آن أوان حظر وسائل الخراب الاجتماعي
22-حزيران-2024

علي الشرع
لم تشهد البشرية تطوراً تقنياً قاد الى خراب سريع وشامل للمجتمع كما فعلت السوشيل ميديا او وسائل التواصل الاجتماعي. والفكرة في تأسيس هذه الوسائل كانت خبيثة فعلاً، فحتى يصل الفساد الى كل شخص ويكون في متناول اليد في كل وقت لابد من ابتكار وسيلة للاتصال الاجتماعي بين الناس يتخطى حدود الدول وحيطان المنازل، وينشر المفاسد بسرعة وبسهولة، ويصعب السيطرة عليه من الحكومات او الافراد. ولكون النفس امارة بالسوء وتميل الى الجانب المثير للذات اندفع الناس وراء الغث من محتواها من دون وعي ولا تفكير. فتفّهت منشورات هذه الوسائل المخربة عقول البشر وغيّرت سلوكهم واذواقهم واخذتهم بعيداً عن الدين، وأصبح ضررها عظيماً لا يكاد يتناسب مع نفعها التافه الذي نكسبه منها، لهذا يجب الإسراع الى حظرها من دون تردد، وتوفير ودعم إمكانيات تقنية لحظرها بشكل تام. ولن نكون اول من يقوم بذلك فهذه الولايات المتحدة ستحظر تطبيق التك توك لا لشيء سوى أنه ينتهك خصوصية وأمن بيانات المستخدمين، وستتبعها أوروبا بذريعة التضليل والتجسس والإدمان والمخاطر الصحية. اما نحن فقد مس التك توك والفيسبوك كل شيء في حياتنا، وضربها ويضربها كل يوم بالصميم، ولا يوجد مبرر اقوى من هذا للتفكير بحظرها من دون تأخير.
فبعد ان هاجمنا فايروس كورونا وانكفأت الناس داخل المنازل خرجت هذه الوسائل الالكترونية عن حدود السيطرة وتحولت الى أداة للتخريب، وصارت تساهم بشكل كبير ومتواصل بخلق الخراب الاجتماعي الذي نلمسه من كثرة وتواصل الشكوى منها، وفي كل لحظة تبعدنا عن أسس وقواعد الحياة الإنسانية والإسلامية على حد سواء، وأصبحنا عاجزين عن صد موجة التخريب هذه، فالنصائح وكتابة المقالات لا تفيد في شيء امام هذا الموج الهادر القادم من هذه المنصات. وليس فقط جهل المستخدمين واغراءات المال والهوس بزيادة عدد المتابعين والمعجبين بمنشوراتهم هي السبب في انحدار وانحراف هذه المنصات بعيداً عن هدف التواصل بين البشر -الذي يوحي به اسمها- وانقلابها الى التخريب والقطيعة بين الناس، بل ان هناك بالفعل تخريباً متعمداً موجهاً من قبل جهات خارجية تريد حشر الناس في كل انحاء العالم نحو محطة مشتركة تُلغى فيها خصوصيات الافراد والمجتمعات ليكونوا مجتمعاً واحداً متجانساً كي تقودهم من خياشيمهم كيفما تشاء وتتحكم بهم كيفما ومتى ما تحب. وقد لا تبالي الشعوب الأخرى من غيرنا من الوصول الى هذه المحطة المشتركة مادامت تحقق الأهداف المادية للمجتمع برفع مستوى دخول ابنائها وزيادة رفاهيتهم، اما بالنسبة لنا فالامر مختلف تماماً. فهذه الأهداف، وإن كانت مشروعة ويجب ان نسعى اليها بقوة أيضا، لكن ليست بهذه الطريقة. فطهارة النفس وتزكيتها لها الأولوية عندنا، وهي الغاية الأساس الذي يجب ان يغلّف اي تطورات تجري في حياتنا والا لا نريدها وسنحاربها. وقد يأتي من يقول وما فائدة تزكية النفس وطهارتها وانا أعيش حياة الضنك والفقر والبؤس، ونقول له انك لن تعيش كأنسان في ظل تلك الحياة المادية المرفهة وانت تمارس فيها حياتك حالك حال (البهيمة المربوطة -التي- همّها علفها وشغلها تقممها) كما يقول الامام علي(ع).
