الإنسان والثنائية الأخلاقية
19-أيلول-2023
شيروان الشميراني
الحياة الحديثة مصطلح يُتردد كثيراً باستمرار في الأوساط العامة، إنها غير الحياة الغابرة التي كان نمطها وأشكالها سائداً في زمن الأجداد أو قبل الأجداد، لكنها لا تتوقف عند حدود المناظر والمباني والملابس ووسائل النقل الحديثة، وإنما تصل إلى مجال السلوك والتغير النفسي.
أحد مدراء غوغل عند إفتتاح المكتب في جنوب شرق آسيا قال للحاضرين: عندما تتعاملون مع الانترنت فلا شيء في حياتكم يبقى كما كان، كل شيء يتغير ولا تستطيعون العودة إلى الوراء، فتغير طريقة الحياة تأتي معه تغيرات متنوعة في التواصل الاجتماعي والسلوك والتصرفات الفردية، وتقنيات الإتصال أو التفاعل بين الفرد والمجتمع بواسطتها، تأتي في المقدمة، وهي المعروفة بالتكنولوجيا الحديثة وما توفره من سهولة في الإتصال وكذلك ما تحتويه من مخاطر، ويحتل الإعلام الإجتماعي - فيس بوك - واتساب - يوتيوب - الصدارة.
المختصون كان تركيزهم على جانب المراقبة والتجسس من خلال هذه التقنيات الحديثة التي تستغوي الناس لإستخدامها، والعديد من المنظمات الإجتماعية تركيزهم إقتصر على جانب التدمير الأسري، أو كيفية إستعمالها إيجابياً، لكن القليل من الناس أعطوا جانباً مهماً آخر من الاهتمام، وهو ما يسمى بـ "التعرّي"، وليس القصد هو التعرّي الجسماني وإن كان الكثيرُ الكثير يتعرون جسمياً طريقاً للفت الأنظار وجلب الإهتمام، إنما المقصود بالتعري هو تعرّي شخصية الإنسان ورفع الغطاء عن ما هو مستور أو مختبيء في ذاته، أو فسح المجال لبروز الصفات النفسية السيئة عن طيب خاطر، وهو ثمرة للثنائية الأخلاقية المتضادة في نطاق الشخصية الواحدة، وهذا الأخطر، فقد يعطي وجهين للشخص الواحد، واحد منه الكتروني والثاني هو حقيقي، الالكتروني هو المواجه للشاشة، والحقيقي هو المواجه للعالم المحسوس، ما يخبئه عند مواجهة العالم المحسوس يظهره ويكشف عنه ككشف وجهه أمام الأداة الالكترونية، فكل صفاته السيئة المستورة تتجسد على وجهه العاري فيقرأ الناس تلك الصفات ككتاب مفتوحة صفحاته، من على صفحات وجهه، فأسراره مكشوفة كوجه كتاب.
عندما يتعامل هذا النوع من المستخدِم مع الناس من الأصدقاء والجموع مباشرة في عالم الواقع يكون محترماً مهذباً، يتصرف تصرفاً أنيقاً يراعي الايتيكيت، وبمجرد وصوله الى زاوية الغرفة حيث مكتبه وجهازه الالكتروني تتحرك داخله الخصال النفسية السيئة التي مَنَّ الله سبحانه عليه بالستر عليها، فيتحول إلى شخص فظّ بعد أن كان وديعاً، ويكسر الحدود بعد أن كان لبقاً، ويشتم ويتعدى بعد أن كان مهذباً، ويسخر بعد أن كان محترماً، ويهين بعد أن كان حريصاً، كل هذا أمام الشاشة عبر المنشورات الخاصة او التعليقات، أو الوصول إلى البهتان والإفتراء عبر نشر فيديوهات مفبركة لأغراض سياسية أو بحثاً عن اللذة الوقتية من عدد التصفيقات التي يراها ولا يسمع صوتها. فهو شخصيتان إذن، مؤدب أمام العام، وغير مؤدب أمام الشاشة.
إنّ النظام الأخلاقي لا يغيب في أي لحظة ولا يتوقف عن العمل في أي مكان وتحت أي ظرف، لا يوجد موقع أو موقف يكون المرء خالياً أو متحرراً من القيم الأخلاقية، ولهذا مدح الله سبحانه الذي يخشون ربَّهم بالغيب ووعدهم بأجرٍ كبير، حيث الإختباء من الأعين الباصرة، لكن الحساب يكون وقت الانزواء لعين الله المراقبة.
هذا الشعور بالتحرر أو الإحساس بالإنعتاق من الحساب والكتاب والعقاب، وهذا الانحدار الأخلاقي، الذي حتى التربية الدينية لم تسجل النجاح الكامل في كبحه لأبنائها، يُجابَهُ بسؤال ملح من المهتمين المحللين، هل وسائل التواصل الاجتماعي هي السبب الكامن خلف هذا السلوك الالكتروني، أم عاكِسة له فقط؟.
