ماري ديجيفسكي
في خطابه المتلفز للإعلان عن أن أوروبا "بصدد الدخول في حقبة جديدة" قدم الرئيس إيمانويل ماكرون ادعاءين جريئين قائلاً "إن العدوان الروسي لا يعرف حدوداً"، وإن الكرملين "يشعر أن دفاعاته مكشوفة". وبسبب هذين السببين اللذين بديا متناقضين قدم الرئيس الفرنسي عرضاً يتضمن استعداده حماية القارة الأوروبية وتوسيع المظلة النووية الفرنسية التي وصفها بأنها "كاملة وسيادية وفرنسية بكامل تفاصيلها".
ولكن ما مدى عظمة سخاء الرئيس ماكرون، وإلى أي مدى يشكل ذلك ضمانة، إذا كان قد شعر أيضاً بالحاجة إلى دعوة القارة بأكملها إلى إعادة التسلح؟
الدافع وراء خطابه الذي بث في ساعة الذروة المسائية كان اختتام انعقاد المجلس الدفاعي الأوروبي الاستثنائي الذي عقد بشكل طارئ في بروكسل، بعد أسبوع واحد من الدعوة إلى عقده، وعكست اجتماعاته الارتباك المؤسسي والأخلاقي والعملي الذي يعيشه الأوروبيون، وهم يترقبون تراجع مستوى الضمانات الأمنية الأميركية أو حتى رفعها بالكامل.
لكن تلك الاجتماعات أكدت شيئاً آخر: وهي الحقيقة الغريبة بأن الجانب الأوروبي من المحيط الأطلسي، باستثناء بعض المنشقين، يستعد لمواصلة الحرب التي تحاول الولايات المتحدة، على ضفة المحيط الأخرى، إنهاءها.
على رغم أن الاتحاد الأوروبي كان في الأصل مشروعاً للسلام، فقد طور تدريجاً بعداً خارجياً ودفاعياً وأمنياً. وبينما تتداخل عضويته الآن بشكل أكبر مما كانت عليه في السابق مع عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو) – بعد انضمام فنلندا والسويد أخيراً – فإن التداخل ليس كاملاً. فالنمسا وإيرلندا دولتان محايدتان تظلان خارج "ناتو". والمملكة المتحدة والنرويج، إضافة إلى ألبانيا وعديد من دول البلقان، أعضاء في "ناتو" ولكن ليس في الاتحاد الأوروبي، وكذلك تركيا.
ولكن أي تحرك نحو مزيد من التكامل الدفاعي من جانب الاتحاد الأوروبي، من شأنه أن يثير مشكلين محرجين بصورة خاصة اعتاد الأوروبيون حتى الآن على دفع البحث بهما إلى مستقبل أبعد. أحدهما هو إعادة التسلح – وهو مصطلح تدُوول في الفترة التي سبقت اجتماع بروكسل وأصبح الآن جزءاً من الخطاب العام، حتى في ألمانيا، التي بدت لديها حساسية مفرطة لمجرد ذكر إعادة التسلح منذ عام 1945. والمشكل الآخر هو مدى الرغبة من عدمها في ضرورة أن يكون هناك قوة ردع نووية أوروبية، وهي أمر يدخل في معادلة ما إذا كان مزيد من الدعم لأوكرانيا من شأنه أن يؤدي إلى زيادة احتمال خطر نشوب صراع مع روسيا.
والمسألة النووية تضع فرنسا في صلب القضية، بوصفها الدولة الأوروبية الوحيدة في الاتحاد التي تمتلك قدرة نووية، ويفرض ذلك التساؤل بفضول حول ما إذا كانت فرنسا مستعدة لتتشارك في تلك القدرات النووية مع غيرها من الدول، وبأية شروط، ماكرون اعتبر الأمر احتمالاً وارداً. المملكة المتحدة، وهي لم تعد عضوة في الاتحاد الأوروبي، هي الدولة النووية الوحيدة الأخرى في أوروبا، وهناك أصوات خافتة تشير إلى إمكانية تعاون بين المملكة المتحدة وفرنسا لتوفير المظلة النووية لأوروبا كبديل عن المظلة الأميركية.