ولو تسائلنا عن التغيير الايجابي الذي صنعته هذه المنصات في حياتنا، وهل ساهمت فعلاً في جعل حياتنا افضل واكثر إنسانية من خلال -مثلاً -تعزيزها للتفاعل بين الناس؟ فالجواب هو كلا، بل انها أحدثت تشويشاً وتخلخلاً كبيراً في نفوس الناس والعلاقات بينهم، واستدار هؤلاء الناس نحو الاتجاه الخاطئ الذي لا يعكس حقيقة انسانيتها وسلامة فطرتها، الذي يستثير الجانب الحيواني منها وجعلها تتراجع القهقرى لتعود بها الى أيام الجاهلية الأولى، وتخلى الناس اكثر من اي وقت مضى عن انسانيتهم، وصار بعضهم يريد ان يفترس البعض الاخر من دون رحمة ولا وجل. ولا نبالغ اذا قلنا انها أصبحت مصدراً للشر، وأن كل ذلك الشر، وكل شر، في الوقت الحاضر صار ينطلق ويُنشر وينتشر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وما نراه اليوم من التغييرات المفاجئة في البيئة الاجتماعية والتقلبات الشاذة في سلوك الافراد وقبول تعابير دخيلة مثل قول المرأة للرجل الغريب "انت صديق" او "أن يكون للمرأة قائمة أصدقاء تشطب منها من يزعجها وتضيف اليها من ترتاح اليه" انما هو انعكاس لما يتم تداوله في التك توك والفيسبوك من أفكار هدامة لتقاليدنا وثقافتنا.
وسيدرك المراقب الخبير والانسان الغيور ان هناك خطر محدق يلتف علينا ويحاصرنا من الداخل في بيوتنا من خلال هذه الأدوات المخربة، ولابد من التصدي له وايقافه عند حده. فالمنشور التافه - (النصي المكتوب او البث الفيديوي المباشر وغير المباشر) المضر بالنفس والمجتمع الذي يُنشر عن قصد من بعض المفسدين في الارض او من كثير من الجهلة ليتابعه الاف الجهلة (والمتعلمين معهم) ويبادروا بالتعليق عليه بدلاً من مقاطعته (حظره) واهماله- هو الذي صار يسود، ولم يبق مكان في هذا البحر المتلاطم من المنشورات التافهة سوى مساحة صغيرة تغطيها وبشكل متقطع المنشورات الهادفة الجادة التي لا يتابعها سوى قلة قليلة من المشتركين، ولن تصمد طويلاً وستنسحب من الساحة لاحقاً نتيجة لقلة المهتمين بها. وستطرد المنشورات والمحتويات الفاسدة التي تشكل 90% من هذه المنشورات تلك ذات المحتوى الجيد والهادف، ولو حذفنا تلك المنشورات التافهة والفاسدة منها لأدّى ذلك الى انهيار فيسبوك وتك توك. وبسبب ضخامة هذه المنشورات فقد انعكس وينعكس محتواها السيء على بيئتنا الاجتماعية وصارت تهيمن عليها وتتطبع بطابعها. وستنافسنا بقوة على تربية أولادنا والا لماذا اصبحت الاسر والمدارس بل وحتى الجامعات تشكو من صعوبة السيطرة على التصرفات غير المنضبطة والغريبة من الأولاد (الطلبة). اما البقية الذين يتصفحون المنشورات من اجل انتقاد المحتوى السيء لها فسيعيشون تجربة مؤذية، فأما ان تجرفهم الموجة الى التطبع به، والتعود عليه نتيجة للتكرار في التصفح فتتلوث نفوسهم، وهو ما يحصل على الاغلب، او يضطروا لمغادرة هذه المنصات مسرعين. وواضح ان خوارزميات مصممة عن تخطيط مسبق في هذه المنصات لاسيما الفيسبوك والتك توك كي تجلب لك -من