يوم كنا في دمشق..
14-كانون الثاني-2025

عمار البغدادي
في اواسط التسعينات من القرن الماضي كانت مجموعة من المعارضين العراقيين في مطار دمشق تستعد للسفر الى العاصمة النمساوية فيينا للمشاركة في مؤتمر اقامته المعارضة العراقية بالتعاون مع الولايات المتحدة الامريكية على خلفية تنفيذ قانون تحرير العراق وكان كل شيء طبيعيا قبل اقلاع الطائرة لكن هؤلاء المعارضين فوجئوا باحد ضباط الفرع279 يصل قاعة الانتظار ليبلغهم قرار المخابرات عدم المغادرة والمشاركة في المؤتمر وانزعاج القيادة السورية من خطوة العمل مع الادارة الامريكية!. في ذات الوقت تم استدعاء مدراء مكاتب المعارضة العراقية ممن لهم صلة بالمؤتمر على خلفية عدم السماح لاي حزب عراقي معارض المشاركة في اي جهد سياسي ضد صدام من الاراضي السورية وقد ابلغوا بشكل صريح وان السلطات في دمشق لاتسمح باي شكل تحويل الساحة السورية مقرا لنشاط عراقي معارض بالتعاون مع الاميركان لاسقاط صدام حسين في وقت كان الحوار مع واشنطن احب الاشياء على قلب السياسة السورية !.
قادة المكاتب وممثلوا الاحزاب العراقية وفي مثل هذه المواقف والظروف والاستثناءات السياسية يلجأون الى حكيم القرار الامني السوري اللواء محمد ناصيف المعروف بـ ابو وائل لاكتشاف سر الممانعة السورية وقرارها المفاجيء كون الموضوع مرتبط بالمعارضة العراقية وقرارها الوطني ومحاولة اقناع القيادة السورية ضرورة المشاركة والوصول الى فيينا قبل بدء اعمال المؤتمر الذي كانت المعارضة الاسلامية العراقية خصوصا -باستثناء البعث العراقي المرتبط بالبعث السوري- تؤيده وتنشط في اجوائه بالتعاون مع د. المرحوم احمد الجلبي، وبعد اجتماع قادة الاحزاب السياسية الاسلامية بابي وائل ناصيف الذي كان في ذلك الوقت رئيسا لامن الدولة تنفس هؤلاء المعارضون الصعداء فقد استحصل ناصيف موافقة الرئيس السوري حافظ الاسد اذن المشاركة والعبور الى فيينا من مطار دمشق واتذكر ان ابا وائل ابلغ قرار القيادة السورية لقادة المعارضة بالقول .. اذا وجدتم ان هذا المؤتمر جاد في مشروع اسقاط النظام العراقي فلا بأس من المشاركة اذهبوا وشاركوا في جلساته واذا رايتم ان الاميركان يراوغون وليسوا جادين بقرار الاطاحة بصدام فعودوا الى دمشق.
بعد اكثر من 35 عاما من الان استطيع القول بضرس قاطع كما يقال ان محمد ناصيف رئيس امن الدولة في سوريا كان اهم شخصية سياسية حكيمة وخبيرة وقادرة على تخفيف الاحتقان الذي كان يحدث في كثير من الاحيان بين بعض قيادات المعارضة العراقية وشخصياتها وافكارها وسياساتها وعلاقاتها الدولية وبين اجهزة المخابرات السورية
واشهد بعد ثلاثة عقود منصرمة ان سوريا خسرت كثيرا على مستوى علاقة المعارضة العراقية بالسياسة السورية خصوصا علاقتها ببشار الاسد بعد موت ناصيف لقد كان الرجل المدرعة التي تصد قوى المعارضة بوجوده الهجمات الشرسة التي كانت تاتيها من رئيس المخابرات الجوية الاسبق حسن خليل الذي لم يكن يتردد عن اتخاذ اي قرار باعتقال اي شخصية عراقية معارضة لاتعجبه سلوكياتها السياسية او تصرفها المعارض او مواقفها السياسية العامة اذا لم تكن متوافقة او منسجمة مع المواقف السياسية السورية في وقت لم يكن هنالك رابط بين مايراه بذهنيته الامنية وماتراه المعارضة العراقية ولولا تدخل الرئيس حافظ الاسد لكان حسن خليل اقام حفلة اعدام بكتائب من العراقيين!.
