في ظل أزمات سياسية واقتصادية وأمنية تعصف بالعراق منذ عقود، يبقى المشهد الثقافي أحد الملامح الأكثر تماسكًا ودهشة. فالثقافة في العراق ليست ترفًا، بل مقاومة ناعمة، وذاكرة جمعية، ومحاولة حثيثة للحفاظ على هوية حضارية ممتدة منذ السومريين وحتى يومنا هذا.
ورغم التحديات التي أحاطت بالمثقف العراقي، من التهميش إلى شحّ الدعم، فقد شهدت الساحة الثقافية في السنوات الأخيرة خطوات إيجابية لافتة، يقف خلفها عدد من الفاعلين الثقافيين، يأتي في طليعتهم الدكتور عارف الساعدي، الذي لا يُعد شاعرًا وباحثًا فقط، بل يُنظر إليه اليوم كأحد أهم مهندسي النهوض الثقافي في العراق.
من خلال موقعه في وزارة الثقافة، ومن خلال حضوره الإعلامي والمعرفي، عمل الدكتور الساعدي على إعادة الاعتبار للمثقف العراقي، وإشراكه في القرار والتخطيط، كما دعم العديد من المبادرات الثقافية، من مهرجانات الشعر والرواية إلى الفعاليات السينمائية والفنية والمعارض التشكيلية، وفتح الأبواب أمام طاقات شبابية جديدة.
أبرز ما يُحسب له، هو سعيه إلى تحويل الثقافة من نشاط نخبوي مغلق إلى مشروع اجتماعي واسع، يرتبط بالناس، ويطرح أسئلتهم، ويواسيهم، ويحتفل بهم. ولعل منجزه في بغداد مدينة الإبداع، ودعمه المتواصل للمراكز الثقافية في المحافظات، خير دليل على إيمانه بأن الثقافة ليست في المركز فقط، بل في الأطراف أيضًا.
لكن ورغم هذه الجهود، لا تزال الثقافة في العراق بحاجة إلى بنى تحتية أقوى، وتشريعات تضمن للمثقف حياة كريمة، وتحد من هجرة العقول، وتعيد الاعتبار لمكانة الكتاب، وتوسع من المساحات الحرة للإبداع.
في النهاية، قد لا يكون الطريق سهلاً، لكنه صار مُمكنًا أكثر من أي وقت مضى، طالما هناك من يؤمن بأن الثقافة ليست ترفًا ولا شعارًا، بل حاجة إنسانية عميقة، وركيزة لبناء وطن لا يُقاس بقوة اقتصاده فقط، بل بثراء روحه أيضًا.