دون ان تبحث - منشورات فاسدة ومفسدة وملهية تضعها امام ناظريك ويتصفحها الكبار والصغار ويساهمون من دون قصد ببقائها حية في التداول بدلاً من حضرها او اهمالها لتختفي تلقائياً عندما يقومون بالتعليق عليها. وهكذا نسمح بل وندفع اموالاً من اجل تشارك هذه المنصات بتربية أولادنا، ولا نجافي الحقيقة اذا ما قلنا أنه صار لها الدور الحاسم والأكيد في تربيتهم على غير طريقتنا ولغير اهدافنا تمهيداً لخلق أجيال قادمة لا دين لها ولا عقيدة، وسنصحو عما قريب على عالم جديد ومجتمع جديد بلا هوية: بلا دين ولا ثقافة خاصة به. لقد خلقت هذه المنصات انقلاباً هائلاً في حياتنا، وعلينا ان نتوقع المزيد.
وواحد من الانقلابات -التي انتجتها وسائل التواصل الاجتماعي- على ثقافتنا وعلى احكام الدين وانتزاعه من نفوس الناس هو فيما نراه من تناقض في مظهر المرأة الخارجي: فهي من جهة تلتزم بالحجاب وفي نفس الوقت تتزين فتضع المكياج وتصبغ اظافرها الطويلة الملفتة للنظر، وهذا المنظر الغريب المشوّه يمتد من الجامعات مروراً بالموظفات ويصل حتى الطالبات في الإعدادية والمتوسطة. ولا ندري كيف اقتنعت نسائنا في هذا المظهر النشاز الذي يعارض احكام الشريعة؟! فهل هو موضة ولا علاقة، من ثم، لحجابهن بالالتزام الديني فيضعن الزينة من دون حرج، ام ان النساء العراقيات فعلاً يعتقدن انهن محجبات وقد اتخذنه عنواناً لالتزامهن الديني، فكيف نصدق هذا مع تلطيخ وجوهن بالمكياج وصبغ اظافرهن بالألوان الزاهية! والسؤال المحير هو: مَن ذا الذي اقنعهن ان الزينة الظاهرة التي يضعنها على وجوههن وصبغ اظافرهن الطويلة لا تتعارض مع الالتزام الديني؟! الامر الذي انتج مظهراً هجيناً لا يمت للاسلام بصلة. والامر لم يقف عند هذا الحد بل يجر هذا المظهر المتناقض الهجين وراءه صراعاً داخل الاسرة الواحدة عند محاولة اقناع البنات بضرورة الالتزام بالحجاب والثبات عليه. فكثرة التساؤل من قبل البنات عن سبب التزامهن بالحجاب وعدم التزين بينما جارتها او زميلتها بالمدرسة او الجامعة او العمل مغطى رأسها بالحجاب لكنها في نفس الوقت في كامل زينتها كأنها عروس. وهي بل الكثيرات لم تستوعب حقيقة ان التزين والزينة سينسف في النهاية الالتزام الديني ويأخذ معه الحجاب ليطير به في الريح، وهنا تكمن الخطورة. فالبنات عموماً يقتدين بمدرساتهن ومذيعات ومقدمات البرامج في القنوات التلفزيونية -التي يديرها ويمتلكها شيوخاً معممين- ومنها قناة كربلاء الفضائية، وبعضهن يرتدين العباءة والحجاب ويضعن المكياج في نفس الوقت وصرن مصدراً للتخريب. والمصيبة ان النساء مصرات على مظهرن المتناقض الهجين الذي يتعارض مع احكام الدين. واذا كان لابد من تفسير لانتشار هذه الظاهرة وتفشي هذه الموجة فأن اللوم لا يقع على جهل الإباء فقط بل ان ذهاب غيرة الرجال هو العامل الأقوى في بروز هذه الظاهرة في مجتمع كان فيه الذكور اكثر سيطرة على النساء على عكس ما نراه ونسمع عنه اليوم من انقلاب الامر.