حدث ذلك مرة مع الشخصية العراقية المعارضة عزت الشابندر الذي كان يمثل ايامذاك كتلة من المعارضة وجبهة من النشاط الاعلامي والسياسي فقد سافر الشابندر مرة الى فرنسا لفتح جبهة جديدة من الحوار مع الفرنسيين وقبل ان يصل الى باريس ويجتمع بالشخصيات الامنية والسياسية الفرنسية رفع حسن خليل الهاتف مع طرف فرنسي قائلا :
اوفدنالكم احد رجالنا هو الاستاذ عزت الشاربندر !.
حين عقد الاجتماع سمع الشابندر تلك الجملة من طرف فرنسي فاستنكر ذلك وقال لاعضاء الوفد الفرنسي:
انا هنا امثل طرفا مهما في المعارضة العراقية هو تجمع القوى الاسلامية تقى وامثل نفسي كمعارض لسياسة صدام حسين ولدي مشروع وطني عراقي ولست رجل احد لا حسن خليل ولا اي طرف في القيادة السورية.
حين عاد الشابندر الذي كان يتراس تنظيم (تقى) وهو تجمع سياسي مؤلف من عشرة تنظيمات سياسية واجه شراسة رئيس المخابرات الجوية وهو في مطار دمشق وقد هدده بالاعتقال والسجن لكن ابا زينب لم يابه بهذه التهديدات والكلام الامني القاسي الذي سمعه من اللواء حسن خليل بل تخطى الخلاف مع خليل بزيارته في المستشفى وتقديم باقة ورد اذ كان خليل تعرض اثناء وجود الشابندر في باريس الى وعكة صحية كان الاستاذ الشابندر الشخصية العراقية الاولى في دمشق وكان شجاعا الى الحد الذي كان يناقش مسؤولي الفروع الامنية عن كوارث حزب البعث وجرائمه بحق الناس ولولا صداقاته القديمة باللواء ابي وائل لكان عزت السابندر في عداد المفقودين منذ الثمانينات!.
كان القصر الجمهوري واجهزة المخابرات السورية تصنف قوى المعارضة العراقية الى مستويات مختلفة هي المجلس الاعلى والاكراد وعزت الشابندر ولولا تواضعي في احترام المكونات السياسية العراقية في سوريا لقلت ان الشابندر اولا من حيث الاهمية والاولوية السورية ثم الامثل فالامثل من قوى ومكونات بالنظر الى النشاط والحركية والفاعلية السياسية والمنجز السياسي الذي حققه الشابندر على الارض وفهم الرجل للمعارضة والصراع مع النظام والاهم كيف قدم نفسه معارضا في دمشق وما حولها من مدن وعواصم !. كانت الفروع الامنية المسؤولة عن ادارة الملف العراقي اهمها الفرع "279" تستثمر في القوى السياسية ولاتعمل بالضرورة لصالح الدولة السورية كان اغلب مدراء وضباط المخابرات السوريين يدركون ان هذه القوى ليس لديها عمل ميداني عسكري على الحدود او خارج سوريا باستثناء سنوات الثمانين الاولى عندما كانت حركة المجاهدين العراقيين تنفذ عمليات مسلحة في الداخل بالتعاون مع المخابرات السورية ما عدا ذلك فان اغلب هذه القوى عبارة عن مكاتب وعلاقات عامة واعلام عبر وجود صحف عراقية معارضة مثل الموقف لحزب الدعوة ونداء الرافدين للمجلس الاعلى فرع دمشق والبديل الاسلامي التي كان يصدرها عزت الشابندر ومحمد عبد الجبار الشبوط وصحف اخرى للاكراد وجريدة طريق الشعب التي كان يصدرها الحزب الشيوعي العراقي !.
لذلك كان هذا "الواقع السكوني" الذي يشبه الى حد بعيد واقع قوى الثورة الفلسطينية في الساحة السورية لايقلق اجهزة المخابرات ولارؤساء الفروع وانما كان هنالك شيء اخر يجري بين الطرفين هو الهبات والهدايا ومبالغ كان يتسلمها قادة الفروع الامنية من رؤساء مكاتب في المعارضة العراقية لتسهيل مهمات وتمشية معاملات وتمرير حالات امنية مثل استحصال موافقة امنية بالسفر خارج سوريا او اطلاق سراح سجين عراقي من احد الفروع الامنية لم يدفع مبلغ مالي بسيط لشرطي في المطار وتم تلفيق ارتكاب امني ضده
كما ان هذه الفروع كانت "تلعب" على خلافات قوى المعارضة العراقية السياسية والحزبية وتستثمر في هذه الخلافات مايتيح لها التعرف اكثر على جوهر ما يجري بين القوى العراقية .. هنا احتفظ بكم ليس بسيطا من الخلافات الجانبية بين اطراف اسلامية وصل الخلاف فيما بينها مستوى التدافع بالايدي وكانت المخابرات السورية على خط هذا التدافع ما جعلها تقف في مقدمة الاجهزة العربية ادراكا لهذه الخلافات والبناء عليها مواقف وستراتيجيات نوعية في الطريقة التي يتم فيها العمل مع هذه القوى وتدجين بعضها وردع القوى الاخرى اذا ما ارادت اتخاذ مواقف بعيدة عن توجهات السياسية السورية!.
