من الملاحظ في السياسة العراقية، كما في العديد من الدول التي تمر بتحديات اجتماعية وسياسية مماثلة ، أن الشخصيات السياسية، التي يمكن أن نطلق عليها "فرسان المسرح السياسي"، غالبًا ما تكون مشغولة بهموم السلطة أكثر من انشغالها بالمتطلبات الحقيقية لبناء الدولة. وهذا يظهر بوضوح في العديد من الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث أن الكثير من السياسات والتركيزات تكون موجهة نحو كيفية بقاء الأحزاب السياسية أو الشخصيات في السلطة، بدلاً من الاهتمام بالقضايا الحاسمة التي تهم المواطنين وتساعد في بناء دولة حديثة ومستقرة.
1. السلطة: هدف أم وسيلة؟
في الكثير من الأحيان، يبدو أن السياسيين في العراق يتعاملون مع السلطة كهدف في حد ذاته، وليس كوسيلة لخدمة الشعب وتحقيق التقدم. بدلاً من التركيز على القضايا الأساسية مثل تحسين البنية التحتية، توفير الخدمات الأساسية، وتعزيز حقوق الإنسان، نرى أن بعض السياسيين يركزون بشكل مفرط على تقوية مواقعهم السياسية، والتحالفات التكتيكية، والمحافظة على سلطتهم الشخصية أو الحزبية.
2. غياب الاستراتيجيات الموجهة لبناء الدولة:
السياسيون في العراق، كما في بعض البلدان الأخرى، غالبًا ما يظهرون تذبذبًا في رؤيتهم المستقبلية. بدلاً من تبني استراتيجيات ثابتة ومبنية على أسس علمية وعملية لدعم الاستقرار السياسي والاقتصادي، يظهر التراشق السياسي المستمر حول كيفية تقسيم السلطة، وتحصيل المكاسب السياسية قصيرة المدى. وهذا لا يعزز تطور الدولة، بل يعمق المشاكل التي تواجهها مثل الفساد، وتدهور المؤسسات الحكومية، وصعوبة اتخاذ القرارات الشجاعة والمهمة.
3. التركيز على المصالح الفئوية والتنافس على السلطة:
إن الانشغال بالمناصب والهيمنة على مصادر القوة يعد من أبرز التحديات في السياسة العراقية. الأحزاب السياسية غالبًا ما تركز على مصالحها الخاصة وتتنافس على الاستحواذ على السلطة، بدلاً من العمل من أجل مصلحة المواطن العراقي على المدى الطويل. والنتيجة هي حالة من الجمود السياسي، حيث لا يتم تنفيذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة لتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
4. غياب الثقافة السياسية المتطورة:
تعتبر الثقافة السياسية في العراق غير ناضجة في بعض الأحيان، إذ أن العديد من السياسيين لا يتبنّون مفهوم الدولة الحديثة التي تقوم على سيادة القانون، والشفافية، والمشاركة السياسية الفاعلة، والمواطنة الشاملة. بدلاً من ذلك، يتم التركيز على السياسة الطائفية والعرقية التي تعزز الانقسامات، وتقود إلى محاصصة السلطة بين مختلف المكونات السياسية.
5. كيف يتم تفعيل متطلبات الدولة؟
لكي يتحقق بناء الدولة الحديثة في العراق، يجب أن يتغير التصور السياسي بشكل جذري. لابد من التركيز على بناء مؤسسات قوية ومستقلة تعمل على خدمة المواطنين، وضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للجميع. كما يجب تعزيز دور الشباب في السياسة، وتشجيع على الابتكار في قطاع التعليم والصحة، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
إن التحدي الرئيس هو في كيفية تحقيق التوازن بين السلطة واحتياجات الشعب. فعلى السياسيين أن يلتفتوا إلى أن تحقيق المصالح الشخصية، أو مكاسب السلطة قصيرة المدى، لا يمكن أن يستمر في غياب تنفيذ سياسات حقيقية تخدم مصلحة الوطن والمواطن في المدى الطويل.
إن فرسان المسرح السياسي في العراق، كما في بعض الأنظمة الأخرى، يعيشون في حلقة مفرغة من السعي المستمر للسلطة. وإذا استمر الانشغال بهذا الهدف الضيق على حساب متطلبات الدولة والمجتمع، فإن ذلك سيؤدي إلى غياب التنمية المستدامة، وتراجع مستوى الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين. بناء الدولة الحديثة لا يكون فقط عن طريق الحصول على السلطة، بل من خلال نشر العدالة، تحسين مستوى المعيشة، وتفعيل مؤسسات الدولة لخدمة الشعب.
"يا ايها الذين امنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف ياتي الله بقوم يحبهم ويحبونه اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم".