في ذكرى وفاته.. السيد محمد حسين فضل الله
5-تموز-2023
محمد عبد الجبار الشبوط
استطعت ان اقيم علاقة شخصية وفكرية مع السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله هي من افضل العلاقات التي اقمتها في حياتي، كمثل علاقتي بالسيد محمد بحر العلوم والشيخ محمد مهدي شمس الدين، رحمهما الله.
كنت أحب السيد فضل الله كشخص، وأقلده كفقيه فيما يستجد من المسائل، حيث كنت في الأصل اقلد السيد محمد باقر الصدر، منذ سنوات شبابي الأولى، وما زلت.
اطلقتُ في احدى كتاباتي وصف "الفقيه الممارس للعمل السياسي" على السيد فضل الله. وهذا وصف مطابق للواقع فيما أراه. فالسيد لم يكتفِ بالإفتاء في المسائل الدينية وانما غاص الى عمق السياسات المتعلقة بأقطار العالم الإسلامي وفي المقدمة منها بطبيعة الحال العراق ولبنان وفلسطين. وتميزت ممارسته للسياسة نظرا وعملا ببعدها العالمي، فلم يكن يفصل بين ما يحدث في العالم الإسلامي وبين المعادلات الدولية المعقدة. وكان في هذا ذلك الفقيه السياسي الملتزم بالخط المبدئي والمصلحة الإسلامية العليا، ولهذا كان مستهدفا جسديا من قبل الدول المعادية حتى انه تعرض عدة مرات لمحاولات اغتيال أنجاه أجله منها.
سياسيا كان ملتزما بقضايا الاستقلال والتحرر ومعاداة الاستعمار والصهيونية، وكان الصوت المعبر عن معاناة المحرومين والمستعبدين في العالم. فكريا تميز بعقل منفتح سواء في فهم الاسلام من نصوصه التأسيسية اي القران والثابت من سنة النبي والائمة المعصومين؛ وسواء في اطلاعه على التجارب الفكرية العالمية والتفاعل معها، والاستفادة منها في تحريك الجامد من ساحات الفكر الاسلامي.
واكسبه هذا الموقف التنويري عداء او على الاقل عدم ارتياح الجامدين في ساحة الفكر الاسلامي فاطلقوا عليه اوصافا ظالمة لا تليق به، لكن حسبه ان ما قام به انه لوجه الله وطلبا لمرضاته وليس طلبا لمرضاة المخلوقين.
اكسبني قربي الشديد منه قدرة على خوض مسائل فكرية وسياسية ما كنت لأقدر على خوضها لولاه مثل "الفهم الحضاري للاسلام" و"دولة الانسان"، و"المشروع الحضاري الاسلامي". وبخصوص النقطة الاخيرة اتاح لي السيد ان اجري معه حوارات مطولة على مدى اشهر في ظل اوضاع الساحة اللبنانية الملتهبة عن "المشروع الحضاري الاسلامي"، تمت طباعة القسم الاول منها بنفس العنوان في بيروت من قبل الصديق ميثم الجواهري. ولم يتسنّ لي اتمام الحوارات بسبب مغادرتي لبنان نهائيا في نيسان من عام ١٩٩٠ الى لندن. وكان فهمي للمشروع الحضاري الاسلامي من خلال هذه المحاورات اساسا لتبلور فكرة الدولة الحضارية الحديثة فيما بعد. وكنت طرحت فكرة "المشروع الحضاري الاسلامي" على السيد نوري المالكي بوصفه امينا عاما لحزب الدعوة الاسلامية، واقترحت عليه ان يتبناها الحزب رسميا بديلا عن فكرة "الدولة الاسلامية" التي سحبها الحزب من التداول منذ صدور "بيان التفاهم" في عام ١٩٨٠. ولا اعتقد ان السيد المالكي استجاب لهذا المقترح.
يقال "موتُ العالِم ثُلمة في الإسلام لا يسدُّها شيء ما طرد الليل والنهار". وهذا القول ينطبق اشد الانطباق على علماء افذاذ منهم وفي مقدمتهم السيد فضل الله. فنحن مازلنا نشعر بالفراغ الذي تركه السيد في الساحة الفكرية والسياسية الاسلامية، كالفراغ الذي تركه الشهيدان الصدران، وغيرهما من كبار علماء امة المسلمين في هذا الجيل. نحتاج ان ينهض من بين هذا الركام، او "التيه"، كما يقول اخونا وصديقنا السفير لقمان الفيلي، رجال ونساء متنورون، حداثيون، يفقهون الاسلام من خلال ثقافة العصر، قادرون على طرح مشروع للنهضة يخرج الامة من تيه تخلفها وتخبطها في بناء الانسان والمجتمع والدولة بما يحقق الاستقامة على الطريقة المثلى، والسعادة في الدنيا والاخرة.