وقبل ان نسوق امثلة من تاريخ المعارضة العراقية في سوريا يجب التفريق بين نهج اجهزة المخابرات السورية مدراء وضباطا وعناصر في عهد الرئيس حافظ الاسد عن نهجها في عهد بشار الاسد .
كان رؤساء الاجهزة السورية في عهد الاب اكثر حنكة وخبرة ونضج ودراية ومرونة مع قوى المعارضة العراقية وقد عقدت هذه القوى مؤتمر البريستول في العاصمة اللبنانية بيروت ابان انتفاضة آذار 1991 برعاية سورية واموال سعودية وضيافة لبنانية بقرار سوري وكان الرئيس حافظ الاسد يحترم كثيرا ويقدر قوى المعارضة وقد جمعته اجتماعات ولقاءات امتدت لساعات مع ابرز زعاماتها كالسيد محمد باقر الحكيم وجلال الطالباني ومسعود البارزاني وشخصيات قومية ووطنية وكانت هذه القوى تحظى بدعمه وحمايته مثلما كانت اقنية الاتصال به مفتوحة على عدد مهم من زعاماتها وكان يجيب على اسئلتها ويحل اشكالياتها مع الاجهزة السورية ويسهل تواصلها مع المحيط العربي والعالم . ولازلت اتذكر عبارة وردت على لسان احد قادة الاجهزة الامنية السورية زرته بمعية الشيخ محمد رضا الصغير بمناسبة حلول احد الاعياد اذ قال لنا وكان الوقت مساءا: دائما ماكان يوصينا الرئيس حافظ الاسد بالمعارضة العراقية والعراقيين الذين هربوا من بطش صدام خيرا وكان يقول لنا .. ديروبالكن على اخوانكم العراقيين فهم شعب مظلوم .
كما ان عددا مهما من المفكرين والشعراء والمثقفين العراقيين عاشوا برعاية الرئيس الاسد وعنايته واقاموا في اماكن مهمة في العاصمة دمشق مثل الشاعر د. مصطفى جمال الدين والشاعر محمد مهدي الجواهري والمفكر والكاتب حسن العلوي اضافة الى اهتمام القيادة السورية بشخصيات البعث العراقي في سوريا وهم اخوة اعزاء مثل المرحوم د. فاضل الانصاري والمرحوم مهدي العبيدي.
كان عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد اكثر هدوءا واستقرارا لجهة عمل المعارضة العراقية في سوريا.

مرة أخرى.. أربيل تعلن اتفاقا جديدا مع بغداد
4-شباط-2025
اليساري: أفكار ومقترحات لتعديل«سانت ليغو»
4-شباط-2025
86 لبنانيا يغادرون ديالى ضمن برنامج العودة إلى وطنهم
4-شباط-2025
مالية البرلمان تطالب الحكومة بسرعة إرسال جدول الموازنة للمصادقة عليها
4-شباط-2025
حراك نيابي حكومي لملاحقة تهريب سعات الإنترنيت
4-شباط-2025
موقف العراق من سوريا: مقاربة سياسية براغماتية أم اعتبارات أمنية وإستراتيجية؟
4-شباط-2025
مرة أخرى.. أربيل تعلن اتفاقا جديدا مع بغداد
4-شباط-2025
«أوبك+» ترحب بالتزام العراق وتثبت مستويات الإنتاج دون تعديل
4-شباط-2025
الموانئ: خطتنا رفعت حجم مناولة الحاويات إلى 4 ملايين حاوية
4-شباط-2025
وزيرة المالية: العراق يوفر بيئة إستثمارية جاذبة تستند إلى بنية تحتية متطورة
4-شباط-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech