علي محمد مجيد
حين نتأمل المشهد العراقي الراهن، نجد أنفسنا أمام بلد يُعيد إنتاج أزماته بطريقة متكررة تُنهك الوعي وتُستنزف معها الأحلام. عراق ما بعد التغيير لا يشبه الأحلام التي نُسجت عام 2003، بل صار مرآة مشوشة تعكس اضطراباً سياسياً متواصلاً، ومجتمعاً مثقلاً بالإحباط والقلق والتساؤل: إلى أين نمضي؟
السياسة في العراق ما زالت رهينة الصفقات لا البرامج، والأحزاب تمارس حضورها كأنها أوصياء على البلاد لا ممثلون عن الناس. حكومات تتعاقب، ووجوه تتكرر، وشعارات تطلق في كل موسم انتخابي، دون أن يلمس المواطن فرقاً حقيقياً في حياته اليومية. الخدمات، التعليم، الصحة، البنية التحتية، فرص العمل… كلها تراوح مكانها، أو تتراجع بصمت موجع.
المواطن العراقي، الذي صبر طويلاً وانتظر كثيراً، بات يعاني من "فقدان الثقة"، لا فقط بالنظام السياسي، بل بكل ما يُمثّل الدولة. وقد يكون هذا أخطر ما وصلنا إليه: أن تصبح العلاقة بين الناس والدولة قائمة على الريبة، وأن يُنظر إلى مؤسسات الدولة باعتبارها عبئاً لا ملاذاً.
ما يزيد من قتامة الصورة، هو المشهد الاجتماعي الذي يزداد هشاشة؛ شباب عاطلون عن العمل، موجات هجرة داخلية وخارجية، تفكك أسري، وانتشار مظاهر الفساد الأخلاقي والمالي معاً. أما النخب، فإما منخرطة في اللعبة السياسية، أو صامتة، أو مغتربة عن واقع مجتمعها.
لكن، وسط هذا الظلام، تبقى بارقة أمل لا تنطفئ…
جيل جديد بدأ يُعبّر عن نفسه، ليس فقط في ساحات الاحتجاج، بل في مجالات الإبداع والعمل والتطوع. عراقيون يحاولون أن يصنعوا التغيير بأدوات بسيطة، وإرادة صلبة. هم لا يراهنون على السياسي، بل يراهنون على أنفسهم.
السؤال الجوهري الآن: هل نحن بحاجة إلى إصلاح النظام، أم إلى تغيير جذري في طريقة التفكير؟
هل ننتظر المعجزة السياسية من فوق، أم نبني ثقافة التغيير من القاعدة؟، الجواب قد يطول… لكنه يبدأ من لحظة وعي.
وعي بأن الوطن لا يُبنى بالشعارات، ولا بالولاءات الضيقة، بل بالصدق في النية، والجدية في الممارسة، العراق لا ينقصه الأمل، بل تنقصه إرادة تُحوله إلى واقع.