الحقيقة إن العلاقة تدور بين التأثير والتأثر، بمعنى نسبية المسؤولية بين التكنولوجيا ومستخدمه، لكن بما أن الإنسان من قدره أن يكون مسؤولاً عن تصرفاته، فإن العديد من المختصين حكموا على أن التكنولوجيا هي عاكسة لما يوجد داخل ذواتنا، وإنها هيأت الجوّ المناسب لتدفق الحقائق المخبوئة داخل نفوسنا.
هذا ما يقوله "جوش روز": إن الأنترنت لا يسرق عنا إنسانيتنا، ولا يلج إلى داخلنا، وإنما هو إنعكاس لما يوجد داخل ذواتنا. وللرئيس الأميركي الأسبق "باراك أوباما" تفسير مفيد، يقول: إن عمل وسائل التواصل الاجتماعي مع الإنسان هو كعمل البيئة مع الفيروس، فكما أن البيئة الرطبة تهيء الجو الطبيعي المناسب لحياة الفيروس وتكاثره، فإن تلك الوسائل هيأت الأجواء للفيروسات السلوكية النفسية التي تتناسب معها لتنمو وتجد طريقها للظهور. ما يعني إن الفيس بوك وغيره أظهر المكنون والنفسية الحقيقية للفرد.
وقد جاء الخداع من جانب آخر، وهو محاولة إستعمال تلك الوسائل إستعمالاً لغرض وغاية جيدة، وهذا تفكير محمود، لكن أثناء العمل تظهر الخصال المرفوضة تربوياً، لأن المستخدم لكي يصل إلى تلك الغاية المحمودة من منظوره، يعود ويتجاوز الأدب، ويخرج عن دائرة التهذيب السلوكي، حتى من العاملين لأغراض سياسية من أهل الدين، يَعبُرون المبادئ الشرعية لأصول النظام الاجتماعي، ويتحدثون من دون مراعاة أدب القول، ويكتبون من دون الحساب لقيمة الكلمة، وأحياناً يكون التجاوز والإجتراء في القول حتى على الأصدقاء والإخوة الحقيقيين، وقد يمسّ الكبار في العلم والكبار في العمر والكبار في المقام.
إنّ الكراهية إحدى ثمار هذا السلوك نتيجة إحساس إنعدام المسؤولية حين إستعمال الوسائل الالكترونية، فكل ما ذكرناه من التجاوزات عبر المنشورات المُتَوَهّمة بأنها مجانية، توجه إلى أشخاص وكيانات ومجموعات ومجتمعات دينية أو سياسية، وما من ريب بأنها تفعل الأفاعيل في إثارة الحقد والبغض المضادّ، سواء على المستوى الشخصي أو الجماعي، وهنا وفي سبيل التخلص من تلك الآفات، إن الواجب يقع على عاتق أهل التربية والتعليم، وعلماء الاجتماع، وقادة الأحزاب، والكتاب والمثقفين، شرحاً وتوضيحاً، ووضعاً لسدود منيعة لعدم الإنجرار بصحبة المراهقين! وراء الإغواء واللذة المؤقتة من الشعور بالحرية الزائفة، ونشوة التعدّي على كرامة الآخرين وَكَسْرِ هيبتهم تخيُّلاً بأنّ كلَّ شيء الكترونيّ مُباح. وما الله بغافل عما يعملون.
الأمن الوطني يعلن تفكيك إحدى أخطر شبكات تجارة المخدرات والتهريب
18-أيار-2024
مكتب السوداني: جسر "غزة" من أهم المشاريع لتنظم حركة النقل بين بغداد والمحافظات القريبة
18-أيار-2024
محافظة بغداد: خطة لتنفيذ 40 مشروعاً بأطراف العاصمة
18-أيار-2024
العراق وتركيا يبحثان تطوير البرامج الدراسية المتبادلة بين البلدين
18-أيار-2024
الصحة تحيل إدارة المستشفيات الحديثة من قبل الشركات المتخصصة
18-أيار-2024
بموافقة العراق.. تركيا تحضّر لهجوم بري واسع والهدف السليمانية
18-أيار-2024
البرلمان يفشل في اختيار الرئيس.. الكتل تبحث تأجيل جلسة التصويت
18-أيار-2024
أبو ذر الغفاري.. السهم الاشتراكي
18-أيار-2024
مانشستر سيتي يسعى لكتابة التاريخ بلقب رابع تواليا في البريميرليغ
18-أيار-2024
فوزي كريم.. الهادئُ الذي مرّ بنا فشذّبنا
18-أيار-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech