بغداد _ العالم
يشهد العراق والمنطقة تحركات وزيارات سريعة وبعضها دون إعلان مسبق لمواجهة التطورات في سوريا والتي قد تخلق تمحورات واتفاقات جديدة، فيما يرى مراقبون أنها تأتي لمحاولة أن يلعب العراق دوراً في إيجاد مقاربة عربية تجاه الأزمة السورية بعد الفراغ الإيراني وسقوط نظام بشار الأسد وسعي (تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية) لملء هذا الفراغ.
يقول المراقبون، أن سقوط الأسد في سوريا شكل صدمة كبيرة لزعامات وقوى الإطار التنسيقي المشكلة لحكومة محمد شياع السوداني، وباتوا يدركون أن إسرائيل فعّلت حروب الجغرافيات المتتالية، والعراق سيكون هو الجغرافية القادمة، لذلك هم يعتقدون أن العراق ماضٍ باتجاه التغيير.
وخلال 3 أيام، شهد العراق والمنطقة جولة من الزيارات، بدأت الثلاثاء بزيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية إلى سوريا، ثم توجه إلى بغداد والتقى برئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وبعد هذا اللقاء، توجه السوداني سريعاً إلى الأردن لعقد اجتماع مع الملك عبد الله الثاني، قبل أن يعود إلى بغداد، أما الملك عبدالله فبعد أن ودّع السوداني حلّق على عجل ذاهباً إلى دولة الإمارات العربية المتحدة للقاء بمحمد بن زايد.
وفور عودة السوداني إلى بغداد، وصل وفد من وزارة الخارجية الأمريكية إلى العاصمة العراقية لعقد اجتماع جديد مع السوداني، ثم تلقى السوداني اتصالاً هاتفياً من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ثم استقبل وزير الدفاع الألماني والوفد المرافق له، بعدها تلقى السوداني اتصالاً هاتفياً من وزير الخارجية البريطاني.
فيما التقى مبعوث الأمم المتحدة بالمرجع الديني علي السيستاني، ثم أجرى السوداني اتصالاً بالرئيس المصري السيسي، بعدها زار وزير الخارجية الأمريكي تركيا ومنها توجه إلى بغداد والتقى بالسوداني.
وعن هذه التحركات التي جرت مؤخراً وتجري حالياً، يرى رئيس المجموعة المستقلة للأبحاث، د.منقذ داغر، أنها "بسبب تداعيات الموقف بعد سيطرة الثوار في سوريا، فالكل لديه خشية مما يجري في سوريا وإمكانية الفصائل المتطرفة أن تقوم بتهديد أمن العراق والمنطقة". ويضيف، "أما عن زيارة السوداني إلى الأردن، فأن العراق والأردن يجمعها حدود مشتركة مع سوريا، في ظل وجود تحركات للمجاميع الإرهابية ضمن هذه الرقعة الجغرافية، وسط قلق ومعلومات استخبارية متداولة عن وجود تهديدات، لذلك يجب الحذر وتنسيق المواقف وعدم العمل بصورة منفردة".
ويتوقع داغر، أن "المنطقة ستشهد في مقبل الأيام تمحورات جديدة واتفاقات وترتيبات أمنية وربما حتى محور جديد". من جهته، يقول مركز التفكير السياسي العراقي د. احسان الشمري، إن "الزيارات كثيرة ومتبادلة لكن كل من هذه الزيارات لها خصوصية، حيث إن زيارة السوداني إلى ملك الأردن السريعة والخاطفة هي مرتبطة بتطورات المنطقة وإمكانية أن يلعب العراق دوراً في إيجاد مقاربة عربية تجاه الأزمة السورية".
ويوضح المركز، أن "الدول العربية باتت تستشعر أن انهيار إيران ونظام الأسد في سوريا ولد فراغاً كبيراً على المستوى الجغرافية السورية، لذلك يجد العرب أن من المصلحة ملئ هذا الفراغ من قبلهم في ظل وجود مساعي لدول أخرى (تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية) لملء هذا الفراغ".
