د.ثائر محمد فرحان
بينما يشهد العالم اليوم تفاعلاً متزايدًا بين الإنسان والحداثة، حيث تؤثر التكنلوجيا ومتغيرات العصر على الأنماط السلوكية للجيل الجديد في الكثير من جوانب الحياة، مما يثير تساؤلات حول كيفية الحفاظ على الأعراف والعادات والتقاليد في ظل هذا التغير. ففي الوقت الذي يُبدي فيه الجيل الجديد انفتاحًا على الأفكار الجديدة والتكنولوجيا متمثلا بتطبيقات السوشل ميديا، فإنه يواجه أيضًا ضغوطًا اجتماعية وثقافية تفرض عليه التكيف مع متطلبات العصر مع الحفاظ على الكثير من الاعراف الاجتماعية.من أبرز التغيرات السلوكية التي يمتاز بها الجيل الجديد هو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح الشباب يتفاعلون مع العالم ومن حولهم بشكل أكثر شمولية وسرعة. هذا الانفتاح يسمح لهم بالتعرف على ثقافات وأفكار متنوعة قد تكون إيجابية او سلبية، لا تخضع لميزان المجتمع او حتى الذائقة النمطية للاعراف ، مما يسهم في تشكيل هويتهم بطريقة مختلفة عن الأجيال السابقة، مما قد يؤدي هذا التوجه إلى تراجع بعض القيم التقليدية التي كانت تُعتبر جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية.
على الرغم من التحديات، هناك جهود قائمة لموازنة هذا التوجه مع الحفاظ على الأعراف والتقاليد. ويُعتبر التعليم أحد الأدوات الأساسية لتحقيق هذا الهدف، فبالرغم من كون دوره غير كاف الا انه لايزال له دور مهم ،بحيث يمكن تنشئة الجيل الجديد على القيم التقليدية في الوقت الذي يتعلم فيه مهارات التعامل مع المستقبل. لكن يبقى للعائلة الدور المهم و الاكثر حيوية، في توجيه الشباب و ارشادهم وتعزيز هويتهم الثقافية.
ويعكس تفاعل الإنسان مع الحداثة تعقيدًا في العلاقة بين التغير والثبات. إذ يتطلب الأمر حكمة من الأجيال القديمة وتفكر من الجديدة على حد سواء للالتزام بتوازن يتلاءم مع متطلبات العصر، دون التفريط في القيم الأساسية التي تميز المجتمع. إن الحوار والتفاهم بين الأجيال المختلفة يمكن أن يكون الطريق نحو مستقبل أكثر توازنًا ووعيًا، كأن العادات والقيم و التقاليد هي رسالة تسلم من جيل لاخر.
تخليص الجيل الصاعد من مشاكله في ظل تأثيرات الثقافة الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي ، مما يتطلب مجموعة من الاستراتيجيات الشاملة التي تجمع بين الوعي الثقافي والتربوي. وهذه بعض الأفكار التي قد تساعد في تحقيق تلك :
التوعية الإعلامية حيث من المهم تعليم الشباب كيفية تحليل المحتوى الذي يتعرضون له على مواقع التواصل الاجتماعي.و يجب أن يتم تأهيلهم لفهم المصادر، والتفريق بين المعلومات الصحيحة والمغلوطة و السلوكيات المقبولة و الشاذة .
وتعزيز الوعي الذاتي لدى الشباب من خلال ورش عمل ودورات تعليمية تساعدهم على تطوير قدراتهم في التفكير النقدي. ويجب تشجيعهم على تقييم تأثير المعلومات على مشاعرهم وأفكارهم وتطبيعها على سلوكياتهم.
ومن ثم تشجيع الحوار المفتوح و إنشاء بيئة مفتوحة للحوار بين الأجيال. ويمكن أن يساهم الحديث عن المواقف والمشاعر الناتجة عن الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي في بناء فهم أفضل و كسب مهارة في إدارة استخدامها.
وتطوير مهارات التواصل التي يمكن أن تُعزز مهارات التواصل الشخصي لدى الشباب من خلال الأنشطة الاجتماعية، مما يقلل اعتمادهم على التواصل الرقمي واثاره السلبية كالانعزال , و بناء جسور الثقة داخل الفرد و داخل المجموعة.
وتنمية الاهتمامات البديلة وتشجيع الشباب على ممارسة أنشطة خارج الإنترنت، مثل الرياضة، والفن، والموسيقى. يمكن أن تساعد هذه الأنشطة على تطوير المهارات الاجتماعية وتعزيز الصحة النفسية.
وكذلك إدارة الوقت، حيث من المهم تعليم الجيل الصاعد كيفية إدارة وقتهم على الإنترنت وعدم الانجراف إلى الاستخدام المفرط، ويمكن أن يشمل ذلك نصائح حول تحديد فترات زمنية لاستخدام الأجهزة.
ومن خلال مشاركة الشباب في المجتمع وتشجيعهم على الانخراط في الأنشطة المجتمعية، مثل الخدمات الطوعية، يمكن أن يساعدهم في تعزيز الشعور بالانتماء الاجتماعي و الوطني و حس التعاون وتوسيع آفاقهم.
وبناء القدوة الإيجابية في عقلية الجيل بوجوب أن يُظهر البالغون (مثل الأباء والمعلمين) سلوكيات إيجابية في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ليكونوا قدوة للشباب.
ومن خلال هذه الاستراتيجيات، يمكن أن نساعد الجيل الصاعد على التنقل بكفاءة في عالم يتسم بالتحديات الثقافية والرقمية، مما يمكنهم من تطوير أنماط تفكير صحية وإيجابية داعمة لبناء و ديمومة المجتمع واركانه.