وليس ثمة مبالغة في ارجاع سبب انتشار هذه الظاهرة الى عامل واحد وهو ذهاب الغيرة من الرجال: من الاب والزوج والاخ، في مجتمع تشكل الغيرة المستمدة من الاسلام فيه جانباً كبيراً من تشكيل هويته المميزة ( نسمع كثيرا عبارة: العراقي أبو الغيرة!) وهي المسؤولة عن تثبيت وتماسك نسيجه الأخلاقي، اما تفسيره بجهل النساء والبحث عن زوج بالنسبة للعازبات او المحافظة على الزوج بالنسبة للمتزوجات، فلا يمكن تعميمه او قبوله على نطاق واسع. وزوال الغيرة من نفوس الاب والزوج والاخ لا شك انها متولدة من تطبعهم على المناظر بالاداب المعروضة في منشورات التك توك والفيسبوك، بل وزادوا عليه تنافسهم على المشاركة فيهما بالفيديوهات مع عوائلهم وبشكل مخز لتعظيم عدد المشاهدات من اجل كسب المال. وهو ما قاد هؤلاء الى تشجيع بناتهم وزوجاتهم واخواتهم على الظهور بهذا المظهر المثير (السكوت هو تشجيع) بل والدفاع عنهن وهن ذاهبات للدراسة او للعمل في حال التزين الملفت للنظر الذي يستثير الشباب ويشارك في الهاءهم وتخديرهم وتحويلهم من الاهتمام بالتحصيل العلمي الى التركيز على الشهوات والابتعاد التدريجي عن الدين وهو ما يسعي اليه اعدائنا المتربصين بنا الدوائر.
ان تأشير ذهاب الغيرة من الرجال (وإن كانوا هؤلاء الرجال شكلياً يؤدون الصلوات ويصومون ويزورون المراقد الدينية كمؤشر على تدينهم) هو بداية للوهن والضعف في المجتمع ومقدمة للانسلاخ عن قيمنا وابتعاد شبابنا عن الدين وبشكل تدريجي في مرحلة قريبة قادمة في ظل قبولهم من دون وعي لهذا السلوك الهجين المتناقض (للنساء بمظهرهن المخالف للشريعة) والجاهلي (للرجال من ذويهن بعدم الاعتراض عليهن)، وسيشكّل هذا التطور السلبي بداية لتمكن الأعداء منا كلياً. وكل ذلك انما اتى من ضغط السوشيل ميديا السلبي على الناس الامر الذي ترتب عليه عدم مبالاة الرجل بعياله لاسيما البنات منهن فيرميهن بالشارع غير آبه اين يذهبن او يساوم زوجته بصورها او يبتز بنات الناس بسرقة صورها من خلال تهكير حساباتهن على هذه المنصات وغيرها من المفاسد الاجتماعية الدخيلة والمستجدة التي نقرأ او نسمع عنها يومياً وأدت الى زيادة نسبة الطلاق في المجتمع، ورفعت بشكل غير مسبوق نسبة الانتحار بين الشباب خاصة، واستدراج الفتيات الصغيرات واستغلالهن في الأماكن الموبوءة المحمية كما يُقال من جهات سياسية لها مقاعد في البرلمان ويمنحها الجمهور أصواتهم في الانتخابات والدليل عليه هو سكوت الجهات الأمنية وعدم تدقيقها هويات تلك الفتيات الهاربات من ذويهن، ومن اين وكيف وصلن لهذه المواقع الا اذا كانت الحكومة هي متواطئة في افساد الشعب العراقي بحجة حماية الحرية الشخصية وعدم التضييق على خيارات الناس حتى