وكالة الأنباء الكاثوليكية تكشف تفاصيل «الليلة الدامية» في مدينة المسيحيين
9-آب-2023
بغداد ـ العالم
لم تكن "الليلة الدامية" أو فجر استباحة داعش لقرقوش المسيحية، عادية على سكان البلدة التي يقطنها 60 الف نسمة، بل كانت جحيماً دفع الاهالي نحو إقليم كوردستان بحثاً عن الأمان.
ويستعيد تقرير لـ"وكالة الأنباء الكاثوليكية"، التجربة التي عاشتها مدينة قرقوش الصغيرة عندما استيقظ أهلها قبل 9 سنوات على أصوات قذائف الهاون التي تساقطت على منازلهم، وتسببت في مقتل 3 أشخاص. ولفت تقرير الوكالة المتخصصة بالأخبار المسيحية الى ان "الهجوم على المدينة (التي وصفها بمدينة المسيحيين) التي قطنها 60 ألف نسمة، 90% منهم من الكاثوليك، بدأ صباح الأربعاء 6 آب/ اغسطس العام 2014، وقتل خلاله انعام اشوع بولس، وديفيد اديب الياس شميس، وميلاد مازن الياس شميس، وذلك بعدما كانت الموصل، مركز محافظة نينوى، قد سقطت قبل شهرين، وتحديدا في 10 حزيران/يونيو 2014 عندما اجتاحها داعش".
واشار التقرير الى انه "كان يتحتم على المسيحيين الذين تلقوا انذارا نهائيا في 19 يوليو/تموز، الاختيار ما بين اعتناق الاسلام او دفع الضريبة مقابل الحماية، او سيتم اجبارهم على مغادرة المدينة ومواجهتم بالسيف، مضيفا انه كنتيجة لذلك، فر جميع المسيحيين تقريبا من المدينة وبدأوا في مسيرة البحث عن الامان عبر سهل نينوى، في ظل موجة من الخوف والترقب في جميع انحاء قرى وبلدات السهل".
وذكر التقرير ان "الطفل ديفيد شميس (5 اعوام ) قتل على الفور عندما بدأ القصف".
ونقل التقرير عن والدة الطفل ضحى صباح عبد الله، قولها إن "اشلاء جسده كانت مبعثرة لدرجة انهم لم يعثروا الا على اجزاء من رأسه ورجليه، كما ان ميلاد ابن عمه البالغ من العمر 9 سنوات، كان من بين الضحايا الذين لقوا حتفهم". وتابع التقرير ان "القصف تواصل طوال اليوم بحسب شاهد العيان نمرود قشا الذي قال إنه بعد انتهاء مراسم تشييع ودفن القتلى بدأت حركة التهجير، حيث اعتقد هو والاخرين ان احداث 26 يونيو / حزيران، عندما فر السكان وعادوا بعد ايام قليلة، ستتكرر".
واشارت ضحى عبدالله الى ان "اصوات القصف لم تتوقف خلال مراسم الدفن، وأتذكر عندما تلقيت اتصالا هاتفيا تحذيريا في منتصف الليل من صديقة لزوجها في الموصل، لتحذرهما من ان داعش على وشك اقتحام قرقوش، فغادرت هي وعائلتها".
ولفت التقرير الى ان "الذين فروا من الموصل حملوا معهم اخبار الفظائع التي ارتكبتها داعش ضد الايزيديين عندما غزا سنجار والمنطقة في 3 اغسطس/آب، مذكرا بان واشنطن وعواصم اخرى اعلنت في نهاية الامر ان ما حدث للايزيديين هو ابادة جماعية". ونقل التقرير عن قشا قوله إنه "في صباح يوم 7 اب/ اغسطس، لم يعد هناك مجال للشك في ان قرقوش وكرمليس وبرطلة سقطت في ايدي داعش"، مضيفا ان "اصوات الرصاص التي رافقت تقدم العناصر الإرهابية كانت تصم الاذان".
وذكر التقرير انه مع فجر ذلك اليوم، وصلت انباء عن تسلل مقاتلي داعش الى حقول البلدة وانسحاب الوحدات العسكرية المكلفة بحمايتها"، مضيفا ان "الشارع الرئيسي المؤدي الى اربيل كان مزدحما بالنازحين، ولم تكن هناك سيارات متاحة لنقل سكان المدينة البالغ عددهم 60 الف نسمة، والذين لم يتبق منهم سوى عدد قليل من العجزة وكبار السن لأنهم لم يتمكنوا من المغادرة".
وقال التقرير، إن "ضحى عبد الله لم تتمكن من وصف مشاعرها وهي تغادر بلدتها، تاركة قبر ابنها مباشرة بعد ان دفنته". ونقل عنها قولها "لم تتوقف عيناي عن ذرف الدموع على الطريق المؤدية الى اربيل، وفرضت علي الافكار السوداء، مشيرة الى "انها كانت تخشى تعرض القبر للنبش والتدنيس".
وبحسب قشا فإن "طريق الموصل الى اربيل ودهوك داخل اقليم كوردستان كانت ممتلئة بالحشود، حيث انتظر عشرات الالاف من المسيحيين الفارين من القرى والبلدات المسيحية طوال ساعات ليتسنى لهم عبور نقاط التفتيش بحثا عن الامان في اربيل".
وذكر التقرير انه في 7 اذار/مارس 2021، اثناء زيارته الرسولية الى العراق، صلى البابا فرنسيس في قرقوش.
وقال، إن "اجتماعنا هنا اليوم يظهر ان الارهاب والموت ليس لهما الكلمة الاخيرة. والكلمة الاخيرة هي لله ولابنه، قاهر الخطيئة والموت"، مضيفا انه "حتى في وسط ويلات الارهاب والحرب، يمكننا ان نرى بعين الإيمان انتصار الحياة على الموت".
واشار التقرير الى ان "ضحى عبدالله بعد سبع سنوات من مقتل ابنها، قدمت شهادتها امام البابا خلال زيارته التاريخية للكنيسة، وروت قصة مقتل طفلها وابن عمه وجارها الذي كان يستعد للزواج".
ونقل التقرير عن ضحى عبدالله قولها للبابا في ذلك اليوم "نحن كمسيحيين نؤمن بقوة بأننا دائما مشاريع استشهادية"، مشيرة الى ان "استشهاد هؤلاء الملائكة الثلاثة كان اشارة واضحة بالنسبة لنا، ولولاهم لبقي الناس في قرقوش ولسقطوا بالتأكيد في قبضة داعش" مضيفا ان حياة هؤلاء الثلاثة "أنقذت المدينة باكملها".
اما البابا فقد قال ان كلام ضحى عبدالله، حول التسامح، اثرت فيه بعمق، مضيفا ان الطريق نحو الشفاء الكامل قد لا يزال طويلا ، لكني اطلب منك، من فضلك، الا تتزعزع عزيمتك. المطلوب هو القدرة على التسامح، ولكن ايضا الشجاعة لعدم الاستسلام.. لستم وحدكم الكنيسة باكملها قريبة منك".