تبدو فكرة جيدة، لكنها تحمل في طياتها كثيراً من التعقيدات. بداية، فالنظامان غير متماثلين أو متوافقين، وسلاح الردع البريطاني، أي نظام صواريخ ترايدنت الذي توفره الولايات المتحدة، ليس مستقلاً تماماً كما يروق القول لكثيرين في الأوساط البريطانية السياسية، إن لم يكن العسكرية. أين ستجد بريطانيا نفسها إذا سحب ترمب نظام ترايدنت منها؟
أما في ما يتعلق بقضية التسليح، فهناك عديد من المشاريع التي تطرح، بما في ذلك رفع بعض القيود الائتمانية للاتحاد الأوروبي، وجهود أخرى (لا تُطرح للمرة الأولى) وتتعلق بتحسين التنسيق والحد من الازدواجية بين دول التكتل. ولكن يبقى أن نرى مدى استعداد عديد من دول الاتحاد الأوروبي لخفض موازناتها في مجالات أخرى، وبخاصة الاجتماعية – وهي قضية أسقطت حكومات عدة في العام الماضي. وإذا كان هناك توجه أيضاً للانضمام إلى ما يسمى "تحالف الراغبين" الذي يقضي بإرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا، سواء للقتال أو نظرياً لحفظ السلام، فقد يكون من الصعب الحفاظ على المستوى الحالي من الدعم الذي تقدمه دول الاتحاد الأوروبي إلى أوكرانيا.
حتى لو نجح الاتحاد الأوروبي في الاتفاق على سياسة دفاعية مشتركة، فإن هناك مشكلة أخرى لا بد من أن تظهر وتتعلق بمركزية دور ألمانيا. النقاشات الجديدة عن مسألة الدفاع الأوروبي تزامنت مع الجولة الأخيرة من الحملات الانتخابية الألمانية، إذ كسرت الإشارات إلى مسائل مثل إعادة التسلح والأسلحة النووية – التي طرحت بداية بخجل ثم بصوت عال لاحقاً - كثيراً من المحظورات الألمانية، حتى إنها أثارت مقاومة أقل داخل وخارج البلاد مما كان متوقعاً.
حتى إن موضوع احتمال مشاركة ألمانيا في مشروع الردع النووي الفرنسي بدا أنه يثير مقاومة أقل مما كنت أتصور شخصياً. أما إذا كان الرأي العام في المملكة المتحدة سيبدي القدر نفسه من الموضوعية تجاه احتمال إعادة تسليح ألمانيا وقدراتها النووية، فهذه مسألة أخرى، نظراً إلى أن أطفال بريطانيا لا يزالون غارقين ومتأثرين في سرديات الأساطير البريطانية حول الحرب العالمية الأخيرة.
وينطبق شيء مماثل على كثيرين في أوكرانيا، حيث يبدو السياسيون من الشباب على وجه الخصوص، وأولئك الذين يعيشون في أمان خارج البلاد، مسترخين بشكل غير مبرر حيال حال الحرب، وليس فقط الحرب نفسها، بل أيضاً إمكان استخدام الأسلحة النووية فيها. ولا يقتصر الأمر على المشاعر القومية التي تظهر عند مواجهة تهديدات وجودية. فالخوف الذي لا يزال يعتري من عايشوا أزمة الصواريخ الكوبية هو شيء لم يعرفه أو يختبره أبناؤهم وأحفادهم قط، وذلك التغيير أمر واضح.
إن احتمال تحقيق ذلك في أي وقت قريب، على رغم السرعة الفائقة التي تتطور فيها الأحداث، لا يمكن أن يكون إلا أمراً بعيداً، وهو ما يترك بدوره كثيراً من المشكلات العالقة التي من شأنها أن تزيد تعقيد أي حل للحرب الأوكرانية.