لا نتحول الى دولة إسلامية متشددة ينفر منها الناس. فلا قيم ولا حرمة ولا حرام بقت لتردع هؤلاء المضللين وتوجههم التوجيه الصحيح، وسيفلت الزمام عما قريب، وسيجد الاغلبية انفسهم يبحرون في مستنقع ستصل رائحته الى الجميع، ولن يبقى مكاناً للدين في مجتمع يفلت زمامه وتفوح منه روائح تقتل الفطرة وتنزع منها ثوب الانسانية. ولا يمكن معالجة هذا الموضوع بمنع النساء المحجبات من وضع المكياج فذلك لا فائدة منه ولا يقرّه القانون وسيخلق ردة فعل معكوسة من دون داع ما لم تعي المرأة بنفسها وتعرف انها انما تخدع نفسها بهذا المظهر النشاز، فلا هي محسوبة على المتدينات ولا هي محسوبة على السافرات. كما ان هذا المنع لن يؤدي على كل حال الى استعادة الغيرة وزرعها مجدداً لدى الرجال التي قضى عليها وسلبها منهم التك توك والفيسبوك مالم يستعيدوا هم وعيهم مجدداً ويدافعوا عن حريمهم كما تقتضيه الفطرة السليمة. وهكذا لم يساهم التك توك والفيسبوك في رقي الناس بل سارع في نزولهم الى الحضيض.
ان ادمان هذا الوسائل المخربة ليس وصفا بعيداً عن الواقع، والتخلص من هذا الإدمان ليس سهلا، لاسيما، ان الحكومة صار لها يد في زيادة هذا الإدمان والتخريب عندما غيّرت توقيتات الدوام وجعلت الناس تسهر لساعات متأخرة على التك توك والفيسبوك، ناهيك عن تقاعسها-أي الحكومة المركزية- في السعي الجاد في حجب هذه المنصات وبشكل فوري. ونعلم ان الباحثين المختصين في تعقب تأثير هذه الوسائل على المستخدمين انما يركزون على جانب وحيد وهو الجانب النفسي للمستخدم كحدوث الكآبة والانفصال عن الواقع كون الناس صارت تتواصل وتعيش داخل عالم افتراضي غير حقيقي لا يغني ابدا عن التواصل المباشر الذي ينعش الفكر والروح. لكننا نتحدث عن جانب أخرى اضرت به أدوات التخريب هذه وهي انتقال المجتمع الى مرحلة جديدة من التفاهة والتميع الحاصل بين افرادها من الذكور والاناث الشباب بل حتى الناضجين الامر الذي سينتج عنه -بعد فترة ليست ببعيدة- مجتمعاً ضعيفاً مسلوب الإرادة.
وبصراحة، فأن مثل هذه المنصات، لاسيما، التك توك مثلها كمثل الخمر: ما كان كثيره مسكراً فقليله حرام، فلابد من العجلة في حظر التك توك من دون تفكير قبل ان تأتي الطامة الكبرى. ولا يمكن تشبيه المنشورات والمواد المعروضة في التك توك والفيسبوك بالمواد المعروضة في التلفاز باعتباره جهازاً مشتركاً يعرض فيه الجيد والسيء من المواد كما يروق للبعض بالدفاع عنهما؛ لأن التلفاز انما تديره جهة معروفة يمكن محاسبتها، اما المواد المنشورة في التك توك والفيسبوك فلا يمكن محاسبة ناشريها -خصوصاً اذا كانت من مجهول المصدر او أنها تبث من خارج الحدود- من دون السيطرة التامة على هذه المنصات او حظرها.
