الاقوياء فقط يستطيعون حلها بالتي هي احسن.
الضعفاء، وبسبب ضعفهم، يعاندون ويكابرون وكل همهم اثبات انهم اقوياء، فلا يصلون الى الحل بالتي هي احسن الا بعد ان يمروا بتجارب مكلفة، هذا.. إن وصلوا.
القوي يعرف ماذا يريد فيركز على افضل واحسن طريقة للوصول اليه، اما الضعيف فانت بالكاد تعرف ما يريده لكثرة ما يريد اثباته من مواقف.
فهو وبدلا من الذهاب مباشرة الى الحل، يثبت لك انه قادر على الرفض وانه مستعد للموت في سبيل ما يؤمن به.
ويمكنك، حتى على صعيد الافراد، ان ترى ان الصوت العالي والعناد ومحاولة تخويف الآخر، هي صفات ملازمة للضعفاء في موقفهم وفي تحديد ما يريدونه. وحتى عندما تريد التهدئة وتذكره بانه معروف وخوش آدمي يرد عليك كالملدوغ: معروف وخوش آدمي غصبا عنك!
في اواخر الخمسينيات زارت الملكة اليزابيث عدن يوم كانت تابعة لبريطانيا، وأرادت تكريم احد المشايخ الموالين لها بمنحه وساما.
ووفق الطقوس البريطانية لمنح الاوسمة، فقد كان على الشيخ ان يثني ركبته امام الملكة كي تمر بالسيف على كتفه ثم تقلده الوسام.
لكن الشيخ احتد وغضب وبدأ يتحدث عن العروبة والاسلام والقيم القبلية والدينية التي تمنعه من الركوع الا لله!
وكانت بريطانيا حريصة على تقاليد منح الأوسمة، وحريصة أيضا على تقاليد جماعتها في عدن، فحاولوا افهامه ان هذا لا يشبه الركوع الديني، وانه مجرد حركة رمزية، وسألوه في النهاية: ما الحل يا شيخنا؟ هل نلغي الوسام؟! فلم يرد بغير الحديث عن القيم والمبادئ.
وعرفت بريطانيا ان تحلها بالتي هي احسن:
جاؤوا بكرسي وطلبوا منه ان يثني رجلا واحدة على الكرسي ويقف على الأخرى، والصورة التي بين يدي شاهد على الحل بالتي هي احسن، فهو من جهة الملكة راكع، لكنه يقف صامدا من جهة الجمهور!
وفي الثقافة الشعبية السورية مثل يقول: "لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم" كمثال على الحل الوسط. وفي المساومة على السلع تسمع البائع او الشاري وهو يقول: "لنقسم البيدر بالنص" اي قسمة المبلغ المختلف عليه على اثنين.
ودخلت مرة لقبر صلاح الدين الايوبي بدمشق، فوجدت ضريحين متجاورين للشخصية ذاتها، وقد كتب على الاول انه الضريح الاصلي، فيما كتب على الثاني انه ضريح طبق الاصل.
وشرح لي المسؤول اللغز قائلا: ان الناس يعبرون عن محبتهم او كراهيتهم بطرق عملية سيئة، فوضعنا هنا ضريحا زائفا وآخر حقيقيا. والذي تراه نظيفا هو الأصلي، لكن الناس لا تقترب منه لأننا كتبنا عليه "طبق الأصل" والحل بالتي هي احسن، افضل من وضع شرطة لمراقبة الزوار.
والحل بالتي هي احسن، هو ان تعطي التفاحة لطفل كي يقسمها نصفين، وتعطي الطفل الثاني حق اختيار النصف الذي يريده.
وعندما تعرف وتحدد ما تريد ستصل اليه بالتي هي احسن.
وعندما لا تعرف فانك ستملأ الدنيا بالصراخ مثل سياسيينا واشباههم، اجارنا الله من مشكلاتهم وحلولهم!