بغداد – العالم
في خطاب اقتصادي يُعدّ من أكثر الطروحات جرأة في مسار النقاش الحكومي الحالي، وضع المرشح لرئاسة مجلس الوزراء سلام عادل هدفاً واضحاً وقابلاً للقياس، وهو رفع الإيرادات غير النفطية بنسبة 25% خلال عام واحد، من دون تشريع ضريبي جديد، ومن دون تحميل المواطن أي أعباء إضافية.
والخطاب، الذي يأتي ضمن ما يسميه عادل برؤية حكومة المهام، لم يُقدَّم كتعهد سياسي فضفاض، بل كتشخيص مباشر لخلل بنيوي مزمن في الإدارة المالية العراقية، قائلاً إن “العراق لا يعاني من نقص الموارد، بل من فجوة بين ما يجب أن يدخل خزينة الدولة وما يصل فعلياً إليها”.
وبعيداً عن اللغة الشعبوية، بنى عادل طرحه على معادلة واضحة مبنية على كون الإيرادات غير النفطية ليست فكرة نظرية، بل أموال مهدورة، أو معطّلة، أو محجوبة بفعل ضعف الإدارة، والفساد الصامت، والاحتكار غير المعلن.
ووفق الخطاب، فإن نسبة الـ25% ليست “رقماً سياسياً”، بل نتيجة حسابات تستند إلى حجم الهدر في المنافذ الحدودية، وضعف التحصيل الضريبي الحقيقي، وسوء إدارة قطاع الاتصالات، والاحتكارات الخفية، إلى جانب الإنفاق غير المنضبط في العقود والمشاريع.
ووضع عادل أمام الرأي العام خريطة تنفيذية تتكون من خمسة مسارات عملية، اعتبرها كافية لتحقيق الهدف خلال سنة واحدة:
أولاً/ الرقمنة الكاملة للمنافذ الحدودية، حيث اعتبر أن المنافذ هي “شريان الدولة المالي”، وأن غياب الربط الإلكتروني بين الجمارك والضرائب والبنك المركزي ووزارة المالية هو أصل الخلل، مؤكداً أن “إغلاق الفجوة الرقمية ينهي التهريب الإداري قبل الأمني”.
ثانياً/ إصلاح النظام الضريبي لا توسيعه، حيث
رفض عادل منطق زيادة الضرائب، داعياً إلى عدالة التحصيل عبر توسيع القاعدة الضريبية، وتقليل الاحتكاك البشري، وإنهاء التحصيل الانتقائي والإعفاءات غير المعلنة.
ثالثاً/ وقف الهدر قبل البحث عن موارد جديدة، من ناحية التشديد على أن كل 1% من الهدر الموقوف يعادل مليارات الدنانير سنوياً، معتبراً أن أي حديث عن موارد جديدة بلا ضبط للهدر “هروب من جوهر الأزمة”.
رابعاً/ إعادة هيكلة قطاع الاتصالات، بعد وصف القطاع بأنه سيادي وإيرادي، لكنه لا يرفد الخزينة بما يتناسب مع حجمه الحقيقي، داعياً إلى تنظيم التراخيص وضبط التسعير وكسر الفوضى، من دون تحميل المواطن كلفة إضافية.
خامساً/ كسر الاحتكار الخفي وتحفيز المنافسة، وهو ما يعتبر أخطر ما يضرب الإيرادات، وليس الفساد الصاخب، بل الاحتكار الصامت، لأن اقتصاداً بلا منافسة يعني أسعاراً أعلى، وإيرادات أقل، ودولة أضعف. وبحسب الخطاب، فإن رفع الإيرادات غير النفطية يترجم عملياً إلى خدمات لا تتوقف مع تقلبات سعر النفط، وموازنة أكثر استقراراً، وكهرباء وماء بتمويل مستدام، وتقليل الحاجة إلى الاقتراض، واستقلالية القرار المالي للدولة.
وفي ختام خطابه، وضع سلام عادل معادلته بوضوح، “حكومة المهام لا تريد دولة تُدار بالصدف، ولا دولة تنتظر سعر النفط، بل دولة تعرف مواردها، تضبط إنفاقها، وتحاسب نفسها بالأرقام”.
وأكد أن رفع الإيرادات غير النفطية بنسبة 25% ليس شعاراً انتخابياً، بل اختبار جدّي لأي سلطة تطلب المسؤولية، داعياً البرلمان والقوى السياسية إلى التعامل مع الخطة باعتبارها برنامجاً قابلاً للمساءلة، لا مادة للتخدير الإعلامي.