ان توعية الاسرة (الاب والام) اصبح غير كاف لصد هذه الموجة العاتية العالية المخربة خصوصا اذا كان الاب والام اميين او حتى اذا كانا متعلمين ولكن غير مواكبين لتطور هذه التقنيات او أنهم على الأكثر منغمسين في استخدام هذه الأدوات قبل أبنائهم فلا يمكن الاعتماد عليهم في حملة الصد هذه. فكل طرق التوعية فشلت لحد الان في كبح جماح هذا الانكباب والهوس في وسائل التواصل الاجتماعي، وإيقاف الانحراف المتسبب به. فلم تعد تنفع التوعية لا عن طريق البرامج في القنوات الفضائية ولا عن طريق محاضرات خطباء المنبر الحسيني الذين لا يمتلك أي واحد منهم كاريزما يستقطب بها الناس. فهم-اي الخطباء- اما تابعين لجهات سياسية يروجون لهم فتنفر منهم الناس او يتناولون مواضيع معقدة لا تميل لها الناس كثيراً كالعرفان والقضايا العقائدية التي تحتاج الى جمهور خاص. وأصبح الخطباء عاجزين حيارى يناشدون الناس على البقاء متماسكين ثابتين في مواقعهم ولا ينجرفوا وراء التيارات الهدامة واللا اخلاقية الفاسدة المنحرفة. فالخطباء يرون ان الموجة اعلى من قدرتهم على صدها او استماع الناس لتوجيهم بالابتعاد عنها، وبقي حائط الصد الوحيد للمجتمع الشيعي خاصة يتجسد في أيام عاشوراء والاربعينية (في محرم وصفر) حيث يستعيد فيها الناس وعيهم لمدة محدودة، في ظل موجات من المحاربة والتشكيك في الشعائر الحسينية مدفوعاً بألم واذى ذاقه العراقيون بسبب الأحزاب والتيارات الإسلامية التي تناوبت على ضياع الأموال العامة. (وهنا يجب ان نؤشر حالة مهمة وهي ضرورة عودة خطبة الجمعة في الصحن الحسيني في كربلاء، فقد كان لها تأثير وحضور قوي على الناس). لكن الناس المتأثرين بأيام محرم وصفر لا يلبثوا بعد انتهاء الشعائر الحسينية الا هنيهة حتى يعودوا الى ممارسة ما تودوا عليه في متابعة منشورات التك توك والفيسبوك وليغطسوا من جديد في لجة بحر هائج تديره بشكل مدروس اياد خفيه تجذب اليه الجميع: جاهل وغير جاهلن والخشية أنهم ان غطسوا سينجرفون ولن يعودوا الى التأثر بالشعائر الحسينية ويكون بذلك قد حقق الأعداء اهدافهم.
ان توعية وتثقيف رب الاسرة ليكون حجاب الصد الأساس يبقى مهماً ولا يمكن التخلي عنه في جميع الأحوال، ولكن ذلك لا يكفي امام هجمة التخريب الموجهة نحونا وعلينا بالذات، ولذلك لابد من حظر هذه المواقع على وجه السرعة. وفي سبيل حظر هذه المواقع يمكن للحكومة ان تشتري الجهاز -الذي نوّهت عنه وزيرة الاتصالات العراقية الحالية في أحدى حواراتها- مهما كان ثمنه، وفي نفس الوقت يتوجب الإعلان عن جائزة قيمتها عشرة ملايين دولار لمن يتمكن من العراقيين خاصة، وليس غيرهم، من ابتكار تقنية للحجب الكامل لها، لاسيما، التك توك. وينبغي على الحكومة ان تعطي قضية خطيرة مثل هذه أولوية اكثر مما اعطته لتقليل الزحامات المرورية، فخطر هذه المنصات لا يقل أهمية بل هو اعظم من خطر المخدرات التي لا ينزلق اليها كل احد، ما دامت تغزوك وانت في بيتك شأت ام أبيت.
