يكذبون علينا ونكذب عليهم!
26-تموز-2023
د. أسعد كاظم شبيب
لا يبعث كلام الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بأن بلاده لم تعتبر السعودية سابقاً عدوتها قط، وما زالت لا تعتبرها كذلك! على أي مسحة من التفاؤل الواقعي، إن لم يكن هذا الكلام نفاقاً سياسيا وفق جملة وثائق ويكيليكس عن علاقة إيران بالدول الخليجية تتم بطريقة “يكذبون علينا ونكذب عليهم”.
اللاواقعية السياسية في تصريح رئيسي تعززها الإجابات الغائبة عن الأسئلة الأكثر أهمية في تلك العلاقة، وبعد أشهر من اتفاق بكين بين طهران والرياض، فليس هناك أي خيط يتتبعه جامعي المؤشرات عن مصير استراتيجية “قم أم القرى” وقبور البقيع وخلايا المنطقة الشرقية في السعودية؟
مقابل ذلك يبدو الحديث عن اتفاق شفهي بين الولايات المتحدة وإيران بشأن برنامجها النووي وإنهاء العقوبات الأمريكية المفروضة عليها منذ عام 2018، مثار ترقب وتكهن في آن واحد.
إيران تبعث برسائلها إلى الغرب وكأن هذا الاتفاق قادم لا محالة، فقد أفرجت في الأسابيع الأخيرة، عن ستة أوروبيين كانت تعتقلهم وأجرت محادثات حول الملف النووي مع ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة.
من دون أن يغيب التشكيك بنوايا إيران من قبل الأصوات الأوروبية التي لا ترى بأن ذهاب حكومات بلدانهم إلى طهران من جديد، لا يلحق ضررا بالمفاهيم الديمقراطية التي يدافعون عنها فحسب، بل إنهم في ذلك يخذلون الإيرانيين على الأقل منذ مقتل الشابة مهسا أميني، ويتخلون عن مصالح الغرب في المنطقة عندما تكون بيد النظام الثيوقراطي المتخلف في طهران.
ذلك ما دفع أكثر من 290 نائبا فرنسيا و76 عضوا في مجلس الشيوخ من جميع التوجهات إلى دعم الشعب الإيراني في سعيه للتغيير واتخاذ إجراءات قوية وحاسمة ضد النظام الحالي.
وفي بلجيكيا بلغ الجدل بشأن إيران حد المطالبة بإقالة وزيرة الخارجية حجّة لحبيب بعد منح تأشيرات لمسؤولين إيرانيين متورطين بقتل المحتجين.
واتهمت المعارَضة الوزيرة بارتكاب “خطأ فادح” من خلال إصدار تأشيرات دخول لوفد رسمي إيراني ضمّ رئيس بلدية طهران علي رضا زاكاني.
وقال زعيم النواب الاشتراكيين أحمد لعويج “لقد أتحنا دخول جلادين… التقطوا صورا لناشطين في مجال حقوق الإنسان عائلاتهم مهددة في إيران”.
وكانت النائبة البلجيكية الإيرانية الأصل داريا صفائي من أبرز المعترضين على الزيارة، معتبرة أن زاكاني “إرهابي” ورمز لقمع النساء في بلاده.
مهما يكن من أمر، هل سيبقى العرب جالسين على منصة المتفرج في المباراة السياسية التي بدأت تصل إلى أشواط متقدمة بين إيران والغرب؟ فالجلوس على المدرجات لا يجعل من المشجع “ناقما كان أو متحمساً” لاعبًا مؤثراً.
الدول العربية التي عانت ولاتزال من أضرار سياسة الهيمنة الإيرانية على المنطقة، لا تملك حتى الآن إلا ممارسة دور الجالس في ملعب المباراة السياسية بين إيران والغرب. وهنا تكمن الخسارة الكبرى للعرب، عندما يضع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مصالحهم فوق أي اعتبار و”يسترضون” إيران في اتفاق محتمل بشأن برنامجها النووي وإزالة العقوبات الاقتصادية والتعامل مع الحرس الثوري الإيراني بوصفه قوة سلام في المنطقة! لا أحد من السياسيين العرب، بما فيهم حلفاء واشنطن، يثق بأن الأمريكيين سيأخذون بنظر الاعتبار مصالح العرب في أي صفقة مقبلة مع إيران. وهناك أسباب متعددة تدفع الحكومات العربية إلى أن تكون أقل تفاؤلاً، حيث تلتزم الولايات المتحدة بسياسة “الغموض الاستراتيجي” المتعمدة فيما يتعلق بأي التزام للحد من نشاط إيران وميليشياتها المارقة في المنطقة. ما يثير المزيد من التكهنات عما ينتظرنا كعرب بعدم مغادرة كرسي المتفرج السياسي، هو مسعى مسؤولي الإدارة الأمريكية التقليل من حجم الجهد الدبلوماسي منذ ظهور تقارير لأول مرة في وسائل إعلام إسرائيلية، تفيد بأن اتفاقية جديدة بين الولايات المتحدة وإيران كانت وشيكة. في حين لم ينفوا الاتصالات غير المباشرة مع إيران، فقد رفض المسؤولون الأمريكيون أي توصيف لـ “صفقة” معلقة.
وقال رئيس الشؤون الخارجية بمجلس النواب مايكل ماكول “جمهوري من تكساس” في رسالة إلى الرئيس جو بايدن إنه “منزعج بشدة” من أن الإدارة كانت تعيد التعامل مع طهران، “وأن نتائج هذه المناقشات تضمنت الضوء الأخضر الواضح لمدفوعات كبيرة لإيران “.
بعد ساعات من نشر ماكول رسالته، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن للصحفيين إن “بعض التقارير التي رأيناها حول اتفاق حول المسائل النووية والمعتقلين ببساطة غير دقيقة أو غير صحيحة”.
غير أن جو ويلسون، العضو الجمهوري في مجلس النواب، عبر عن ثقته في أن أعضاء الكونغرس سيرفضون “بشكل قاطع” الاتفاقية الجديدة مع إيران، قائلاً “إذا أنقذتم النظام الإرهابي في إيران وهو في مثل هذا الموقف الضعيف، فقد خنا ثورة المرأة، الحياة، الحرية في إيران”.
لكن المفاجأة قادمة لامحالة بين إيران والغرب، بينما لا زال العرب على مقاعد المتفرجين، وعندما تحين تلك اللحظة، تفقد مقولة “يكذبون علينا ونكذب عليهم” صلاحيتها السياسية، فإيران عندها ستفرض شروطها على دول الخليج العربي، بينما سياسة “الغموض الاستراتيجي” الأمريكية لم تتغير بعد!