ويشير إلى أن "طبيعة الاتصالات مع ولي العهد للمملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان هي أيضاً لإيجاد هذه المقاربة، والدعوة إلى مؤتمر عربي يضع مبادرات ومن ثم يتم العمل بها، وستنتظر الدول استجابة الحكومة الانتقالية في سوريا".
وعن زيارة وزير الدفاع الألماني، يرى المركز، أنها "تأتي في إطار الاتفاق على شكل ومسار التعاون القادم فيما يرتبط بالتحالف الدولي، وأيضاً إيجاد اتفاق ثنائي بين العراق من جهة وألمانيا من جهة أخرى، وهناك مفاوضات لعقد اتفاقات ثنائية بين العراق وبقية دول التحالف الدولي، وجاء وزير الدفاع الألماني لهذا الغرض، وأيضاً لقضية صفقة أسلحة تذهب إلى إقليم كردستان".
وعن التصريحات الأخيرة لزعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، والأمين العام لمنظمة بدر، هادي العامري، يقول المركز، إن "سقوط الأسد شكل صدمة كبيرة لزعامات وقوى الإطار التنسيقي، ولهذا باتوا يدركون بحكم أن إسرائيل فعّلت حروب الجغرافيات المتتالية، أن العراق هو الجغرافية القادمة، لهذا باتوا قلقين بشكل كبير". ويبين، أن "هذا القلق يأتي تزامناً مع تلويح إسرائيلي باستهداف العراق و(الضربة المؤجلة) وطبيعة الحراك الذي تقوم به الأمم المتحدة تجاه العراق والولايات المتحدة الأمريكية ووجود دعوات لإصلاح النظام السياسي، بالتالي تعتقد زعامات وقوى الإطار التنسيقي أن العراق ماضٍ باتجاه التغيير".
وكان زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، صرح، الخميس، أن بإمكان العراق وقواته الأمنية بمختلف صنوفها مواجهة التحديات واحتمالات تحرك تنظيم داعش وحزب البعث في ظل التطورات الحاصلة في المنطقة، في حين اتهم تركيا بالمساهمة بإسقاط نظام الأسد في سوريا.
فيما قال الأمين العام لمنظمة بدر، هادي العامري، إن "ما جرى في سوريا مشروع صهيوني تركي بمباركة أمريكية، وأن الأتراك والصهاينة وجهان لعملة واحدة، وأن ما جرى في سوريا وصمة عار في جبين الأتراك".
وفي هذا الجانب، يقول المحلل السياسي، ياسين عزيز، أن "ما حدث في سوريا وسقوط نظام بشار الأسد لن يكون المرحلة الأخيرة من الأحداث التي تعصف بالمنطقة، والتي يتوقع معها أن تعيد رسم الخارطة السياسية فيها".
ويتوقع عزيز، أن "العراق لن يكون خارج هذه المعادلة، مع وجود تهديد حقيقي لأمن واستقرار العراق في حال لم تضبط الدولة العراقية عبر مؤسساتها الرسمية الموقف الرسمي للعراق، في عدم الانجرار وراء مشروع إقليمي مستهدف الآن".
ويرى، أن "زيارات وتحركات السوداني خاصة بعد ما حمله الممثل الأممي للعراق محمد الحسان للمرجعية العليا يهدف إلى إبعاد أي خطر يمس العراق، مع ضرورة تحرك عربي موحد لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية بعد سقوط بشار الأسد".
وفي السياق نفسه، يقول الباحث في الشأن السياسي، د.ريبين سلام، إن "العراق متمثل بالسوداني يحاول تجنيب العراق النيران المندلعة في المنطقة، خاصة قبل تولي ترامب الرئاسة الأمريكية رسمياً في 25 كانون الثاني 2025".
ويضيف، أن "التوقعات تشير إلى أن ترامب سيوقع على 25 قراراً في اليوم الأول، وهذه القرارات الأولى لن تشمل العراق، بل هي لممارسة الضغط الأعلى على النظام الإيراني، لكن في الأسبوع الثاني ستكون على الأموال العراقية التي تذهب لتمويل الأعمال الميليشياوية ومساندة جبهة (المقاومة)، لذلك من المتوقع أن يتعرض النقد العراقي للتقييد، وقد يعود العراق إلى برنامج النفط مقابل الغذاء".