ان هذا الحجب الكامل لا يتعارض مع الحرية الفردية والا لما فعلته أمريكا واوربا؛ لأن القضية تتعلق بتهديم المجتمع ولابد من التصدي له بكل الوسائل. ولدينا تجارب قريبة عن الاثار الإيجابية للحظر الكامل مثلما حصل عندما منع تداول كلمة (الجندر) و(النوع الاجتماعي) في وسائل الاعلام ودفنت هذه المصطلحات الدخيلة ذات الابعاد الخطيرة في مهدها ولولا منعها لشاعت وانشبت اظفارها في المجتمع ونخرته وجرتنا الى فتق لن يسد او يعالج ابداً. كما رأينا ايضاً ألاثر الإيجابي لمحاربة المحتوى الهابط. والملاحظ ان الاستئصال كان دائما هو الحل الانجع وقد حكى عنه القرآن كثيرا، فلم ينفع الوعظ والإرشاد في قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب مدين وقوم لوط وقوم فرعون، ولم يردعهم عن غيهم وتماديهم وفسادهم من دون استئصالهم من على وجه الأرض.
واذا كنا نريد ان نضع الحظر في ميزان الربح والخسارة، فأننا لن نخسر شيء من تطبيقه، فمعظم الإعلانات التي تغطي الفيسبوك والتك توك هي تروج لسلع وخدمات تنتج في الخارج وليس في العراق، واذا ما طلبها الفرد العراقي فسوف ينفق عليها دولاراتنا التي نحصل عليها من عائدات النفط مما يشكل خسارة للبلد فضلاً عن تعاظم الخسارة في الانتاجية بالنسبة للموظفين عندما ينشغلون بتصفح المنشورات في هذه المنصات اثناء العمل من خلال هواتفهم الذكية، وبشكل جماعي أحيانا، ويؤجلون عمل اليوم الى غد ويثيرون غضب المراجعين. والمأساة الكبيرة ان يستغل ناهبي المال العام التك توك خاصة كوسيلة لغسيل ما نهبوه من ثرواتنا وتهريبها للخارج من خلال الفاسشنستات والبلوجرات اللواتي صعدن الى الواجهة من قبل جهات متنفذة للقيام بدور مزدوج هو استخدامهن كوسيط لتهريب الأموال التي يسرقوها من جهة، ومن جهة أخرى لغرض تخريب المجتمع حيث صارت هذه المنحرفات محط انظار الفتيات الصغيرات في سلوك طريقهن لكسب المال السريع وشراء السيارات والشقق الغالية الثمن حتى صار العراق بلد الفاشينستات لا بلد الحضارات.
أننا نتعرض الى هجمة منظمة لتخريب الإطار الثقافي والديني للمجتمع، ولابد من ان نتحرك بسرعة لصدها من خلال حظرها والا سوف نجد انفسنا نقاتل هذه الموجات الفاسدة المفسدة-التي بدأت تلبس مظهراً اجتماعياً مقبولاً من الجميع- على أبواب بيوتنا، ولن يبقى احد بمأمن منها، وستصلنا عاجلا ام اجلا وتفرض نفسها علينا بسبب قوة زخمها وعلو ارتفاعها.

خسارة هنا مكسب هناك صفقة هيلاري في الحياة والحب والحرية
26-أيلول-2024
«براد بيت مزيف» يحتال بـ325 ألف يورو على امرأتين
25-أيلول-2024
الرسالة الرابعة
25-أيلول-2024
الامم المتحدة: لا بد من ازالة الصهيونية!
25-أيلول-2024
انتحار نجمة تيك توك «كوبرا أيكوت» وسط صدمة متابعيها
25-أيلول-2024
جبار جودي أمين عام مساعد للاتحاد العام للفنانين العرب
25-أيلول-2024
حقي الشبلي.. عميد المسرح العراقي
25-أيلول-2024
تحذيرات من استخدام اسرائيل للمسيرات لاغتيال قادة المقاومة
24-أيلول-2024
اجراءات قانونية مشددة ضد حركات «دينية» شاذة
24-أيلول-2024
نقيب الصحفيين العراقيين يتلقى رسالة شكر من الامين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية
24-أيلول-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech