د. علي محمد الصلابي
يوم عاشوراء يومٌ فضيل له خاصيته الدينية والتاريخية التي تميزه عن غيره من أيام السنة، ولهذا اليوم فضلٌ في الإسلام لارتباطه بمناسبة عظيمة في تاريخ النبوات، والدعوة إلى توحيد الله تعالى، فهو اليوم الذي نجى الله تعالى فيه موسى وبني إسرائيل من فرعون وجنوده الذين كانوا يلاحقونهم، فكان أن أوحى الله تعالى إلى موسى أن يضرب بعصاه البحر فانفلق البحر ليتيح لهم طريقاً يعبرون منه إلى الضفة الأخرى، فعبروا بسلام آمنين، بينما أطبق البحر على فرعون وقومه فغرقوا وهلكوا جميعاً، وقد جاء تفصيل هذه القصة في القرآن الكريم، قال تعالى: ((فَلَمَّا تَرَٰٓءَا ٱلجَمعَانِ قَالَ أَصحَٰبُ مُوسَىٰٓ إِنَّا لَمُدرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهدِينِ (62) فَأَوحَينَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱضرِب بِّعَصَاكَ ٱلبَحرَفَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرق كَٱلطَّودِ ٱلعَظِيمِ (63) وَأَزلَفنَا ثَمَّ ٱلأٓخَرِينَ (64) وَأَنجَينَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغرَقنَا ٱلأٓخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَة وَمَا كَانَ أَكثَرُهُم مُّؤمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ (68) )) ” الشعراء: 61-68.
فصام سيدنا موسى كليم الله (عليه السلام) في هذا اليوم شكراً لله تعالى على إنقاذه لهم، وإهلاك فرعون، وصَامه من بعده بنو إسرائيل، ثم أخذ صيامه بعض العرب في الجاهلية من أهل الكتاب فصاموه، وصامه من بعده رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وحض الناس على صيامه، ففي الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: “قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ”. ]البخاري:1865[. وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) يتحرى صيام يوم عاشوراء؛ لما له من المكانة، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: “مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ”. ]رواه البخاري: 1867[.
ولصيام يوم عاشوراء أجرٌ عظيم، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ ” ]مسلم: 1162[. وقد قال النووي (رحمه الله) في شرح المهذب: ” صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ، وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ، وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ… كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَاتٌ وَرُفِعَتْ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ، وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغَائِرَ، رَجَوْنَا أَنْ تُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ “.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن صيام عاشوراء واجب، واختلفوا بين قائلٍ بأن فرض صيام رمضان نسخ وجوبه، فصار صيام عاشوراء سُنةً، بينما قال البعض: صيامه لم يكن واجباً أصلاً، وإنما هو في إطار الاستحباب والسنية. وعلى كل حال، فإن صيام هذا اليوم الفضيل من الأمور التي لا ينبغي أن يغفلها المسلم الحريص على مواسم الطاعات والخيرات، والذي يطمع بمعرفة ربه ورِضوانه.