطيور من القفص لكي يغنيا بحرية لكنه ينتقدها بشدة لأنها لم تستأذنه أولاً، كما ادعّى بأنّ هذه الطيور لم تتعود على إيجاد طعامها بنفسها. وطلب منها أن تترك باب القفص مفتوحًا علّهما يعودان إليه في أي لحظة. يعاود ماگير الكرَّة ويلتقي بجوليا ويخبرها بأنه سامح الناس الذين قتلوا أهله ولكنه لم يصالحهم، وجدّد فكرة الزواج طالبًا منها أن تذهب معه إلى الجنوب حيث يبني لها بيتًا هناك لكن ترفض هذه الفكرة لأنها مازالت تفكر بسانتينو الذي ترى غيره.
ينتهي الفيلم نهاية مدروسة حيث تهدد الحكومة وتتوعد بأنها سترحّل كل الجنوبيين الذين يصوّتون على الانفصال. تعترف "منى" بأنها اتصلت بطارق، وأنها غنّت في الكنيسة منتهكة العهد الذي قطعته على نفسها فتتوتر العلاقة من جديد، كما تنوي الاعتراف لجوليا بحادثة قتل زوجها من الألف إلى الياء. فتخبرها بأن اللقاء بها لم يكن محض مصادفة. وقبل أن تبدأ بالحديث تهاجم قوات الجيش منزل أكرم وتقبض عليه بعد أن اعترف جاره بكري بأنّ أكرم هو الذي قتل سانتينو . كان ماگير حاضرًا مع القوة العسكرية التي دهمت المنزل وطلب من أكرم أن يعتذر عمّا فعله بحق الضحية كما وبّخ جوليا التي باعت زوجها واعتبرها امرأة رخيصة لا تستحق الحب والتقدير.
الأمة السودانية تصبح أمتين
يحتدم النقاش مجددًا بين منى وأكرم فهي تتهمهُ بأنه أطلق النار على سانتينو ليس دفاعًا عن النفس وإنما لأنه جنوبي فيما يتهمها أكرم بأنه قتلهُ لأنها كذّبت عليه لكنها تعيد النظر وتقول:"كلنا كذّبنا يا أكرم لكنك اخترت أن تكذّب على روحك". ثم تتهمه بأنه لا يعرفها جيدًا ولا يحبها وإنما يحب نسخة منها اخترعها في خياله. ثم تضع منى حدًا للنقاش وتعترف صراحة بأنها تريد أن تغنّي ولكنها لا تريد أن تكذِّب ثانية، وأن تعيش معه من دون مخاوف. وفي خاتمة المطاف يطلب منها أن تنام الليلة في بيته وأن تجمع أغراضها غدًا وتغادر البيت، وتفعل ما تريد. وفي اليوم الثاني تُعلَن نتيجة الاستفتاء التي جاءت لمصلحة الانفصال بنسبة %99 من الأصوات، وقد رحبّت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بنتيجة الاستفتاء التي تمّت يشفافية عالية ومراقبة دولية أعقبتها مباشرة الاحتفالات الرسمية في جوبا وأعلنت منظمة الهجرة عن بدء عملياتها لترحيل آلاف الجنوبيين لتصبح الأمة الواحدة أمّتين.
تخوض منى وجوليا الحوار الأخير الذي يحتدّ ويصل إلى ذروته حتى أن جوليا تعترف بأنها اضطرت للقبول بالتعويض من أجل ولدها دانييل ولولاه لقتلت منى وزجها معًا. وتختم النقاش بأن منى هي التي استغلتها لأن واقع الحال يقول بأنها امرأة مسكينة وليس لديها رجلاً يأخذ حقها المُضاع فتصعد هي وابنها إلى المركب وتلوّح لهما منى من بعيد.

النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech