بغداد - العالم
في تاريخ المسرح العراقي، يبرز اسم الراحل قاسم محمد كأحد الأسماء البارزة التي أثرت بشكل كبير في تشكيل المشهد المسرحي في العراق. وُلد قاسم محمد في عام 1936 في العاصمة بغداد، وكان له دور بارز في تطوير المسرح العراقي على مدار عقود. رحل عن عالمنا في عام 2009، لكنه ترك وراءه إرثًا فنيًا عميقًا يشهد له بأنه من أعظم كتّاب المسرح في العراق والعالم العربي.
منذ سنواته الأولى في بغداد، أظهر قاسم محمد شغفًا بالمسرح والفن، مما دفعه للتوجه إلى هذا المجال ليصنع لنفسه مكانة مرموقة في عالم المسرح. بدأ حياته المهنية في المسرح منذ الخمسينيات، وعُرف بسرعة بقدرته على تحويل أفكار اجتماعية وسياسية معقدة إلى عروض مسرحية مؤثرة.
من أبرز أعماله المسرحية التي خلدت اسمه في ذاكرة المسرح العراقي والعربي، تبرز مسرحية "النخلة والجيران"، التي تعد واحدة من أهم المسرحيات التي كتبت في تاريخ المسرح العربي. تقدم هذه المسرحية سردًا اجتماعيًا عن المجتمع العراقي، حيث تنقل صورة عميقة لحياة الناس وهمومهم في ظل التغيرات الاجتماعية والسياسية التي مر بها العراق. تمثل "النخلة والجيران" واحدة من أعمق الأعمال التي تناولت قضايا الهوية والعيش المشترك في العراق.
لقد كانت أعمال قاسم محمد تتسم بالحس الإنساني العميق، حيث استطاع أن يعكس من خلالها هموم الناس ومشاكلهم في سياق اجتماعي يعكس تطورات العراق في مراحل مختلفة. وعُرف بأسلوبه الكتابي المبدع الذي جمع بين الواقعية والفن الرمزي، فكانت مسرحياته تقدم رؤى شاملة لمشاكل الإنسان العراقي.
كان قاسم محمد دائمًا فنانًا ملتزمًا بقضايا مجتمعه. فمن خلال أعماله المسرحية، حاول دائمًا نقل صوت المواطن العراقي العادي وتوثيق معاناته في ظل الظروف المتغيرة. كان يرى في المسرح وسيلة لتحدي الأنظمة الاجتماعية والسياسية، وخلق مساحة للحوار حول القضايا الكبرى التي تواجه المجتمع العراقي. وقد أسهمت أعماله بشكل مباشر في جعل المسرح وسيلة للتعبير عن واقع العراق بكل تعقيداته.
على الرغم من أن قاسم محمد ارتبط بشكل أساسي بالمسرح، إلا أن أعماله امتدت إلى السينما أيضًا، حيث تأثر بها وأثر فيها. كما كان له دور مهم في تشكيل الحركة المسرحية في العراق والعالم العربي، من خلال مشاركته في مهرجانات مسرحية عربية ودولية، حيث كانت أعماله تُعرض وتعكس واقع المجتمع العراقي بأسلوب فني مبدع.
رحل قاسم محمد في عام 2009، لكن إرثه المسرحي سيظل حيا في قلوب كل محبي الفن والمسرح. ترك لنا ليس فقط أعماله المبدعة، بل أيضًا بصمة فنية تضمن استمرارية المسرح العراقي والعربي. وعلى الرغم من مرور السنوات على وفاته، فإن تأثيره في الأجيال الجديدة من المسرحيين لا يزال محسوسًا. يبقى اسمه محفورًا في ذاكرة كل من عايشوا أعماله المسرحية، التي كانت دائمًا تدعو للتغيير الاجتماعي والثقافي.